سوريا بمثابة ساحة لحرب النفط
تاس
الصفحة الرئيسية اقتصاد, روسيا, سوريا, النفط, الولايات المتحدة

القصف الروسي في سوريا يؤدي إلى تفاقم الحرب مع المملكة العربية السعودية لأسعار النفط.

أدى قرار الرئيس فلاديمير بوتين في بدء قصف المواقع في سورية إلى ارتباك العديد من المراقبين السياسيين الذين يتساءلون الآن ما هو الهدف الاستراتيجي النهائي لروسيا في الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى دعم نظام بشار الأسد يشكل وجود قاذفات القنابل الروسية في مهام ضد المعارضة أكبر نشر للقوات العسكرية الروسية في المنطقة منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان.

آنذاك، كما هو الحال الآن، لعب النفط دورا كبيرا في اتخاذ الكرملين القرار لبدء الضربات الهجومية. في عام 1979، عندما دخلت الدبابات الروسية إلى كابول، اقتربت أسعار النفط من 110$ للبرميل،وضعّفت الثورة الإسلامية في إيران سيطرة الغرب على ديناميكيات العرض والطلب.

حفز ارتفاع أسعار النفط القيادة السوفيتية وخدم الحكومة الشيوعية الشبه منهارة كمصدر لتمويل الحرب الباردة التي قادتها ضد الغرب وساعدها على إطعام سكانها في نفس الوقت. ثم، كما هو الحال الآن، كانت صادرات النفط لها أهمية حيوية لخزينة موسكو وهي مصدر ما يقارب من 70٪ من عائدات النقد الأجنبي للبلاد.

عند دخول أراضي أفغانستان، هدد الاتحاد السوفيتي أيضا ممر الطاقة الأكثر أهمية بالنسبة للغرب في الخليج والعديد من الدول الغنية بالنفط التابعة للولايات المتحدة من الإمارات المستقلة التي تشكلت حديثا في المنطقة.

كان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يأمل أن وجوده العسكري في المنطقة سيبقي أسعار النفط مرتفعة بما يكفي ليتمكن من الانتصار في الحرب الباردة،مسببا عوائق اقتصادية للدول الرئيسية المستهلكة للنفط من الغرب.

ومع ذلك، فقد فشلت هذه الاستراتيجية وأدى انهيار أسعار النفط في العقد المقبل إلى إفلاس الكرملين واضطر ميخائيل غورباتشوف إلى إطلاق إصلاحات البيريسترويكا التي انتهت في نهاية المطاف بانهيار الاتحاد السوفياتي.

يواجه بوتين اليوم نفس المعضلة كما أسلافه السوفياتيين. تسبب انهيار أسعار النفط الناجم عن الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت) بأضرار خطيرة للاقتصاد الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باريس

روسيا في حالة ركود للمرة الأولى منذ عام 2009 وكما خلال الحرب الباردة لا يزال النفط يجلب للبلاد الأغلبية الساحقة من عائدات التصدير. لقد تراجع الروبل على مدى الأشهر الـ12 الماضية مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 43٪ وبلغ التضخم في أسعار الاستهلاك في وقت سابق من هذا العام الحد الأقصى المسموح به منذ 13 عاما.

إذا بقي متوسط ​​سعر النفط في عام 2016 عند مستوى أقل من 50$ للبرميل الواحد، ربما حتى الشعب الروسي الصبور سيشك في قيادة بوتين التي وجهت البلاد على مسار المواجهة مع الولايات المتحدة.

بالنظر إلى أن أسواق النفط مشبعة بمقدار 2 مليون برميل على الأقل يوميا، لاروسيا ولا المملكة العربية السعودية ليستا على استعداد لخفض الإنتاج. دخول بوتين إلى سوريا يبدو كمحاولة للانتقام من استراتيجية أميركا الموجهة نحو إفلاس موسكو.

وحتى الآن، أثر ظهور القاذفات الروسية في سوريا بالإضافة إلى نقل نحو 500 جندي في مدينة اللاذقية الساحلية على أسعار النفط بشكل ضعيف جدا. مع ذلك قد يتغير الوضع لثلاثة أسباب رئيسية.

أولا، سترتفع الأسعار للمملكة العربية السعودية وحلفائها في الخليج لتمويل المعارضة السورية في القتال ضد نظام الأسد والدولة الإسلامية في نفس الوقت. اضطرت الرياض حتى الآن سحب من الأصول الأجنبية وفقا للتقديرات حوالي 73 مليار دولار لتعزيز اقتصاد الدولة. كما أن عليها تمويل الحرب المتفاقمة على حدودها الجنوبية في اليمن ضد المتمردين المدعومين من إيران.

النظام في المملكة العربية السعودية يشهد ضغطا اقتصاديا من انخفاض أسعار النفط مثل روسيا. تُنتقد السلالة الحاكمة السعودية التي يرأسها الملك المتوج حديثا سلمان علنا ​​من قبل الأمراء المقربين. الاستراتيجية المتناقضة لإنتاج النفط عند مستوى قياسي قريب إلى 10.5 مليون برميل يوميا على الرغم من الأداء الضعيف من الطلب تهدد بتقسيم العائلة المالكة السعودية.

الملك سلمان

يبدو أن النظام السعودي يفضل أن ينسحب عند مواجهة الخيار بين المخاطرة بوحدة الأسرة الملكية، واستمرار الحرب بالوكالة لأسعار النفط وبين خفض الإنتاج ليسبب زيادة في سعر البرميل.

ثانياً، الوجود المادي لروسيا يزيد من التوتر الذي بغض النظرعن ذلك يقترب من النقطة الحاسمة في المنطقة التي توفرحوالي خمس الإمدادات العالمية من النفط وحصة كبيرة من الغاز الطبيعي. على الرغم من أن المخاطر السياسية في الوقت الحالي لا تنعكس على أسعار النفط التي ثبتت على مستوى أقل من 50$ للبرميل، فقد يتغير الوضع لأن بوتين يسعى إلى خلق نقطة استراتيجية قوية في المنطقة.

وأخيرا، روسيا تطلق عنان عدو المملكة العربية السعودية وهي إيران. على الرغم من أن الإيرانيين عقدوا اتفاقا لرفع العقوبات الاقتصادية مقابل الحد من برنامجها النووي، القرار النهائي بقي في طي النسيان.

تتعرض إيران لضغوط الانخفاض في أسعار النفط والعقوبات التي لا تسمح لها زيادة دخلها من الموارد الطبيعية الغنية للغاية قدر الإمكان.

يريد الإيرانيون زيادة إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا، لكن المملكة العربية السعودية التي تمسك أوبك بقبضة حديدية قد تغلبت عليهم.

ويبدو أن روسيا تدعم حلفاء إيران في سوريا، قد يشعر النظام في طهران بالإثارة وسيشكك بنية المملكة العربية السعودية ويعرضها لاختبار أشد في الاجتماع القادم لأوبك في ديسمبر.

بالطبع، يمكن للغزو المباشر لروسيا في سوريا أن يؤدي إلى أن جميع الأطراف المشاركة في الحرب العالمية لأسعار النفط ستزيد إصرارا على سياسة زيادة خفض تكلفة البرميل. إذا استمرت لمدة عام آخر، فقد ينتج هذا الكفاح الشديد بانهيار الحكومات في الرياض وموسكو.

وفي أي حال، فإن الارتفاع في أسعار النفط لن يستغرق وقتا طويلا.

المصدر: The Telegraph

اقرأ أيضا:
الرجاء وصف الخطأ
إغلاق