من أهم ميزات الأسواق المالية هي كيفية تعامل الأسواق مع واقع الركود الاقتصادي والانهيار حيث تعتبر كل دورات الركود التي مرت سابقا إمكانيةً وفرصةً للاستفادة منها ولكن الانهيارات والركود الاقتصادي القادم يعتبرها المختصون والخبراء الاقتصاديون نوعا من المخاطر التي تهدد النظام الاقتصادي في الكثير من الأحيان ومن مختلف النواحي.
وخلال بضعة الأشهر الماضية كان هناك الكثير من المستثمرين الذين توقعوا تراجعا كبيرا للأسواق لا مفر منه وفي مثل هذه الظروف كانوا يدعون إلى اتخاذ موقفا صارما والتصرف من دون أي ذعر. والآن تتطور الأوضاع في السوق في ظل التأثير المباشر لموجة جديدة من الركود الاقتصادي حيث انخفضت قيمة المؤشرS&P 500 كثيرا وتراجعت بحوالي 10% بالمقارنة مع أعلى المستويات التي وصل إليها هذا المؤشر الاقتصادي في الشهر الماضي.
مثل هذه التقييمات يمكننا أن نقرأها في مختلف وسائل الإعلام ونسمعها في دوائر اقتصادية من مختلف المستويات.
هنا تبدأ الفوضى و الضوضاء والمعارك الاقتصادية والوضع الذي يسيطر عليه عدم الاستقرار .
يقال إن هذه الضوضاء تشهدها السوق للمرة الـ90 على التوالي لنسبة 10% منذ عام 1928 بشكل عام، يمكن القول أنه تحدثُ مثل هذه التوترات الاقتصادية مرة واحدة في كل 11 شهريعني تقريبا مرة في كل سنة من حياتنا. وقد مرت ثلاث سنوات بعد ما شهد العالم ركودا آخر مرة ولم يكن يتوقع أحد أن الموجة القادمة من الركود الاقتصادي الخطير سوف تُغرق العالم مجددا قريبا جدا.
ولكن الخسائر المالية الفادحة تؤثر كثيرا على الجميع وأكثر مما كان متوقع.ويقول الكاتب فريد شويد في كتابه تحت عنوان "أين هي اليخوت للعملاء" ما يلي:
"هناك بعض الأشياء التي لا يمكن تفسيرها بكلمتين أو ثلاثة لشخص غير مختص بالأسواق و مشاكلها. ونفس الشيء يمكن القول عن تلك الوقائع التي أكتب عنها في كتابي هنا لأنها لا يمكن أن تعبّر بصورة كاملة عن تلك المشاعر التي يشعرها الإنسان عندما يخسر أمواله."وهذا فعلا صحيح. إن أحد الدروس الذي يمكنني أن أستفيده من الأزمة لعام 2008 هي في أنه من الأسهل أن تعلن للجميع أنك تتمسك بقوة بثرواتك وأنك بخيل . وفي أي حال من الأحوال نعيش اليوم في عصر يجبرنا أن نفعل كل شيء بانتباه بالغ. أنا أحب جدا مقولة لنابليون الذي يصف شخصا عبقريا:
"هو الإنسان الذي يمكنه أن يفعل شيء عندما الجميع يجن جنونهم".
هذه المقولة يمكن أن نطبقها لمبادئ "اللعبة" والتداول في الأسواق المالية.ليس من الضروري أن يكون الشخص عبقريا لينجح في أعماله واستثماراته. ينبغي الحفاظ على الاطمئنان فقط ويجب اتخاذ كل الخطوات والقرارات بواقعية عندما الجميع يقفدون السيطرة على الوضع مثل ما يحصل في الوقت الراهن.
ها هي بعض النصائح والاعتبارات المفيدة في هذا الشأن التي لا يجوز أن ننساها ابدا:
إذا لم يكن لديكم صبر كافي و ليس لديكم أي صعوبات مع الحسابات الرياضية فبإمكانكم الاستفادة من الأسعار المنخفضة.
فعلى المستثمرين أن يستفيدوا من تأثيرات الركود الاقتصادي لأنه في هذا الوقت الذي يبدو صعبا من النظرة الأولى يمكن القيام بشراء الأسهم بأسعار منخفضة جدا. وبعد مرور القليل من الوقت سوف تعود هذه الأسعار إلى مستواها العالي العادي وسوف يحصل المستثمر على ربحه.
ويمكنكم أن تقولوا لي أنكم قد سمعتم ذلك ألف مرة. هناك فائدة أخرى يمكن أن نحصل عليها في ظروف الأسواق المتوترة وحتى إذا لم ترجع الأسعار إلى قيمتها. يتساءل جيسي ليفيرمور وهو المدون المعروف في هذا الصدد : "ماذا تفضلون – ارتفاع السعر بنسبة 200% أو هبوطه ب66% ليبقى على هذا المستوى؟"
إذا كنتم من عداد المستثمرين الذين يستثمرون أموالهم في المشاريع الطويلة الأجل سوف يكون الاختيار الثاني أكثر فائدة. يمكننا أن نفسر ذلك بأن الجزء الأكبر من الربحية على المدى الطويل يعتمد على إعادة الاستثمار لأرباح الأسهم. عندما يهبط سعر الأسهم يزداد عائد التوزيعات والأثر الكلي من إعادة الاستثمار لأرباح الأسهم يزداد قوة.إذا أخذنا فترة من الوقت لا تتجاوز 30 سنة يكون سيناريو هبوط الأسعار دون ارتفاعها من جديد أكثر احتمالا وواقعية من السيناريو الذي يمكن أن يحدث في إطاره ارتفاع مفاجئ للسعر وازدياد مستمر للسعر بشكل تدريجي.
مع أخذ ذلك بالاعتبار يجب الإشارة إلى أن عائد التوزيعات من أرباح الأسهم للمؤشر S&P 500 قد ارتفع من مستوى 1.71% إلى مستوى 1.82 % خلال هذه الأسبوع.
ومن خلال فترات الركود الاقتصادي وتقلبات السوق يحصل المستثمر على ربحه.
إذا كانت الأمور هكذا فدعونا أن نتصور:لا أحد يشتري الأسهم وتصبح ربحية هذه الأسهم قليلة جدا.وتدريجيا تفقد قيمتها إطلاقا. هل هناك أحد من يفضل هذا السيناريو أكثر من إمكانية ربح 8% من قيمة الأسهم سنويا؟
في عالمنا اليوم يرتفع سعر الأسهم إلى درجة حيث تساوي ربحيتها قيمة الأسهم نفسها وحتى أكثر من ذلك حيث تبلغ ربحيتها إمستوى ربحية حسابات التوفير المؤمنة من قبل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع.
وعند استقرار مستوى سعرها واقترابها من مستوى مثالي،يأتي دور العوامل الخطيرة الأخرى ومنها انخفاض الأرباح والركود الاقتصادي والإرهاب والإيبولا والألعاب السياسية و غيرها من انعكاساتها الخطيرة.لو لم تهبط أسعار الأسهم كانت وصلت إلى المستوى الذي لا يمكن أن يتطور الوضع بعده دون هبوط قوي. هذه هي قوانين السوق. ويعرف تاريخ الأسواق المالية فترات الصعود والهبوط والارتفاعات والانخفاضات. يمكن القول أن تقلبات السوق هي عبارة عن الثمن الذي يجب علينا أن ندفعه من أجل الحصول على الأرباح الأكثر.
إذا شهدت السوق موجة من التوترات والتقلبات لا يجوز التصرف بلا تفكير، يجب إهمال كل ما تشاهدونه حولكم عندما يقوم جميع المستثمرين ببيع أسهمهم. لا. يجب التوقف والتفكير. هذا أفضل.
الأسعار في السوق هي الدليل على نتائج الصفقة الأخيرة. وهي عبارة عن موقف لأقلية المشترين والبائعين هم اشتروا الأسهم بأرخص أسعارها والآخرون يبيعونها بأعلى سعرها. هذا سهل جدا. الصفقة الأخيرة هنا – عملية بيع سهم واحد أو 100 ألف أسهم. كيفما كانت الصفقة الأخيرة و مهما كانت هذا ليس مهم.
الأهم هنا أنها تعبر عن موقف ليس موقف أغلبية المساهمين.
دعونا نقدم لكم مثلا آخرا:
في صيف عام 2011 تراجعت قيمة المؤشر S&P بنسبة حوالي 20%، وهذا هبوط ملحوظ وانخفاض كبير. ولكن 98% من مستثمري شركة Vanguard التي تعتبر من أكبر الشركات التي يصل رأسمالها إلى مستوى 3 تريليون دولار - لم يشاركوا في تداولات السوق.
يجب الأخذ بالاعتبار أن تغيرات الأسعار تعتمد كثيرا على تداولات إلكترونية يقوم بها الكمبيوتر فقط. إن هبوطا و حتى قويا جدا لا يمكن الاعتماد عليه عند الحديث عن الاقتصاد بشكل عام. من السهل أن ننظر إلى الأسواق ونتنبأ بوقوع كارثة اقتصادية ما أو ركودا ما.
ليس الأمور هكذا دائما.
مثل ما أشار بين كارلسون إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية شهد الاقتصاد 13 فترة تقلب وركود بنسبة 10% أو أكثر و لم يؤدي ذلك إلى الانهيار الاقتصادي. انخفض سعر الأسهم بنسبة 35 ٪ في عام 1987 ولم يتبع ذلك أي ركود .
هناك هوة عميقة بين الأسهم و الاقتصاد الحقيقي . عامل الارتباط بين نمو الناتج المحلي الإجمالي وربحية السوق لمدة الخمس السنوات القادمة هو -0.06 . يمكننا ان نقول أن العلاقة ليس هناك أي علاقة.
هناك فجوة كبيرة بين الأسهم والاقتصاد الحقيقي. كما تشير شركة Vanguard نسبة هطول الأمطار تؤثر على الأسواق أكثر من الناتج المحلي الإجمالي أو أي من تنبؤات المحللين والخبراء. كل هذه العوامل ليس لها أي معنى حقيقي ربط مباشر للأسهم.
لذلك لا يجوز الاعتماد عليها أبدا. يجب أن ننساها ونعيش. لأن الحياة مستمرة.