ضبط النفس قبل كل شيء
الصفحة الرئيسية مال

حكى بروس باير لنا مؤخراً عن الدروس السبعة في الاستثمار والتداول التي استوعبها خلال سنوات عمله. قام باير بمراجعة عدد من أكثر الأمور إثارةً للاهتمام والمفاجأة التي صادفها في الأسواق. على مدى هذه الحلقة يتوقف بتفصيل أكثر على كل درس من الدروس السبعة، وهي في الوقت نفسه إعلان عن كتابه الجديد قيد النشر. لقد نشرنا سابقاً استعراضاً مختصراً والدروس الأول والثاني والثالث على موقعنا.

الدرس الرابع: تفاعل المنهجية وعلم النفس

ها قد وصلنا إلى الدرس الرابع في سلسلة «الدروس السبعة التي استوعبتها». نحن ندرك أننا نحاول اتخاذ أفضل القرارات الممكنة، وأننا نحتاج إلى قواعد معينة وانضباط لضمان التوجه الصحيح لمحاولاتنا. من جهة أخرى، علينا تكييف دماغنا بالشكل الصحيح لنحقق النتائج القصوى، كما هي الحال في أي نشاط آخر يتطلب الإنتاجية القصوى. ندرس في هذه المقالة التفاعل بين المكونات النفسية والإجرائية.

نعرف بالتأكيد أن مجالي تاثيرهما يتقاطعان، وكلنا يعلم ذلك الشعور بالرعب عندما يكون حجم الرصيد كبيراً أكثر من المعتاد. ربما، كلنا يعرف خيبة الأمل من محاولات عقد صفقات جيدة عندما تكون في حالة توتر نفسي ناتج عن مكونات أخرى من حياتنا أو عن انخفاض الفعالية. العلاقة موجودة بالتأكيد.

الأسئلة الأساسية هي التالية: ما هي الخطوات التي يمكننا اتخاذها لتوجيه نفسيتنا والإجراءات التي طورناها نحو الحصول على أفضل النتائج؟ وما هي أوجه تقاطع هاتين المكونتين؟

ذكرنا ضرورة التمكن من منهجية تقوم بتوجيه قراراتنا. هدف هذه المنهجية مكافحة نقاط الضعف المعرفية التي يمكن أن تحيدنا عن الاتجاه الصحيح. بعضها معروف جيداً، مثل الانفعالات وافتعال التبريرات المنطقية المختلفة. بعضها الآخر غير معروف على نطاق واسع، مثل فرط التحميل المعلوماتي. ولكن يجب أن نسعى إلى القرارات المبررة عندما يكون سير تفكيرنا عقلانياً وشاملاً أكثر ما يمكن.

هذا هو هدفنا، وهو جدير بالعناء. في الحالة المثالية نودّ لو نصبح أشباه روبوتات كي تتوافق أفعالنا مع البرنامج المحدد لنا ولكي يجري تنفيذه بلا أخطاء. إلا أن هذا مستحيل في الغالب، فنحن نضطر دائماً إلى مواجهة ارتكاسات انفعالية معينة. وحتى لو فعلنا كل شيء بشكل صحيح من حيث المنهجية، لا يستبعد أن تغرقنا موجة انفعالات. يمكن أن يؤكد هذا أي شخص واجه في حياته سلسلة من المواقف الخاسرة ويعرف الشعور باليأس الذي يرافق مثل هذه المواقف. وبالمثل، يمكن أن تثير سلسلة من صفقات ناجحة حالة نشوى وشعوراً بأنك معصوم عن الخطأ، ويستمر ذلك حتى يحصل ثمة فشل كبير. أو قد يؤدي الالتزام الصارم بالمنهجية إلى تعب جراء الملل.

وستكون نتائج ذلك أكثر خطورة مما لو أخللنا بمنهجيتنا.

