يتوقع الخبراء عجز البلاد عن سداد ديونها ما قد يؤدي إلى استقالة الحكومة.
سيطر الانكماش على النظام الاقتصادي لبورتوريكو. ويشكو السكان من التقشف الاقتصادي الحاد. لا يرغب المستثمرون في تقديم أي دعم مالي للحكومة التي تغرق في الديون ولا تتمكن من خفض قيمة العملة الوطنية إذا لم تحصل على ضمان الأرباح العالية.
واليونان؟ اليونان بعيدة عن بورتوريكو من كل النواحي حيث تعتبر بورتوريكو دولة حليفة للولايات المتحدة بشكل ما وتعاني من الأزمة المالية التي تستمر لسنوات عديدة حيث قد بلغ حجم الديون السيادية للبلاد 72 مليار دولار ما يعادل 70% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة وهذا أكثر بكثير من أي ولاية أمريكية. وعلاوة على ذلك يبدو أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى انهيار كامل لاقتصاد البلاد. كما أعلن المحافظ أليخاندرو باديلا أن البلاد عاجزة عن سداد ديونها حاليا ومضطرة إلى تقديم طلب تأجيل سداد الديون إلى المقرضين:
"ليس لدينا أي خيار آخر. وهذه ليست مسألة سياسية إنها رياضيات فقط".
وقبل بضعة أشهر سبقت تغيير المسار السياسي في البلاد طلبت الحكومة المركزية من موظفي صندوق النقد الدولي السابقين تقديم خطة طويلة الأمد لتحسين الوضع الاقتصادي في الدولة. وكما هو المتوقع سوف تقوم هذه الخطة الاستراتيجية على توقعات قاتمة.
تتوقع الشركات التخصصة في مجال التصنيف الإئتماني أن الشركة التي تقدم خدمات الكهرباء لبورتوريكو سوف تعجز عن سداد ديونها السيادية حيث تصل إلى ما يقارب 9 مليارات دولار.هذا سيصبح أحد أكبر حالات العجز عن سداد الديون في التاريخ.
ولكن مآسي البلاد لا تنتهي هنا حيث كما يرى المحللون أصول السلطات المركزية تقترب إلى نهايتها في شهر يوليو ما يمكن أن تؤدي إلى استقالة الحكومة إجباريا وإجراءات طارئة أخرى.
وقد أعلن أحد نواب وممثل بورتوريكو في البيت الأبيض بيدرو بييرلويزي أن هذا سوف يؤدي إلى وضع مؤلم وخطير للبلاد على مدى السنتين القادمتين حيث تواجه الحكومة حاليا مشكلة نقص الأموال".
وبحسب رأي الكثير من المحللين والخبراء البلاد اليوم لديها ديونا أكثر مما يمكن أن تسددها آخذين بعين الاعتباراقتصاد الجزيرة الراكد.
وكما لاحظ السيد ريتشارد رافيتش نائب المحافظ السابق لمدينة نيويورك الذي كان مسؤولا عن إعادة هيكلة الاقتصاد للولاية في السبعينيات من القرن الماضي والذي يشاور ولاية ديترويت حول نفس المسألة حاليا أن هذه الجهود يمكن أن تكون بلا فائدة على الإطلاق.
ماذا ستفعل الولايات المتحدة الأمريكية مع المعاناة البورتوريكية؟
بدأت مشاكل بورتوريكو تظهر بعد نهاية الحرب الباردة حيث أخدت الولايات المتحدة تغلق قواعدها العسكرية على الجزيرة التي يحمل أهلها الجنسية الأمريكية ولكنهم لا يدفعون ضرائبا من الأرباح المحلية.
وضع الحد للتخفيضات الضريبية في عام 2006 وأجبر مصنعو الأدوية وممثلو الأعمال الكبيرة الأخرى في المنطقة مغادرة الجزيرة مما أسفر عن انكماش قوي للاقتصاد المحلي.
ومع تدهرو الوضع الاقتصادي تسارعت الهجرة إلى المناطق المركزية للولايات المتحدة ما أدى إلى تخفيض حجم القاعدة الضريبية أكثر فأكثر.منذ عام 2010 انخفض عدد سكان الجزيرة بـ4.7% إلى 3.5 مليون نسمة بينما ازداد عدد سكان الولايات المتحدة بـ3% تقريبا.
كانت الحكومة التي يمثلها المحافظ والهيئة التشريعية الخاصة التي تعمل بناء على الدستور الخاص تقترض الأموال من أجل موازنة الميزانية وخلال 10 سنوات أخيرة سجلت الموازنة عجزا، ما يعتبر ممنوعا في معظم الولايات الأمريكية. ولكن الكونغرس الأمريكي قدم لبورتوريكو حق إصدار السندات الحكومية التي لا تخضع للنظام الضرائبي الفدرالي أو الحكومي أو المحلي.
ونتيجة لذلك وجدت بورتوريكو التي تم استرجاعها من إسبانيا بعد الحرب الإسبانية الأمريكية في 1898 نفسها أمام المديونية التي بلغ حجمها مستوى أكبر بمرتين من مديونية ولاية كاليفورنيا في حين عدد سكانها أقل بـ10 مرات بالمقارنة مع عدد السكان في الجزيرة.
يواجه الاقتصاد المحلي صعوبات كثيرة وجدية حيث تعرقل سيطرة البيروقراطية والتكلفة العالية للكهرباء عملية الاستثمار في الأعمال في المنطقة. وصلت نسبة عدم سداد الضرائب في البلاد إلى مستوى قياسي خطير للغاية على خلفية مستوى البطالة العالية وهو %12 وأقل من نصف سكان البلاد يعتبرون قادرين على العمل من حيث أعمارهم بالمقارنة مع نسبة %63 المسجلة لسكان الولايات المتحدة بشكل عام.
يقول الاقتصاديون أن الضمانات الاجتماعية المتضخمة تؤثر سلبيا على نسبة العمالة حيث أن نسبة السكان المعاقين هي أعلى بـ%50 تقريبا من نفس المعدل في 50 ولاية أمريكية.مع ذلك المرتبات غير عالية بمثل هذا المستوى من الإنتاج والأرباح تقلل فرص التوظيف للعمالة الجدد الناشئين.
يبدو أن أزمة السيلولة القادمة يمكنها أن تؤدي إلى تدهور خطير لاقتصاد البلاد. بعد أن تنهي المخصصات الاتحادية لتغطية تكاليف الرعاية الصحية في منتصف عام 2018 سوف تواجه البلاد خطرا جديدا في نقص أموال الاقتصاد المحلي.
ما هي الخيارات الموجودة اليوم؟
ليس من الواضح حاليا إذا كان في إمكان بورتوريكو العودة إلى أسواق الائتمان. وحتى إذا كان ذلك ممكنا كان المستثمرون يطلبون أرباحا أعلى، ولهذا لن يكون لدى الدولة أي أدوات لمكافحة القضايا الاقتصادية، بحسب قول السيد جوزف روزينبلوم، مدير الدراسات والبحوث في AllianceBernstein.
يقوم موظفو وزارة المال برحلاتهم مرارا وتكرارا في هذا العام بين واشنطن ونيويورك وسان خوان من أجل إقناع الموظفين في تغطية العجز التجاري للميزانية.احتمال تقديم المساعدة المالية من واشنطن ضئيل جدا حيث كان الموظفون يعلنون أكثر من مرة واحدة أن المخصصات الاتحادية لن يتم تقديمها.
يقول تيد هيمبتون محلل Moody’s Investors Service ما يلي:
"لا نتوقع مساعدة من الحكومة الفدرالية. وحتى إذا حدث ذلك لا بد أن يكون هذا القرار قرارا مشكوكا فيه".
تملك صناديق الاستثمارات المتبادلة في الولايات المتحدة سندات حكومية لبورتوريكو في معظم الأحوال وهي سوف تخسر كثيرا مع الشركات المصدرة. يشير هيمبتون إلى أن الأزمة يمكنها أن تجتاح الجزء الباقي من سوق السندات الحكومية التي يبلغ حجمها 3.7 ترليون دولار لأن القضايا الاقتصادية تعتبر محددة بالنسبة لبورتوريكو.
الوضع القانوني الخاص للجزيرة يدل أيضا على أن الولايات المتحدة والدول المقرضة الأخرى ليس لديها أدوات قانونية لإجراء إعادة هيكلة المديونية.ولأن بورتوريكو تعتبر من أراضي منتسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاتخضع للباب التاسع من قانون الإفلاس للولايات المتحدة بالرغم من أن حكومة الجزيرة تحاول تغير ذلك. لا يمكن للجزيرة أن تخفض قيمة عملتها، الدولار الأمريكي، أو طلب مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي.
وكانت المحكمة الفدرالية سابقا في هذا العام قد ألغت القانون المحلي الذي كان بإمكانه إعادة هيكلة الديون بما في ذلك ما يخص مجال خدمات المرافق العامة. كانت مسودة القانون تهدف إلى إدراج تلك الشركات لتخضع لأحكام الباب التاسع ولكنها لم تحصل على دعم برلماني مطلوب من صناديق التحوط وبعض الجمهوريين المحافظين.
يعتقد المحللون أنه بهذا الشكل أو بغيره سوف تنتهي الأوضاع بإعادة هيكلة الديون للبلاد. ولكن أهم مسألة هنا هي كم من الوقت سوف يأخذ هذا الطريق؟