البهلوان تشارلي منغر
RFarrarons / Shutterstock.com
الصفحة الرئيسية مال

يشتهر تشارلز منغر بين مستثمري ومعجبي شركة Berkshire Hathaway Inc. بأنه الضد الصامت لقائد الشركة الفصيح وورن بافيت. خلال الاجتماع السنوي للمساهمين الذي يعقد كل ربيع في مدينة أوماها يلقي السيد بافيت أفكاره بفقرات طويلة، بينما يكتفي السيد منغر بتعليقات مقتضبة، وفي أحيان كثيرة لا يقول إلا «ليس لدي ما أضيفه».

ولكن عندما لا يكون دوره ثانوياً، يستمتع منغر بمهارته في جذب انتباه الجمهور. جرى الأربعاء الماضي الاجتماع السنوي لشركة Daily Journal Corp.، وهي شركة صغيرة تعمل في مجال النشر وإنتاج البرمجيات يحتل منغر فيها المنصب الأعلى، فبقي المدير ابن التسعين عاماً يتواصل مع المستثمرين أكثر من ساعتين، وكان يحق لأي منهم أن يطرح أسئلة.

نادراً ما كان منغر يتوقف ليلتقط أنفاسه، ولم يشرب جرعة ماء واحدة.

ثم ذهب السيد منغر فوراً ليترأس اجتماع مجلس الإدارة، واستمر اللقاء أكثر من ثلاث ساعات. وحتى بعد أن انتهى الاجتماع لم يشبع منغر من الكلام، فطلب من أحد الموظفين أن يدعو صحفياً من Wall Street Journal كان ينتظر في الخارج إلى قاعة الاجتماعات وتحدث معه ساعةً أخرى.

لا يظهر عمر منغر، الرجل الأنيق طويل القامة، ذو مصافحة قوية، إلا في رعشة طفيفة في صوته الجهير. لا تستطيع مقالة صحفية نقل طريقة كلامه الحاذقة والعميقة، ومع ذلك، نقدم فيما يلي خلاصة منقحة لما قاله.

حول تأثير وورن بافيت عليه

أقنعني وورن بترك ممارسة المحاماة، وكان لهذا تأثير عظيم علي. كنت أفكر بتكريس أغلب وقتي للعمل في مجال الاستثمار، فقال وورن لي أن طبعي يناسب ذلك تماماً، وكان محقاً في تقديره. ربما كنت سأفعل ذلك بنفسي، لكنه دفعني إلى اتخاذ هذه الخطوة. من واجبي أن أقول: ليس من السهل أن تعمل بجد سنوات طويلة لتؤسس نفسك في مهنة، وهذا ما فعلته، ثم تعمل عن قصد على تدمير ما أسسته. [ترك منغر مكتب المحاماة الذي أسسه Munger, Tolles & Olson LLP في سنة 1965 ليصبح مساعد بافيت ويده اليمنى في شركة Berkshire وليدير شركة استثمارات خاصة مشتركة.] لولا تأثير وورن علي، لكان أصعب علي أن أفعل كل هذا.

ولم يكن هذا خطأ. [يضحك] كان كل شيء ممتازاً بالنسبة لنا وللعديد من الناس الآخرين [مستثمري Berkshire].

حول بنجامين غراهام، المستثمر العظيم الذي كان المرشد الموقر لوورن بافيت

[صورة: بنجامين غراهام]

بن غراهام ليس عزيزاً علي – ولا أفكاره – كما هو عزيز بالنسبة لوورن. هنا يجب أن ندرك أن وورن تعرف على أفكاره في عمر مبكر ثم بدأ يعمل لصالحه، وغيرت أفكار بن غراهام كل حياته، وقضى الجزء الأكبر من شبابه وهو يبجل مرشده عن كثب. ولكن يجب أن أشير إلى أن بن غراهام كان يمكن أن يستفيد من تعلم أمور كثيرة كمستثمر. تشكلت أفكاره حول طريقة تقييم الشركات تحت تأثير الانهيار العظيم والكساد حين كاد يفلس تماماً، فبقي لديه خوف مما يمكن أن يفعله السوق به. سبّب هذا له جرحاً نفسياً بقيت آثاره تتظاهر حتى نهاية عمره في تخوّفه، وقام بتطوير كل طرائقه بحيث يسيطر على خوفه.