  • أولاً، ستتدهور جودة القرارات التي نتخذها مع الزمن. قد لا تتأثر نتائجنا بهذا فوراً، ولكن في النهاية سيصبح التأثير ظاهراً للعيان.

أي شخص يتضايق إذا مر بسلسلة من النتائج السيئة، ولا سيما إذا كانت هذه المؤشرات ثابتة لا تعطي أملاً بانقلابها لتعود مواتية، ويشتدّ تأثير ذلك لأننا نبدأ بإغفال أهمية المنهجية فنقلق على النتائج مما يخلّ بحالتنا الانفعالية فتصبح أكثر تأثراً بالمؤشرات الجارية.

  • ثانياً، يختل وضعنا الانفعالي نتيجة أسلوبنا في التصرف.

إذا لم نلتزم بقواعد موحدة حول شراء وبيع المراكز سنغضب بسبب جميع أوجه نشاطنا التجاري والاستثماري. عندما نقوم بمخاطرة شديدة سنكون بالتأكيد أكثر ميلاً لبيع المراكز في حالة ذعر. يسرد الدكتور بريت ستينبارجر الذي يقدم المشورة للعديد من الشركات والصناديق التجارية هذه الأمور باقتضاب في كتابه «علِّم نفسك بنفسك التجارة: النفسية والطريقة والتكتيك والاستراتيجية»:

«إن نسبة المشاكل الانفعالية المرتبطة بسوء تدبير المخاطر مثيرة للعجب حقاً».

يمكن أن تؤدي أبسط الأخطاء المنهجية إلى مصاعب على مستويات عدة.

قواعد المنهجية الناجحة

بالتأكيد، أفترض أن بعضكم قد بنى منهجية تتوافق مع الأسس التي أسميها «الحقائق الأساسية للتجارة». إليكم أهم المبادئ التي يلتزم بها – حسب ما أرى – جميع المستثمرين والمتاجرين الناجحين:

  • يجب أن تتوافق المنهجية مع طبعك فتستفيد من نقاط قوتك وميزاتك العقلية.
  • من الضروري أن يكون لديك نظام صارم لتدبير المخاطر يخرجك من المراكز المتهاوية ويحد من المخاطر التي تخوضها.

إن عدم الالتزام بهاتين الحقيقتين يشبه الصراع مع قوة الثقالة: الصراع ممكن لكنه لن يفلح أبداً وينتهي دائماً بخيبة أمل. لهذا لا يكفي أن يكون لديك منهجية وأن تلتزم بها، بل المنهجية يجب أن تكون صحيحة ترتكز على أساس متين.

لكي تربح الصراع عليك تنظيم الجانب الإجرائي لنشاطك. من الضروري تأليف منهجية واضحة يمكن الالتزام بها. يمكن أن تستفيد من بعض المهارات، مثل قوائم التحقق من الدرس الثالث، لتشكل نقاط ارتكاز تساعدك على الالتزام بمتطلبات نظامك وتعظيم كفاءته. إنها المهارة التي يجب تنميتها وتطبيقها عملياً مهما كان الوضع مكرباً. هذا يشبه التدرب على المهارات الرياضية في نقل الكرة بدقة كي يستطيع اللاعب نقل الكرة إلى زميله أثناء المباراة حتى لو انقضّ ثلاثة لاعبين عمالقة من مدافعي الفريق الخصم. إن إنشاء نظام صحيح وتطبيقه بلا أخطاء يعني الحصول على نتائج جيدة، وهذا يمكن أن يحسن حالتك النفسية.

من شأن هذه العملية إنشاء حلقة مؤاتية حين تجد أن الانضباط يأتي بنتائج، فتنضبط أكثر فتتحسن نتائجك، وهكذا دواليك.

عدا ذلك، يقل احتمال وقوع مشاكل نفسية تظهر عند الإخلال بمتطلبات النظام، مثل شراء حزمة كبيرة من الأوراق المالية ثم هبوط أسعارها.

المصايد النفسية

كثيراً ما يتعقد اتخاذ القرارات الصحيحة بعوامل نفسية بحتة. يمكن أن نورد بعض الأمثلة:

  • الإجهاد الشخصي: أي يحصل عندك كرب في مجال لا علاقة له بالأسواق، فتشعر أنك لن تستطيع تحقيق نتائج جيدة في الأسواق أيضاً. وحالما يمضى الكرب تشعر من جديد أن السوق عادت مفهومة بالنسبة لك.
  • «الجمود»: أنت تعرف بالتحديد ما المطلوب فعله، لكنك تجمد ولا تفعل شيئاً عندما تأتي اللحظة المؤاتية. يوجد في مدونة SMB تدوينة ممتازة عنوانها «التداول يعتمد كلياً على النفسية» (Trading is all psychology)، وتدرس الحالة التي يعرف المتاجر فيها ما عليه أن يفعله لكنه لا يستطيع أن يضغط على الزر، وبالنتيجة يراقب صفقة مربحة وهي تفوته.
  • الخوف من النجاح: مع أن هذا البند قد يبدو مفاجئاً، إلا أن بعض الناس يخشون النجاح في قلبهم. قد يقلق هؤلاء الناس حول طريقة التعامل مع الأموال الطائلة أو مع الاهتمام الذي يحظون به، أو يعتقدون أن جميع الناجحين أوغادٌ. ومهما كانت التبريرات، هذه الظاهرة موجودة بالتأكيد. مع أننا لا نعرف الكثير عن الخوف، رأينا ظواهره مراراً: الانجماد عند تجلي الخطر. ولكن هناك طرائق للتخلص من الانجماد وتحقيق نتائج جيدة حتى في أوضاع الكرب.
  • الخوف من الفشل: قد يخشى المشاركون في السوق الفشل خوفاً من خسارة الأموال. ويتظاهر هذا في أنهم لا يشترون الأوراق المالية حتى لو علموا أنها مربحة أو يشترون حزماً صغيرة من الأوراق لا يمكن أن تجلب لهم دخلاً ملموساً.

أفضل صياغة لهذه الظاهرة كانت بقلم إد سيكوتا، وقد أشار جاك شواغر إلى ذلك في كتابه «سحرة سوق الأوراق المالية»:

«كل واحد يحصل من السوق على ما يسعى إليه، ربحاً كان أم خسارة».

يقصد سيكوتا أن الناس يحصلون على النتيجة التي تعكس دوافعهم اللاشعورية وليس ما يصرحون به. أولاً وأخيراً، إذا كنا نريد أن نربح حقاً، علينا أن نرتب أفكارنا، سواء لنستطيع أن نعمل بكفاءة في الظروف الصعبة أو كيلا نؤذي أنفسنا بشكل أو بآخر.

يمكن كبت الانفعالات على المستوى الأساسي في التداول بتركيز الانتباه على اتخاذ القرارات الصائبة لا على كسب المال.

لقد كتبت عن هذا سابقا في الدرس الأول، ولكن تكرار هذه الفكرة لن يضر. متى ركزت على اتخاذ القرار الصائب ستركز أكثر على هذه العملية كي تمضى كما يجب، فتأتي النتيجة، وهي تناسُبُ الأرباح والخسائر، من تلقاء نفسها. يعني هذا أن عليك الالتزام بالانضباط واتخاذ قرارات عقلانية وإدراك أنك «ستحصل على ما يعرضه السوق». هذه الطريقة في التفكير تسهِّل العمل كثيراً، فأنت تبذل قصارى جهدك لتقوم بما تستطيع على أكمل وجه، والسوق تتولى مسألة النتيجة النهائية.

عدا ذلك، عندما تصرف انتباهك عن النقود وتحوله إلى اتخاذ القرارات فأنت تحتال على عقلك.

عندما تغير الغرض المدروس تحكم على نتائجك اعتماداً على معير مختلف، وهو جودة القرارات المتخذة، وتتحول عن أسلوب التفكير بالأموال. عندما لا تفكر بالأموال يمكنك التجرد عنها في المتاجرة، وبالنتيجة تزداد حصانتك الانفعالية. في الماضي كنت ستفكر: «أستطيع إغلاق هذا المركز وأثبت ربحا ب 5 آلاف دولار. ممتاز! سأستطيع السفر إلى لاس فيغاس». أما الآن سيكون تفكيرك «هل من الصائب أن أغلق هذا المركز؟».

هذا يسمح باتخاذ قرارات أكثر اتزاناً مع الأخذ في الاعتبار المخاطرات والمكافآت المحتملة، بالإضافة إلى عدم التأثر بالانفعالات العارمة المرتبطة بالمال.

هذه الطريقة يستخدمها أفضل الرياضيين. لا يسمحون لنفسهم بالتفكير المستمر في الجوائز وترتيبات التكريم بل يركزون على ما عليهم أن يفعلوه في هذه اللحظة تحديداً ليصبحوا أحسن. قد يعني هذا الأداء الفني المثالي أو تجربة التعديلات المحتملة على الطرائق أو مجرد الانتقال إلى الحالة البدنية والنفسية المناسبة قبل المباريات. ولكن بالتركيز على التفاصيل الدقيقة للتدريب أو المباراة نفسها، يبقي الرياضيون تركيزهم على ما يمكن أن يفعلوه بصورة أفضل كي يقدموا ذروة الإنتاج. أما لو فكروا بالجوائز أو النصر لما استطاعوا أن يكرسوا أنفسهم 100٪ للحصول على أفضل النتائج، بل أن الانفعالات المرتبطة بالجوائز يحتمل أن تعرقل قدرتهم على التركيز على جوهر اللعبة.

من أكثر الخطوات كفاءةً في مثل هذه الظروف اتخاذ القرارات في حالة التركيز الأقصى، أي بكل هدوء، مع تشغيل التفكير والتجرُّد عن تفاهات العالم الخارجي.

لهذا السبب تحديداً يخطط الرياضيون للعبة مسبقاً ثم يركزون على تنفيذ خطتهم. إذن، عليكم أن تكرسوا مثلهم وقتاً طويلاً للتحضير من أجل تجهيز عدد من السيناريوهات التفصيلية. «إذا وصلت الأسهم إلى هذا المستوى سأقوم بتثبيت الربح». «إذا هبط السعر إلى هذه القيمة سأتوقف عن الخروج». «إذا استمر الرصيد في التقلص سأختصر مركزي إلى النصف». متى تزودت بهذه السيناريوهات تستطيع أن تستجيب بسرعة لتحركات السوق وتتخذ القرارات عندما تكون جاهزاً لذلك تماماً. وبعد ذلك لا يبقى عليك إلا تنفيذ خطتك، وإلا ستبقى تستجيب للتذبذبات الآنية ولن ترضى لا بخطتك ولا بجودة تنفيذها على الأغلب.

استراتيجيتان للتحضير

أكتب في كتابي عن استراتيجيتين للتحضير يمكننا استخدامهما لتحسين حالتنا العقلية: علم النفس الرياضي ومختلف أنواع العلاج النفسي. تهدف الاستراتيجية الأولى إلى تحقيق أفضل النتائج في ظروف الكرب وتنمية المقدرات الموجودة بمساعدة طرق مثل تدريب العقل. تشمل الاستراتيجية الثانية استخدام الأدوات لتحسين طباعك وتجاوز نقاط الضعف. تحفز كلتا الطريقتين الحيوية العامة، ويمكن تكييفهما بسهولة لاحتياجات المضاربين والمستثمرين.

التدريب الذهني من أكثر الأدوات كفاءةً في عالم ذروة الإنتاجية.

تطرقت لهذا الموضوع باختصار في الدرس الثاني لأنه من الأدوات الأساسية لمختلف ممثلي شتى المجالات، وثبتت فعاليته علمياً. صممت سلسلة من الدروس حول التصور والتدريب الذهني. كعادتنا، نحاول محاكاة التداول أدق ما يمكن، أي اتخاذ القرارات الصائبة في مجال تناسب المخاطرة والمكافأة. عدا ذلك، يجب القيام بهذا التدريب بهدوء في حالة استرخاء بالتجرد عن الانفعالات. حتى أكثر المستثمرين خبرة يتعرضون للتردد الانفعالي فيما يتعلق بالأسواق ومستوى دخلهم. إذا استطعت تذليل هذه الانفعالات يسمح لك ذلك بالمحافظة على التركيز واتخاذ أكثر القرارات اتزاناً.

هناك طريقة أخرى وهي تدريب الإدراك، أي تنمية المقدرة على تركيز الانتباه على غرض محدد للمحافظة على التوازن الانفعالي.

هذا يساعد على استرجاع الهدوء والتجرد عن العوامل المشوشة وخفض الانفعالية. يشبه تدريب الإدراك عملية التأمل عندما تعلم عقلك على التركيز. يمكن أن تحاول التركيز على فكرة واحدة أو على المراقبة البسيطة لحالتك. مثلاً يمكنك أن تخرج للتنزه في أحد أيام الخريف وتراقب ألوان أوراق الأشجار وتشعر بالحرارة والنسيم. وبالمثل، يمكنك مراقبة أوجه معينة للأسواق: حركة الأسعار أو المؤشرات المالية لشركة أو عوامل أخرى مع محاولة التركيز على هذه الأوجه. بهذه الطريقة تستطيع توجيه انتباهك على الغرض الذي تختاره.

وفي نفس الوقت يجب أن تغادر جميع الأفكار المشوشة مجال وعيك دون أن تثير التفكير. طبعاً، سيبقى هناك عوامل مشوشة دائماً لأن دماغنا يولِّد أفكاراً ومشاعر متناثرة باستمرار. تكمن الحيلة في تعلم التخلص منها بأقصى سرعة لزيادة التركيز على غرض الانتباه أو على أحاسيسك. وستتعلم في الوقت نفسه التجرد من الأفكار المشوشة وإخراجها من وعيك دون التوقف عندها. تسمح لك حالة التجرد هذه بالوصول إلى التوازن الانفعالي مما يحميك من نبضات الانفعال وفقدان التركيز، فضلاً عن المحافظة على تركيز انتباهك على الأمور الهامة فعلاً، أي الأسواق. يمكن الحصول على مزيد من المعلومات عن تنمية الإدراك في مقالة الأستاذ ستينبارجر عن الإدراك أو في الكتاب الجديد بقلم ستيف وورد بعنوان «تفكير المضارب» ‎(TraderMind)‎.

حافظ على ضبط النفس

تسمح كلتا هاتين الاستراتيجيتين لك بتحسين حالتك الانفعالية بسرعة والتحضير مسبقاً لأي حالات صعبة. ولكن الأداة الهامة الأخرى هي الحفاظ على ضبط النفس في مختلف الظروف التي قد تثير مكونات انفعالية غير مرغوبة في نشاطك التجاري.

أفضل مثال لهذه النقطة هو الكرب. القلق الزائد يشتت ويخل بالتوازن ويؤثر سلباً على النتائج. الكرب يعسر الانتقال من الجهد إلى الراحة والالتزام بالقواعد والحفاظ على الهدوء بوجود مراكز مفتوحة. حاول التخلص من الكرب الزائد في حياتك. خصص وقتاً كافياً للاسترخاء والابتعاد عن الأسواق، فهذا يساعد على استرجاع قواك حقاً. وإذا ظهرت عوامل مجهدة نفسياً لا يمكن تجنبها مثل وفاة قريب أو ولادة طفل فيجب التسليم بأن نشاطك التجاري سيتأثر بهذه الأحداث وتخفيض مستوى المخاطرة. بهذا تقلل الكرب أو الضغط الذي يمارسه السوق عليك إلى مستويات مقبولة. اخفض مستوى المخاطرة وحافظ على تركيزك على اتخاذ القرارات الصائبة، فيعبر حسابك الفترة الصعبة بسلامة.

لا تخاطر إلا بما تستطيع أن تخسره

ثمة حالة مزعجة أخرى يجب تجنبها هي الحاجة الملحة إلى الدخل من التداول، لا سيما إذا كنت تعتمد على تكهنات متفائلة جداً. هناك فرق ملموس بين السعي إلى الكسب وضرورة الكسب. أغلب الناس يرغبون، بصرف النظر عن أهدافهم، بالحصول على ربح من استثماراتهم إما لتأمين مستوى معيشة كريم بعد التقاعد أو لتوزيع ادخاراتهم في أكثر من سلة أو لاعتبارات أخرى. عادةً لا يكون هؤلاء الناس في وضع يائس عندما يحتاجون إلى الربح من استثماراتهم ليسددوا التزاماتهم المالية المباشرة.

مثال على هذه الحالة شخص يستأجر سكناً ويحتاج إلى دخل شهري لدفع الأجار. من يحتاجون إلى الربح فوراً يكونون أكثر تعرضاً لضغط شتى العوامل ومن المحتمل أن يدخلوا في مخاطرات زائدة.

يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى جميع العواقب السلبية الموصوفة سابقاً: تركيز الانتباه على المال ورفض ما يعرضه السوق، إلخ. إذا كان لديك حاجة ملحة إلى المال، فهذا يزيد مستوى التوتر ويخفض قدرتك على اتخاذ القرارات الصائبة على أساس سليم. ستشعر وكأن أحداً يلاحقك وتبقى تفكر في كيفية الحصول على المبالغ الضرورية. في مثل هذه الأوضاع المكربة تتأثر القدرة على اتخاذ القرارات بالتأكيد، ومعها تتأثر النتائج. إما اخفض نفقاتك كيلا تكون حاجتك إلى المال بهذه الحدة أو ابحث عن مصدر آخر للدخل ليتناسب مع متطلباتك المالية.

ومرة أخرى: لا تخاطر إلا برأس المال الذي تستطيع أن تخسره دون أذى والذي لا تحتاجه في الوقت الحاضر.

هناك العديد من الأقوال المبتذلة حول التداول وعلم النفس. «تاجر مثل الروبوت»، «كن منضبطاً»، «خذ نفساً عميقاً تتخلص من مشاكلك». مع الأسف، لا تأخذ هذه النصائح بعين الاعتبار أننا بشر جميعنا ولدينا وعي معقد متعدد الوجوه. عقلنا خليط من الغرائز والأحاسيس والأفكار والانفعالات. ستبقى مناطق الدماغ العقلانية والانفعالية تتصارع، فهي تتجاور وتتفاعل فيما بينها بالضرورة. حاولت أن أبيّن بعض أشكال هذه التفاعلات وأن أعرّفكم على وسائل السيطرة عليها من أجل الحصول على أفضل النتائج الممكنة. وأخيراً، إذا بذلت قصارى جهدك لتحقيق النتائج الممتازة، سوف تستطيع تنمية المهارات الضرورية، مثلاً تطوّر طريقتك الخاصة وتلتزم بها وتحصل على الأدوات النفسية المناسبة. هذه الوسائل مجتمعةً تساعدك على اتخاذ القرارات التجارية الصائبة وتحسين حالتك النفسية والتحكم بالعمليات النفسية لتحقيق أفضل النتائج في نشاطات التداول.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق