يجب بذل الجهود الكثيرة للوكالات الدولية من أجل التمتع بحق إعطاء التصنيفات.
كان السيد دافيد أينخورن رئيس صندوق التحوط يتنبأ بحلول الأزمة المالية وتمكن من كسب الملايين من هذه الأزمة. ولكن لم تكن كافة التنبؤات صحيحة ودقيقة. عندما سألوه عن وكالات التصنيف الدولية في عام 2012 التي لم تتمكن أيضا من التكهن بالكارثة الاقتصادية القادمة أجاب أينخورن أن اختفاءها من السوق هو مسألة وقت فقط.
في نهاية المطاف كانت ثلاث وكالات تصنيف دولية Fitch و Moody’s و Standard and Poor’s (S&P) تعتبر أسهم شركة Lehman Brothers من أكثر الوسائل الاستثمارية أمانا حتى يوم جاء فيه الخبر عن إفلاس الشركة، وكانت الوكالات الدولية تقيم عاليا الأوراق المالية المعتمدة على الرهون العقارية العالية المخاطر التي أصبحت غير مربحة فيما بعد. وسمى السيد راي ماكدانييل رئيس وكالة التصنيف Moody’s انطباعاته من العمل مع الشركة بأنها كانت "خيبة أمل كبيرة".
وردا على ذلك وعد السياسيون تغيير وجه الصناعة بشكل جذري حيث تحملت مسؤولية تنسيق عمل وكالات التصنيف الدولية إلى جهات أخرى، القسم الخاص للجنة الأوراق والأسواق المالية الأمريكية واللجنة الأوروبية للأوراق المالية والأسواق المالية في الاتحاد الأوروبي. وكان يتطلب مراعاة قانون دود فارنك من عام 2010 إلغاء كل المتطالبات القائمة فيما تخص تعيين التصنيف للأوراق المالية. وإضافة إلى ذلك بدأت وزارة العدل الأمريكية التحقق من عمل S&P بشأن الغش منطلقا من الاشتباه في أن الوكالة كانت تقوم بتشويه التصنيفات لإرضاء عملائها.
وما النتيجة؟ نتيجة ذلك نرى ازدهارا تعيش بها وكالات التصنيف الدولية. وبحسب ما يقوله ممثل شركة FBR Capital Markets بيل بيردس الطلب على خدمات هذه الوكالات كان ولا يزال على مستوى عالي حيث قامت الوكالات برفع قيمة خدماتها بنسبة 4% في عام 2010. ويمكن الإشارة إلى أن أرباح هذه الشركات تبلغ المستويات القياسية. على سبيل المثال سجلت أسهم وكالة Moody’s التي تعتبر وكالة مستقلة وحيدة ارتفاعها بما يقارب ست مرات منذ عام 2009. ومن البديهي أن مجلس الإدارة لم يكن مصابا بخيبة الأمل كثيرا بسبب المعدلات لأداء الوكالة في فترة كانت تسود فيها الأزمة الاقتصادية العالمية: تمكن السيد ماكدانييل من البقاء في منصبه وقد حصل على مبلغ قدره 14 مليون دولار في العام الماضي على عمله. وقامت وكالة S&P بتسوية نزاعها مع وزارة العدل عن طريق دفع 1.4 مليار دولار ولكن من دون أن تعترف بأي أخطاء ومخالفات.
وكانت المعدلات الأدنى تدفع حركة الأعمال إلى الأمام من خلال نمو مفاجئ لإصدار السندات. ولكن اليوم كما يلاحظ السيد بيرد، لا يمكن بيع السندات بسهولة بدون علامة التصنيف من الوكالة ولا نتحدث هنا عن إعادة بيع السندات حيث يبدو ذلك أصعب بكثير.
ولهذا السبب لا يتمكن المستثمرون حاليا من تقييم مستوى الجدارة الائتمانية لمئات الآلاف من السندات المتداولة في السوق المالية: في نهاية عام 2013 قامت وكالة S&P بإنشاء قائمة تصنيف لما يقارب من 1.1 مليون سند ووكالة Moody’s لما حوالي 900 ألف سند. لا يسمح كبار المستثمرين (ومنهم صندوق التقاعد الضخم CalPERS) لمن يدير أموالهم باستثمار المبالغ في الأوراق المالية بدون تصنيف.
عملية جمع الأحكام القانونية لإجراء تحديد عدد التقييمات للأوراق المالية تبدو أمرا معقدا حيث على سبيل المثال لا تزال SEC تتفاوض مع الأطراف المعنية حول مسألة التقييمات التي يجب تصنيفها للأصول المالية التابعة لصناديق الاستثمارات القصيرة الأجل بالرغم من أن قانون دود فرانك يحظر ذلك تماما. تقدمت اللجنة باقتراح تغيير هذه القاعدة للاستخدام الطوعي لدراجات التقييم بطريقة تجعل الصناديق التي يتم تنسيق أعمالها من قبل اللجنة تعتمد عليها. جدير بالذكر أن لجنة بازيل للرقابة المصرفية التي تحدد قواعد العمل والأداء للبنوك والمؤسسات المصرفية في كل أنحاء العالم تعتمد حتى يومنا هذا على درجات التقييم من الوكالات الدولية من أجل تقييم نوعية الأصول.
وبغض النظر عن مدى المساهمة في الأزمة المالية لا تزال أكبر ثلاث وكالات دولية تسيطر على الأوضاع في السوق حيث تتنافس معها بعض الشركات الصغيرة في مختلف القطاعات في السوق مثل الشركة A.M. Best التي تعمل في مجال التأمين والشركة Kroll التي تعمل مع الأسهم من قطاع الرهون العقارية التجارية. ولكن ما يخص قطاع سندات الشركات استحوذت ثلاث شركات على ما يقارب 90% من السوق.
يبدو أن التنسيق التنظيم الصارم لعمل وكالات التصنيف الدولية هو جزء من المشكلة فقط حيث كما اتضح فيما بعد إنها تشكل خطرا على اللاعبين الأساسيين وتحميهم من المنافسة في نفس الوقت. ومن أجل الحصول على حصة سوق التصنيف العالمية يجب أن تكون الشركة مؤسسة تقييم معترفة على مستوى الدولة (NRSRO) لذلك من المعروف أنه تم بذل جهود جبارة من قبل هذه الشركات الثلاث من أجل الحصول على حصتها.هكذا مثلا تقوم SEC حتى اليوم بدراسة الطلب المقدم من قبل R&R Consulting في عام 2011 التي تم تأسيسها بجهود الموظفيْن السابقين من وكالات كبرى.
وبدلا من محاولات تغيير هذه التقييمات من فترة إلى فترة تقوم R&R بتجديدها على أساس المعطيات الاقتصادية الجديدة وبسبب التغيرات في سياسة تحديد أسعار الفائدة وحركة الأصول المالية. هذا أعجب كثيرا العديد من العملاء وجذب اهتمام الصين مثلا. ولكن كما تقول السيدة إين راتليج الشريك المؤسس لشركة R&R من غير المحتمل أن تحصل الشركة على الاعتراف من قبل SEC.
والجزء الآخر من هذه القضية هو تكاليف إجراءات الحصول على الاعتراف NRSRO لأن هذه الإجراءات تتطلب الكثير من الأوراق التي تضم على الوصف التفصيلي لمنهجية كل من التصنيفات الدولية وضمان أن موظفي المبيعات لا يؤثرون على عمل المحللين. تقوم الشركة برقابة عمل بعض الموظفين حتى بعد استقالتهم من الشركة. وهذا بالفعل يصلح لخدمة الشركات الثلاث التي تسيطر على السوق اليوم معا والتي بإمكانها توزيع النفقات لعدد أكثر من العملاء.
وبحسب جيمس غيلير رئيس شركة RapidRatings وهي وكالة تصنيف جديدة يعمل فيها حوالي 50 موظفا، الاعتراف بـ NRSRO سوف يضاعف تكاليف الوكالة. وقد تمكنت وكالة RapidRatings من اكتساب ثقة الشركات والمؤسسات الاستثمارية التي تهمها مسألة القدرة المالية لعملائها عن طريق استخدام التكنولوجيا الجديدة المتطورة. يجري تحديد ما يقارب من 73 معيار لكل سند من قبل الصندوق عن طريق مراجعة التقييم وفقا لـ24 موديلا جديدا. وبعد ما يتم نشر هذه المعلومات المالية الجديدة يتم تجديد التقييمات بشكل أوتوماتيكي.
ويقول غيليرت أن الكثير من عملاء شركة RapidRatings يستعملون ما تقدمه الشركة لأنه ليس لديها اعتراف NRSRO وليست مرتبطة بالقيود القديمة التي قد تفرض من خلال هذا الاعتراف. ولا تقدم الشركة طلبات الاعتراف NRSRO وهذا يعني أن تقييماتها لا يمكن أن تستخدمه البنوك والصناديق ومؤسسات مثل CalPERS. ولا يبدو أن هذه النتيجة هي التي كان يتوقعها السياسيون عند اتخاذهم القرارات التي تهدف إلى تغيير القطاع بشكل جذري بالفعل.