عبر أستاذ العلوم الإنسانية من الجامعة اليهودية من القدس وناشط الشراكة العربية اليهودية Ta'ayush ديفيد شولمان عن رأيه بأن الفترة الرابعة لبينيامين نتانياهو تمثل خطرا على إسرائيل.
لقد تغلب بنيامين ناتانياهو على منافسيه من جديد فسيكون يسيراً عليه الآن تشكيل التحالف اليميني المتين. هكذا تقول استطلاعات الرأي. لكن مجرد الأرقام بحد ذاتها قد تؤدي إلى الضلال. ثمة واقع بأن الناخبين الإسرائيليين يراقبون بتمعن أفعال القوميين النشطاء الذين تقارب مواقفهم في بعض الأحوال الفاشية من الطراز القديم فينتخبونهم. ليس لديهم أية ميول للسلام. بل إن الحكومة حتى لا تناقش إمكانية المحادثات حول الهدنة مع الفلسطينيين وأوضحت تماماً أن التوسع في الأراضي العربية سيستمر.
التصريحات الحادة من قبل بنيامين نتانياهو تحسباً لانتخابات الكنيست المبكرة كان بإمكانها أن تلعب دوراً في الانتصار المحتوم لحزب الليكود. لأول مرة منذ عام 2009 حين ألقى بنيامين نتانياهو كلمته الشهيرة في بار إيلان أذاع علناً النوايا السياسية لتقسيم الأراضي محطماً بذلك الاتفاق من الجانبين الذي تم التوصل إليه بصعوبة بالغة وأعلن أنه ما دام هو حياً لن يتحمل وجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. قيل عن مشاريع ضخمة لبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية. لقد أوضح بنيامين نتانياهو بأن إسرائيل لا تنوي القيام بأية تنازلات جديدة في الأراضي، إذ برأيه أن هذا يعني إعطاء تلك الأراضي للإرهابيين الإسلاميين.
في يوم الانتخابات دعا بنيامين نتانياهو الناخبين اليهود إلى التصويت وذلك لأن "الجالية العربية تأتي إلى محلات الاقتراع بكثرة". هل يجوز أن نتصور رئيساً أمريكياً أبيضاً يدعو السكان البيض أمثاله الحضور إلى محلات الاقتراع لأن "السود كلهم يصوتون"؟ ليس من الصعب التخمين ما الذي سيختاره رئيس وزراء إسرائيل الحالي والمنتخب من جديد: القيم الديمقراطية أو معارضة العالم العربي.
وقد سمى ممثلو الأحزاب اليسارية منتبهين إلى موهبة بنيامين نتانياهو العالية في الدهاء هذه التصريحات بـ"البلاغية". وقبل ذلك وتحت ضغط قوي من لدن الولايات المتحدة تحير رئيس وزراء إسرائيل بعض الشيء في تعليقاته بخصوص الوضع القانوني للدولة الفلسطينية أمام المستمعين الناطقين بالإنكليزية. وفي الأيام الأخيرة قبل الانتخابات كان نتانياهو صريحاً بالكاد ومن المرجح أنه كان يقول فقط ما رغب سمعه أنصاره المخلصون. تمت الانتخابات ولم يتغير حتى الآن أي شيء. لكن اليمينيين الآن هم الأغلبية الساحقة في الكنيست.
gali estrange/Shutterstock.com
في المستقبل القريب أو المتوسط يجوز أن تكون للتشكيلة السياسية الجديدة أربعة عواقب على الأقل:
1. فكرة دولتين على الأراضي الفلسطينية التاريخية مشكوكة. نتانياهو يعترف بذلك. إنه يود لو أنه في المستقبل القريب بقي الفلسطينيون كالسابق يعيشون في حال الإرهاب الحكومي، بحيث أن أراضيهم لا تتبع لهم وكذلك بيوتهم وفي غالب الأحيان حتى أرواحهم، وليست لديهم أية حقوق مدنية، وليس لديهم إمكانية الإلتجاء إلى المحاكم، وهم وكأنهم محتجزون ومحرومون من أتفه حقوق الإنسان.
لنضرب مثالاً أقل إيذاء من غيره. في أيام العطلة الماضية كنت في الضواحي الجنوبية من مدينة الخليل في ضيعة زنوتة فتحدثت مع أحد الرعاة. لقد صادروا منه حقوله حيث كان يرعي مواشيه. معظم مساحة هذه الحقول مسكونة الآن من قبل عائلة يهودية واحدة. عائلة واحدة لكل مساحة البلدة. أبرز الجيش مرسوماً نموذجياً بتوقيع عليه من قائد الفرقة يعلن بأن هذه الأرض هي منطقة عسكرية مغلقة. اعتبرت المحكمة العليا هذا المرسوم غير ساري المفعول، ولكن في الناحية الجنوبية من مرتفعات الخليل لا أحد يصغي إليها. لم تمض دقائق وإذ تم اعتقال ثلاثة رعاة فلسطينيين وناشطا إسرائيليا واحدا.
تعسف كهذا ظاهرة اعتيادية في تلك المناطق، ففي زنوتة الناس يعيشون تحت خطر مستمر من أعمال العنف من قبل المستوطنين الإسرائيليين، أولئك الذين دوماً يحميهم القانون بكل قوته. بكلمة واحدة يريدون تهجير الفلسطينيين. يحاول النشطاء الحيلولة دون التهجير لكن هذا ليس سهلاً. وفي الضفة الغربية المحتلة الوضع أسوأ بكثير.
2. الوضع في الضفة الغربية يذكر قطاع غزة إذ أن حركة حماس وغيرها من المتطرفين يزدادون قوة. من الغريب أنه يجب كتابة هذا، لكن المجموعة الاجتماعية ذات أفضلية لن تستطع لفترة طويلة قمع المجموعة المسحوقة المحرومة من الحقوق والتي يبلغ عددها ملايين. هذا يؤدي إلى خطر حدوث احتجاجات واسعة (لنأمل أنها لن تكن دوماً تعسفية). عاجلاً أم آجلاً قد تنفجر الأراضي الفلسطينية بالاحتجاجات فستزول السلطة الفلسطينية دون أثر. أما نتانياهو فسيشتكي بصوت عال بأنه لا يجوز الثقة بالعرب.
من المهم التذكر أن العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وثيقة جداً ومتعددة المستويات، فكل ما يفعل جانب واحد يؤثر مباشرة على أفعال الجانب الآخر. إذا عجزنا نحن الإسرائيليون عن التفاهم مع الجناح المعتدل من السياسيين الفلسطينيين أو على الأقل نظهر رغبتنا الخالصة في التوصل إلى حل وسط عندئذ سيخرج إلى مسرح الأحداث المتطرفون. خلال العقود الأخيرة كثرت الأمثلة من هذا النوع.
3. بمقدور الفلسطينيين الإلتجاء إلى المحكمة الدولية في لاهاي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. في مثل هذه المنظمات لم تعد إسرائيل تستطيع الاعتماد على الفيتو التلقائي من قبل الولايات المتحدة. المقاطعة الدولية ستزداد قوة بشكل عنيف. في نتيجة ذلك يجوز حدوث تغيرات بما في ذلك التي ستكلف ثمناً غاليا للمجتمع الإسرائيلي وستضعف أسس المطالبات بشرعية الدولة. أظن أن نقطة التحول آتية.
4. الشيء الأهم سيزداد التفارق الأخلاقي في المجتمع الإسرائيلي. منذ أعوام ونحن نسمع دعوات إلى العنف من قبل السياسيين اليمينيين. كتب السياسي المشهور تسفي بار بشكل مقنع في جريدة واسعة الشعبية Haaretz:
"لقد نجح نتانياهو في قلب الأشياء رأساً على عقب، ففي السابق كانت الحكومة في خدمة المواطنين، أما الآن فالحال وكأنه في زمن الفاشية أي المواطنون هم الذين يجب عليهم خدمة الحكومة".
إذا كان الأمر كذلك ينبغي ترقب إقرار قوانين جديدة عالية القومية ومضادة للديمقراطية. ستزداد المساعي نحو الحد من السلطة القضائية. ستتشدد المزاجية العنصرية. في المستويات العلوية من السلطة سيزداد عدد المجرمين وفي الشوارع سيزداد عدد الضحايا الأبرياء. سيتأثر الناس ذات ميول معتدلة الذين سيسمونهم بأعداء الحكومة. سيتشدد تلقين جنون الارتياب في المدارس والدعوة إلى الكراهية في وسائل الإعلام وبلاغة السياسيين لخدمة مصالح ذاتية. سيزداد تمييز العرب القاطنين بإسرائيل وستهدم بجرافات المزيد من القرى البدوية.
الخطر الداخلي أسوأ من الخارجي. الفساد في إسرائيل (لا أتحدث الآن عن العنصر المالي) زاد عن حده. كانت الحكومة تتحرك بتعمد وبكل ثقة صوب نظام التمييز العنصري. لم يعجبكم التعبير "التمييز العنصري"؟ اقترحوا تسمية أخرى لهذا الشيء الذي يقيده أكثر وأكثر الخط الأخضر.
هل ثمة أخبار جيدة؟
نال تحالف الأحزاب الأربعة "القائمة العربية الموحدة" 13 مقعدا في الكنيست وأصبح القوة الثالثة من حيث الحجم، أكثر بمقعدين من سائر الأحزاب العربية مع بعضها في التركيب السابق للبرلمان. من الجائز أن الناخبين العرب صاروا يعيرون اهتماماً أكبر للسياسة، والأيام ستبين لنا أصحيح هذا أم لا. أضحى نجم المسرح السياسي قائد التحالف فصيح اللسان ورابط الجأش دوماً والابتسامة لا تفرق شفتيه أيمن عودة. يدعو التحالف إلى المساواة الكاملة بين الأقلية العربية الفلسطينية والإسرائيليين وإلغاء التمييز واحتلال الضفة الغربية. بعض الأفكار الراديكالية تستحق الترحيب بها لكن اليساريين الآن عاجزون عن التغلب على اليمينيين في الكنيست.
يجب المحاولة والثقة بقوتنا. لقد فاز نتانياهو في الانتخابات للمرة الرابعة ولكنه سيقضي على نفسه بنفسه عاجلاً أم آجلاً (وربما حتى على الكثير من غيره أيضاً). في كلا الجانبين أي الإسرائيلي والعربي سيكون التحالف بين السياسيين المعتدلين والراديكاليين أكثر قوة من التحالف السري المستور بين نتانياهو وحماس وحزب الله وداعش. ستتوفر إمكانيات كثيرة لفحص هذا الاعتقاد.
ربما لن تكن هنالك حاجة لإنشاء دولتين فتكفي دولة واحدة على ضفتي نهر الأردن ولكن بشروط المساواة التامة. الآن توجد في إسرائيل جماعات سياسية تفكر بصورة إيجابية وعملية في هذا الاتجاه. الشيء الوحيد واضح: لا بد من منح الفلسطينيين الحرية، وسينالونها عاجلاً أم آجلاً. وماذا سيحدث بعد ذلك غير معروف.