أرى أن مستوى بن غراهام كاستثماري كان أدنى بكثير من مستوى وورن بافيت، وحتى أدنى من مستواي أنا. إن شراء هذه الأسهم الرخيصة التي لا تسوى عقب سيجارة [الشركات ذات الكمون المحدود التي تباع أسهمها بجزء صغير من المبلغ الذي كان من الممكن أن تسعَّر به في حال الاستيلاء أو التصفية] كان فخاً وخَرَفاً، ولا يمكن أن تكون فعالة باستخدام المبالغ الموجودة بحوزتنا. لا يمكن أن تفعل ذلك بمليارات الدولارات ولا حتى بملايين كثيرة. إلا أنه كان مؤلفاً ممتازاً ومعلماً متميزاً وإنساناً لامعاً، وواحداً من المفكرين القلائل، بل ربما المفكر الوحيد، في عالم الاستثمار في تلك الحقبة.

حول الشركات التي تقتني شركات كبيرة فتنظم عملها، مثل شريك Berkshire شركة 3G Capital

أتحسس من مسألة خفض التكاليف لأن هذا يعني عادةً أن أناساً كثيرين يفقدون عملهم، فيزداد الأثرياء ثراءً ويتعرض الكثيرون من الناس العاديين للفصل من العمل. ومع ذلك، أعتقد أننا لا نفيد المجتمع عندما نوظف عاملين أكثر مما هو ضروري لعمل الشركات بكفاءة. إجمالاً، نطور الحضارة عندما نزيد كفاءة عمل الشركات.

حول ما يسميه هو وبافيت «دائرة الكفاءة»

قال كونفوشيوس أن العلم الحقيقي هو أن تدرك مدى جهلك، وطرح أرسطو وسقراط أفكاراً مماثلة. فهل هي مهارة يمكن تعلمها أو تعليمها؟ ربما، يمكن تعلم ذلك إذا كان الدافع قوياً. يدرك بعض الناس حدود إمكانياتهم جيداً لأنهم في أمسّ الحاجة إلى ذلك. تصور بهلواناً محترفاً يمشي على الحبل فوق هاوية ويمارس هذه المهنة منذ 20 سنة: لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة وهو يسير على الحبل 20 سنة إلا إذا كان يدرك تماماً حدود إمكانياته، ما يستطيع أن يفعله وما لا يقدر عليه. يعمل هذا الرجل بجد لأنه يعرف أن أي خطأ يكلفه حياته. وهذه المعرفة لا يحظى بها إلا من استطاع أن يبقى على قيد الحياة.

إن إدراك حدود إمكانياتك أكثر فائدة من الذكاء المتّقد.

حول مدى ابتكارية شركة Berkshire Hathaway

لا يوجد في أي مكان من إدارة شركة Berkshire ولا فكرة ابتكارية. يكمن جوهر الموضوع فيما يسميه [صديق مغنر] بيتر [كاوفمان] «استغلال الأشياء البسيطة المنبوذة». نحن [بافيت ومغنر والمساهمون والشركات التي اقتنوها] اخترنا بعضنا. إنه مجتمع يتألف من أشخاص آراؤهم متقاربة، ما يجعل أغلب القرارات تتخذ بدون نقاشات. لسنا عبقريين، إذ لا نستطيع أن نلعب الشطرنج معصبي العينين ولا أن نحيي حفلات بيانو. لكن نتائجنا عظيمة لأن لدينا ميزة موروثة تعوض نقص درجات مشعر الذكاء IQ.

لا يمكن لأحد أن يتجنب بالكامل أن تصله الأخبار السيئة بعد فوات الأوان، ولكن من النادر جداً أن يحدث هذا في Berkshire. يحب وورن أن يقول: «أنبئنا بالخبر السيء، فالخبر الجيد يمكن تأجيله». ومن ثم، يثق الناس بنا من هذه الناحية مما يسمح لنا بتجنب اتساع الخطأ إلى حجم الكارثة. إذا لم تكن تعمل من أجل أرباح ربع السنة بل تدير الأصول لتربح على المدى البعيد لا يهمك أبداً ماذا سيكون الربح في الربع القادم.

عن استثماره لعشرات ملايين الدولارات في أسهم البنوك في مارس 2009

لم نبتكر شيئاً، مجرد استثمرنا أموالنا. كانت تلك فرصة تظهر مرة كل 40 سنة. يجب أن تعرف التوازن الصحيح بين الكفاءة والمعرفة من جهة والحس السليم من جهة أخرى. لن تفيد الكفاءة العالية جداً بغياب الحس السليم. وإذا لم تكن تعرف دائرة كفاءتك فقد يدمرك فائض التفكير السليم. ولكن كلما ازدادت معرفتك عن حدود ما تعرفه تزداد قيمة الحدس. بالنسبة لمدير الأموال عنده 4 أولاد يريد تأمين التعليم العالي لهم وهو يكسب 400 ألف دولار أو مليون أو أي مبلغ آخر، الحس السليم يجب أن يكون آخر ما يهمه. ما تريده هو أن تعيش، والطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هي ألا تفعل أي شيء يميزك عن سائر الناس.

حول المحاسبة

اضطرت شركات المحاسبة الآن [نتيجة ظهور متطلبات تنظيمية وفق قانون ساربينز–أوكسلي لسنة 2002 وقانون دود–فرانك لسنة 2010] إلى توظيف أعداد هائلة من الناس، فاضطروا إلى تنقيب سوق العمل بحثاً عن كل هؤلاء الموظفين الجدد. تطالب الحكومة أن يؤدي المحاسبون دوراً بوليسياً، ولكن عدد الناس ذوي الذكاء الكافي ليقوموا بالرقابة قليل جداً. لا يجوز أن نعتمد على المحاسبين في مراقبة تنفيذ القوانين. يجب أن تتحلى الشركات بأخلاقيات عالية لتقوم بالرقابة على نفسها: من الطبيعي أن يكون في كل شركة قائمة طويلة من الأمور المخفية عن أعين الغرباء، حتى لو كانت أعمالها مشروعة تماماً. وعندما توكل مهام بوليسية للمفتشين تزداد المجابهة خلال التفتيش ويشتد التوتر بين المفتشين وزبائنهم. بالنتيجة تضطر الشركات إلى إخفاء أوجه أكثر من نشاطها فيتضرر الجميع.

حول تدهور الصحافة

إن الدور الذي لعبته الصحافة في حياة هذا البلد عظيم للغاية. بقيت السلطة الرابعة تؤدي على مدى العقود دور حكومة تعمل بطريقة بديلة، وربما بكفاءة أعلى، وكان يقوم على إدارة الكثير من الصحف أشخاص يتمتعون بأعلى المعايير الأخلاقية ولديهم حس حقيقي بالمصلحة العامة. عندنا أرى اندثار الصحف أخاف على مستقبل الدولة. لا نعرف بعد ما الذي سيأتي بدلاً عن الصحف، لكننا نعرف أن البديل لا يبشرنا بأي خير.

حول سخافة الكثير من الظواهر في مجال إدارة الأموال

جمعت صناديق رأس المال المغامر في سنة 2000 مبلغ 100 مليار دولار واستثمرتها في مشاريع الإنترنت الرائدة: 100 مليار! لو أخذوا من هذا المبلغ 50 ملياراً على الأقل ووضعوها في سلال كبيرة وأضرموا فيها النيران بحراقة غاز لحصلوا على نتيجة أفضل. انظر مدى الجنون الذي يمكن أن نصل إليه عندما ترتكز إدارة الاستثمارات على الأجور والمكافآت. كل واحد يريد أن يصبح مدير أموال ويجمع أكبر كمية من المال فيتاجر كالمجنون مع زملائه ثم يأخذ مكافأته فوق مبلغ معين. أعرف شخصاً، وهو مستثمر ذكي وموهوب. سألته: «ما نسبة الربح التي تَعِد بها عملاءك المؤسساتيين؟» فأجاب: «20٪». لم أصدِّق، فهو يعرف أن هذا مستحيل. إلا أنه قال: «يا تشارلي، لو قلت لهم رقماً أقل من هذا فلن يعطوني أي مال للاستثمار!». مجال إدارة الاستثمارات مجنون.

حول التجارة السريعة بالعقود الاشتقاقية والأسهم من قبل المؤسسات والأفراد

هذا يشبه مذبحة الأبرياء، وأمام هؤلاء حتى من يديرون كازينوهات لاس فيغاس يمكن أن تسميهم محترمين.

blogs.wsj.com

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق