العقود الآجلة للماء
الصفحة الرئيسية مال

انطلاق بورصة جديدة للعقود الآجلة للماء في أستراليا علامة على اكتساب الماء لقيمة تضاربية مثلها مثل النفط.

ولا تستغرب أن تسمع التاجر في الكشك المجاور في المستقبل القريب يصيح مطالباً: «هات 100 ميغالتر «ينابيع بولونية» بألف في مارس!»

افتتحت البورصة في نهاية مارس، ومنذ ذلك الحين أبرمت عقوداً آجلة بقيمة 1.6 مليون دولار وتدفق 16.5 مليار لتر ماء من مالك إلى آخر في بورصة Waterfind. ليس هذا سوى قطرة في المحيط، إلا أنها خطوة رمزية هامة في التحول التدريجي للماء إلى سلعة.

يتفق أنصار «سوق الماء» ومنتقدوه بالرأي في أن نشوء سوق عقود آجلة مثل هذه البورصة يمكن أن تغير جذرياً نظرة الناس إلى الماء بعد أن يتحول من الملكية العامة الحرة كالهواء إلى سلعة مسعرة بالدولار، مثل المعادن التي نستخرجها من باطن الأرض.

يستطيع التاجر في الحاضر عن طريق Waterfind أن يشتري تسليم الماء في يوم تنفيذ معين. يقول مؤسس ورئيس Waterfind توم روني أن بعض المستثمرين يشترون «العقود المائية» ليخرجوا إلى سوق المنتجات الزراعية. يصرح روني: «يمكن أن تحتفظ بحقك في تسليم الماء ضمن منظومة معينة أو أن تبيعه بسعر أعلى. هذا الأمر شبيه جداً بشراء العقود الآجلة لعصير البرتقال المكثف أو لحم الخنزير. يمكنك فعلاً أن توصي بتسليم خنزير مذبوح فتأكل كومة من الجامبون». أو يمكنك بيع العقد وتحصل على ربح.

كانت العقود الآجلة في مجال الزراعة والنفط تُبرَم في كل العالم على مر القرون، مع أن أهمية سوق هذه السلع ودوره الكبير تنامى بعد الارتفاع المفاجئ لأسعار النفط في سبعينات القرن الماضي.

الابتكار الأسترالي

تأسست شركة Waterfind في سنة 2003 في مدينة أديليد عاصمة جنوب أستراليا. يفسر روني: «لأنها الولاية الأكثر جفافاً في القارة الأكثر جفافاً على وجه الأرض». تقع منطقة أودناداتا التي سجلت فيها أعلى درجة حرارة في نصف الكرة الجنوبي في ولاية جنوب أستراليا. تقل الهطولات السنوية في أغلب مناطق الولاية عن 18 سم.

لقد أصبح جزء كبير من البراري الأمريكية وغرب الولايات المتحدة شبيهاً بجنوب أستراليا. سوف ينافس الجفاف في تكساس وكاليفورنيا قريباً جفاف العشر سنين في أستراليا في العقد الأول من هذا القرن. كان من الممكن أن ينجح في هذين الإقليمين سوق العقود الآجلة الذي أنشأه روني، إلا أن أسواق الماء في أستراليا أكثر تطوراً لأن شح الماء في أستراليا يزيد قيمة الماء غير المادية والمالية على حد سواء.

فصلت اللوائح الأسترالية في سنة 1994 الحق في الماء عن الحق في الأرض (بصورة شبيهة بما حصل يوماً ما في الغرب الأمريكي). سمح هذا لملاك الأرض ببيع الحق في إتاحة الماء، مما مهد السبيل لنمو سوق الماء وتطوره.

تجري المتاجرة بحقوق الماء على موقع Waterfind وبورصات الماء الأخرى في أستراليا. يمكن لمالكي الحقوق أن يبيعوا الحق في إتاحة الماء بصورة دائمة أو مؤقتة، وفي كلتا الحالتين يتحدد سعر الصفقة بالميغالتر، حيث كل ميغالتر هو مليون لتر. تعني الصفقة المؤقتة أن المشتري له الحق باستهلاك الحجم المعلن خلال 12 شهراً من تاريخ التسليم. أما في حال الصفقات الدائمة، وأسعارها أعلى بشكل ملموس، يحصل المشتري على حق استهلاك هذا الحجم سنوياً لفترة غير محدودة.

مع أن «تجارة الماء» موجودة في الولايات المتحدة وفي أقاليم أخرى، تبقى أستراليا فريدة من نوعها في هذه القضية؛ فأسواقها المائية تلعب دوراً ملموساً في المبادرة الوطنية للحفاظ على الماء التي تم إقرارها في سنة 2004. يجب تسجيل الحقوق المائية الأصلية في الولايات الأسترالية التي تعيّن حد انخفاض كمية «المادة الخام». (لهذا السبب يصف البعض المبادرة الأسترالية بأنها برنامج التجارة بالحصص.) كما قامت الحكومة الأسترالية بإعادة شراء الحقوق المائية، فيما يشبه «نسخة مائية» للبرنامج الوطني للحفاظ على احتياطي النفط في الولايات المتحدة الأمريكية.

حسب تقدير بوب أوبراين الاقتصادي ومؤسس وكالة الاستشارات Percat Water، فقد بلغ إجمالي الصفقات المائية خلال بضع سنوات مضت 1.5 مليار دولار أسترالي (1 دولار أسترالي ≈ 0.94 دولار أمريكي).

وحسب تقديرات توم روني، يحتفظ المالكون، بما فيهم شركات أمريكية، بما يتراوح بين 300 و400 مليون دولار أسترالي من الصفقات المائية «لأغراض المضاربة حصراً».

وُلِد روني ليعمل في «تجارة المياه». كان أبوه كريغ روني سمسار مياه. يحتفظ روني في مكتب Waterfind بوثيقة من سنة 1973، وهي من الصفقات الأولى التي عقدها أبوه. كان روني الأب يضطر إلى دق أبواب المزارعين ومالكي الأراضي لترتيب ضخ المياه. يروي روني: «كانت العقود توقَّع باليد، وحل المشاكل مع النظم الحكومية المعقدة حقاً كان يدوياً أيضاً».

أدرك روني الابن عندما تولى إدارة أعمال العائلة أن السمسرة «المائية» على الطراز القديم يمكن أن تستفيد من الطرائق العصرية في بورصة الإنترنت للسلع والأوراق المالية. يصرح روني أن إتمام صفقة كانت تحتاج إلى أربعة أشهر في شركة السمسرة التي كان يملكها أبوه يستغرق باستعمال Waterfind نصف ساعة.

لزم لإطلاق السوق الآجل أن يقر البرلمان الأسترالي مشروع قانون تنظيمي جديد. وكان يوم 20 مارس حين تم إقرار اللائحة هو نفسه يوم انطلاق السوق.

حتى تلك اللحظة كان السماسرة والبورصات مثل Waterfind يسمحون لمالكي الأراضي ومستصلحيها أو للمزارعين ببيع وشراء الحقوق مع تأثير فوري على سوق السلع المادية. كان المزارعون يشترون الحقوق في الميغالتر ثم يعيدونها إلى مالك الأرض بعد استهلاك الحجم المطلوب من الماء.

إن إمكانية التجارة بالعقود الآجلة وعدم الاهتمام بالتسليم المادي للماء جذبت إلى السوق عدداً أكبر من المستثمرين المضاربين. يعتقد روني أن في الوقت الحاضر أربعة أخماس من المشاركين في المزادات في Waterfind هم مزارعون أو مالكو الأراضي، والباقي مستثمرون وتجار مضاربون.

تضمن صفقات العقود الآجلة في البورصة للمزارعين الاطمئنان على مستقبل محصول القطن أو الذرة. يفضل المزارعون عدم المضاربة على سعر الماء وقت الحصاد أو الري بعد نصف سنة إنما يفضلون تثبيت السعر ببيع العقود أو شرائها.

يؤكد جون بريسكو أستاذ الهندسة البيئية في جامعة هارفارد والمدير السابق للبنك الدولي، والخبير في قضايا المياه: «يتصف سوق المياه، مثله مثل غيره من الأسواق المشابهة، بصعوبة التنبؤ به. بورصات العقود الآجلة هي الأداة الوحيدة (والهامة جداً في أحيان كثيرة) المتوفرة لدى البائعين والمشترين لزيادة كفاءة إدارة المخاطر».

هل الأمر جدير بالعناء؟

رغم أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وكمية المياه في المسطحات المائية انخفضتا إلى أقل من نصف كميتها الأصلية، لم يتجاوز انخفاض الإنتاج الزراعي الثلث. يؤكد بعض الناس، بما فيهم روني، أن ذلك يعني أن الأسواق المائية تعمل. يُفترض أن الأسواق حين جعلت الماء مأجوراً قللت من هدر المياه. ينتج المزارعون في الأراضي المروية غذاءً أكثر لكل دونم مستخدمين لذلك ماءً أقل. يرى روني أن «الناس في السوق المفتوحة الحرة استطاعوا إدراك قيمة الماء فتحولوا إلى استخدامه بأعلى كفاءة ممكنة».

يكتب فريدريك كاوفمان مؤلف كتاب «Bet the Farm: How Food Stopped Being Food» («راهن على المزرعة: كيف لم يعد الغذاء غذاءً») أن تاريخ أسواق السلع المادية والعقود المشتقة لها تأثيرات غير مرغوبة. يحذر كاوفمان أن العقود المشتقة والمضاربات في تجارة الماء يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بل يمكن أن يزداد وضع الجفاف سوءاً، مثلما أدت العقود الآجلة للحبوب والمحروقات في الماضي إلى خراب في المجتمع. صرح كاوفمان في مقابلة مع Wired.com: «رأينا ما فعلته العقود المشتقة مع السندات المدعومة بالرهن العقاري، ولا نريد أن يحصل الشيء نفسه في قضية المياه».

يرى روني أن الحل البديل الذي يقترحه كاوفمان، تخويل الهيئات الحكومية بتوزيع المياه، أقل كفاءة من الأسواق المائية.

أوله آموندسن مدير برنامج صندوق الحفاظ على الماء مطلع على مشاكل الماء في الولايات المتحدة. حسب قوله، تحاول المنظمات غير الحكومية في الحاضر استغلال قوة السوق للحفاظ على الماء في أمريكا.

مثلاً، يسعى توم هيكس المحامي من كاليفورنيا ليحصل عقد الاستئمان بخصوص المياه على نفس المزايا الضريبية التي تطبقها دائرة الضرائب الاتحادية على استئمان الأرض كي تكتسب «الحقوق المائية» قيمة مالية وفي الوقت نفسه لا تصيب بالجنون سماسرة البورصات.

يرى آموندسن أن سوق العقود الآجلة الأسترالي من غير المرجح أن ينشر عملياته إلى الولايات المتحدة، وأحد أسباب ذلك تنوع القوانين الأمريكية المتعلقة بالماء. إلا أن Waterfind تخطط لإطلاق عملياتها في الولايات المتحدة في يناير 2015.

وكما يشير كاوفمان وغيره، متى خرج الجني من القارورة (من قارورة الماء)، لا يمكن التنبؤ باتجاه السوق.

ترجمة عن موقع fortune.com

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق