الحظ والمهارة
الصفحة الرئيسية مال, تعلم التداول

تحدث بروس باير مؤخراً عن سبعة دروس في الاستثمار والمتاجرة تعلمها خلال سنوات عمله. أجرى باير مراجعة لأكثر الأمور تشويقاً ومفاجأة التي صادفها في الأسواق. وفي تتمة هذه السلسلة يتوقف بتفصيل أكبر عند كل واحد من الدروس السبعة، التي هي في الوقت نفسه إعلان عن كتابه قيد الصدور. لقد نشرنا سابقاً المراجعة المختصرة والدروس الأول والثاني والثالث والرابع والخامس في موقعنا.

الدرس السادس: الحظ أم المهارة

الحظ والمهارة عاملان يساهمان في النجاح في السوق. ينبغي فهم طبيعتهما لتوضيح أسباب القرارات الاستثمارية والتجارية.

تشبه الأسواق قوى الطبيعة كالزلازل والعواصف؛ فهي معقدة وفاتنة ولا يمكن التنبؤ بها، وهي تتغير باستمرار إلى ما لا نهاية. يمكن أن يحدث أي شيء في أي لحظة، ولذا لا ينبغي أن تضع البيض في سلة واحدة. لنتذكر الثلاثاء الأسواد في 6 مايو 2010 عندما انهار مؤشر داو جونز ألف نقطة خلال دقائق. صحيح أن هذا المثال عن حادثة نادرة، إلا أن مثل هذه الحوادث تقع ولا يمكن أن يعتبر أحد نفسه في أمان منها. وبما أن الحظ عامل دائم، يجب أن نأخذه دائماً بعين الاعتبار لتوخي الأمثل في الاستثمار.

جهز نفسك للأخطاء

النقطة الأولى، وهي الأهم: لا يمكن ألا تخطئ. أي ظرف يمكن أن ينقلب إلى الأسوأ لأي سبب وبصرف النظر عن مدى حسن تخطيطنا وتجهيزنا. ومن ثم يجب تضمين احتمال الخطأ في الاستراتيجيات التجارية والاستثمارية، لأن ذلك في الواقع تدريب على إدارة المحفظة خلال فترات الخسائر في المراكز التي ستقع حتماً. على المدى البعيد تكون تنائج أغلب الصناديق والمتاجرين أفضل من السوق في 50٪ من الحالات، فيضطرون إلى تفسير أسباب الفشل لزبائنهم.

متى سلمنا بهذا الأمر، يمكن أن ننظر إلى الأسواق من منظور آخر. يجب أن ندرك أن احتمال الخسارة قائم دائماً. لنتذكر فحوى الدرس الأول: يجب السعي إلى القرارات الصحيحة وليس إلى الربح. الربح هو النتيجة، أما الأسواق فلا يمكن التنبؤ بها، ولا نستطيع التحكم بها. لكننا نستطيع التحكم بقراراتنا وأفعالنا، وهذا ما يجب أن نوجه جهودنا نحوه. عندما نركز على العملية، فإننا نشحذ مهارتنا.

الربحية أبسط معاير تقييم الصفقات، إلا أنها لا تفسر مصدر النجاح: الحساب الدقيق أم الحظ. إنها مجرد نتيجة. لكي نصف النتائج حسب المراكز علينا أن نقسمها إلى الرابحة (تلك التي تجلب المال) والخاسرة (تلك التي تجلب لنا الخسائر). يرتكز هذا التصنيف على الأحداث الماضية. ولكننا نريد أن نركز على الطريقة لأن الطريقة هي ما يمكننا التحكم به. ولهذا السبب أقترح تقسيماً آخر: إلى صفقات جيدة (تتوافق مع طريقتك) وسيئة (لا تتوافق معها). لا يهم كم الربح من مركز معين، فعليك تفضيل «الصفقات الجيدة»، أي تلك التي يمكن التنبؤ بها والمتوافقة مع طريقتك؛ وهذه ستجلب النتيجة تلقائياً على المدى البعيد.

هذا الكلام جميل؛ ولكن كيف يمكن التمييز بين نتائج استراتيجية جيدة وبين ثمار الحظ؟ كيف يمكن أن تعرف إن كنت ذكياً أم أنك مجرد محظوظ؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن ننتقل إلى لغة نظرية الاحتمال والإحصاء.

فهم الاحتمالات مفتاح النجاح

ناقشنا هذا في درسنا الأول

التوقع الرياضي = (٪ للنجاحات × الربح في كل نجاح) − (٪ للفشل × الخسارة في كل فشل)

إذا كان المركز المفتوح ناجحاً في 50٪ من الحالات، يجب أن يكون توزع الربح المحتمل بين المشاركين أعلى بقليل إذا كنت تتاجر على المدى البعيد. يتناسب الربح النسبي عكسياً مع حجم الخسارة، حيث ينقص بزيادتها. لنفترض أنك تكسب 6 دولارات في كل مركز رابح وتخسر دولاراً واحداً في كل مركز خاسر؛ أنت محق في 25٪ من الحالات، ومع ذلك تكسب ثروة كبيرة بشرط أن يكون حسابك للنسبة بين المخاطرة والربح صحيحاً.

لا يعني هذا أن كل المراكز ستكون رابحة بالضرورة، إنما يكمن المعنى في أنك ستكسب حتماً شيئاً ما إذا أخذت عينة متنوعة بما فيه الكفاية. إذا كانت مناسبك مؤاتية ستحصل على ثمارها مع الزمن.

بالتأكيد، لا يمكن تحديد الاحتمالات مسبقاً في كل الحالات، ولكن هناك عدة طرائق لتقديرها بدقة مقبولة:

  1. الخبرة: إذا كنت تستخدم استراتيجية استثمارية أو تجارية واحدة على مدى 20 سنة، يوجد لديك بالتأكيد عدة أفكار جيدة. يمكنك دائماً الاستفادة من سجلاتك وتحليلها لتحديد المتغيرات الأساسية مثل النسبة المئوية لصفقاتك الرابحة أو متوسط الربح لكل مركز.
  2. الطريقة التالية هي ما يسمى «الاختبار الراجع»، أي تحديد الفعالية بناء على تحليل الإحصاءات خلال الفترات الماضية، أي استكشاف البيانات الذي يسمح بفهم كيفية عمل الاستراتيجيات المشابهة لاستراتيجيتك في الماضي. طبعاً، هذا ليس اختباراً باستخدام «النقد الحي»، ولكن يمكن أن يتشكل لديك فهم جديد للطريقة.
  3. الطريقة الثالثة هي بناء منهجية جديدة تماماً وتقدير المنافع التي يمكن أن تجلبها. هذه الطريقة لا تستند بقوة إلى الخبرة والسوابق، وهي الأكثر مجازفةً، إلا أنها قد تكون فعالة عندما لا تتوفر البيانات للاختبار الراجع أو عندما تتغير ظروف السوق بسرعة كبيرة. لا تنس: مع أن هذه الطريقة مبنية على تكهناتك، إلا أن عليك بناء استراتيجيتك بحيث تحصل على التوقع الرياضي الإيجابي.

كما قلنا سابقاً، التوقع الرياضي الإيجابي ضروري للحصول على أرباح مستقرة؛ أما حجم هذه الأرباح فيتحدد بعدد من المتغيرات الأساسية.

  • النسبة المئوية للصفقات الناجحة؛
  • حجم الربح عند النجاح؛
  • حجم الخسارة عند الفشل.

متى فهمت هذه المتغيرات استطعت أن تدرك كيف تعمل مختلف أساليب المتاجرة. إذا شبهناها بالرهانات في مضمار سباق الخيل، بعض المراهنين يخاطرون في رهاناتهم أملاً بالحصول على ربح كبير مرة واحدة ولا يأبهون بمعدل النجاحات (نسبة الصفقات الناجحة)، بينما آخرون «يراهنون على المفضلة» (تلك التي احتمال نجاحها أكثر)، وهذا ينقص حجم الربح المتوسط لكنه يزيد معدل النجاحات. يمكن أن تكون كلتا الاستراتيجيتين ناجحتين إذا اتصفتا بمميزة مشتركة واحدة، ألا وهي التوقع الرياضي الإيجابي.

علاوةً على ذلك، يمكن تكبير التوقع. هناك بضع حيل بسيطة يمكن أن تغير نتائجنا جذرياً. فمثلاً يمكن أن نغير سياسة تثبيت الربح في المراكز الرابحة لنستبقيها فترة أطول قليلاً فنحصل على ربح أعلى بقليل مما يساهم في زيادة متوسط الربح فيرفع التوقعات الإحصائية. عدا ذلك، يمكننا زيادة معدل النجاحات العام إذا تخلينا عن بضع استراتيجيات أو خطط تفسد النتائج الإحصائية.

قد تؤثر التغييرات الصغيرة تأثيراً ملموساً على التوقع الرياضي العام، ومن ثم على ربحيتنا العامة.

كما شرحت في الدرس الخامس، لتحليل وتوليف الإنتاجية أهمية بالغة في الحصول على نتائج أفضل. تحديداً، من المفيد جداً مراقبة النتائج والإحصاءات المتعلقة بالمتاجرة لأن النجاحات العامة تعتمد عليها. عدا ذلك، من المهم أن تأخذ في الحسبان حجم العينة، لأن استنتاجاتك لن تكون صحيحة إلا إذا كان تحت تصرفك كمية معينة من البيانات. قد تختلف عتبة الحجم وفق الأسلوب. إذا كنت تاجر يوم لن تستطيع تقييم كفاءتك من نتائج شهر واحد. أما المستثمر على المدى البعيد فسيحتاج إلى عدة سنوات ليدرس نتائجه ويحلل تقدمه.

يعرف جميع الرياضيين أن كلنا يفشل من حين إلى آخر، وقد يقع الفشل أكثر مما نتوقع. مثلاً، إذا كان متوسط النسبة المئوية لصفقاتنا الناجحة 50٪، فهناك احتمال الحصول على 6 مراكز خاسرة متتالية يقارب 1٪. وإذا لم يحصل عندك إلا 8 أو 10 صفقات ناجحة، فقد تحسب بعد 6 حالات فشل متتالية أن استراتيجيتك لا يمكن أن تنجح. ولكن في الواقع يجب أن تزيد حجم العينة إلى 100 مركز.

هذا يثير مشكلة شيقة: كيف يمكن موازنة تأثيرات الحظ على التوقع الرياضي. نريد أن تكون قراراتنا صحيحة على المدى البعيد ونختار المراكز ذات التوقع الرياضي الإيجابي، ونعرف أنها ستكون ناجحة مع مرور فترة كافية من الزمن بغض النظر عن النجاح أو الفشل الآني. ولكن من جهة أخرى نعرف أن على المدى القريب قد تسير الأمور على غير ما يرام. إذا عقدنا ست صفقات خاسرة وراء بعضها، لا نريد أن تكون الخسارة مدمرة بل نريد أن نكون في أمان من الإفلاس في حال فشل آخر.

صيغة كيلي

لتقدير الخطر، من المفيد الاستئناس بصيغة كيلي المحسوبة منذ عقود من أجل لاعبي الورق لتسهيل عملية حساب الرهانات لهم. إنها نقطة انطلاق جيدة للمتاجرين والمستثمرين، مع أن هناك بعض التحفظات التي سأشير إليها لاحقاً.

f* = [p (b +1 ) −1] / b

f* = جزء رأس المال الذي يمكن المخاطرة به في صفقة واحدة

b = مبلغ الربح في الرهان

p = احتمال الحصول على الربح

الحساب سهل. إذا كانت المراهنة بدولار واحد تجلب لي في حال الربح 3 دولارات باحتمال 50٪، فيجب المراهنة بثلث المبلغ المتوفر لدي. لو كان الربح المتوقع دولارين باحتمال 40٪ لنقصت النسبة المقبولة للمراهنة إلى 10٪. هذه بالتأكيد ليست إلا افتراضات. لا تعطي صيغة كيلي سوى أساس للتفكير عن المخاطر. كما قلنا سابقاً، لا يمكن أن نعرف احتمالاتنا مسبقاً، لذا يصعب تقدير الربح المحتمل في حال النجاح. يدعو بعض المتاجرين المشهورين مثل إدوارد تورب مؤلف الكتب مثل «تغلب على الوكيل» و«تغلب على السوق» إلى الاتباع الصارم لصيغة كيلي، إلا أنها ليست أكثر من أداة للتوجه العام.

هناك مشكلة أخرى، وهي الحظ على فترات زمنية قصيرة. إن صيغة كيلي مصممة لتعظيم الربح طويل الأمد، ولذا تنصح بالمخاطرة بمبالغ سيعتبرها أغلب الناس ضخمة. الناس لا يستطيعون أو لا يريدون التسليم بتقلبات السوق والانهيارات التي تحدث بين حين وآخر والمرتبطة بمخاطرات كبيرة، فيسعون إلى مخاطرات أصغر. وبعض الدراسات الأكاديمية المذكورة في كتاب ويليام باوندستون «صيغة الحظ» ‎(Fortune's Formula: The untold story of the scientific betting system that beat the casinos and Wall Street)‎ تؤيد فعلاً خفض المخاطرة المطروحة إلى النصف للحصول على توازن صحيح بين النتيجة والتقلب.

تطرح مناقشة صيغة كيلي سؤالاً آخر: تأثير الحظ على المتاجرة من وجهة نظر علم النفس. أحد أسباب انخفاض المخاطرة دون قيم صيغة كيلي هو محاولة إيصال الانهيارات الدورية والتقلبات إلى مستوى مقبول. إذا مررت بسلسلة طويلة من الخسائر أو سلسلة نجاحات فهذا سيؤثر عليك حتماً. في الحالة الأولى سوف تصاب بانحطاط المعنويات على الأغلب، أما في الحالة الثانية تقع تحت خطر الاعتقاد بأنك معصوم عن الخطأ. ومع أننا قد نرغب في الوصول إلى حالة لا تؤثر فيها إنجازاتنا على انفعالاتنا، إلا أن هذا مستحيل في الغالب. لذا فيجب توقع ظهور مثل هذا التأثير الانفعالي، وخاصة في حال سلسلة من الحظ السيء وتحضير خطة لتصغير الأضرار. وهذا ما نقوم به: إنشاء خطة تسمح بخفض المخاطرة أكثر في حال ظهور مصاعب. عندما نحافظ على مستوى منخفض من المخاطرة ونخفضه أكثر، نفيد أنفسنا بذلك لأن هذا يمنح أرباحنا وخسائرنا، ناهيك عن حالة دماغنا، فرصة الاستمرار في الصراع.

الطريقة الأخرى لتصغير التأثير النفسي للنجاحات على فترات زمنية قصيرة هي التركيز على العملية. كما أكدت في الدرس الأول، من أجل التحسين الثابت للنتائج الشخصية يجب صياغة التصور عن المتاجرة بطريقة جديدة، وهي أن المتاجرة هي عملية اتخاذ القرارات الصائبة حول المخاطر والمكافآت وليست مجرد طريقة لكسب المال.

ركز على تحسين جودة قراراتك تصبح متوجهاً للعملية. بهذه الطريقة تخدع نفسك في الواقع فتتخلص من الانفعالية الزائدة التي تظهر عند التوجه لكسب المال. لتكن قاعدتك هي التركيز على جودة القرارات وعدم التفكير في النتائج. هذه النصيحة تشبه المقولة الشهيرة لمايكل موبوسين:

«إذا طرح سؤال عن الحظ، ركز على العملية».

من المغري أن يعتقد المرء أن الأرباح والخسائر لا تؤثر على أسلوب المتاجرة أبداً، إلا أن الواقع غير ذلك، فإذا تعرض المرء لتخفيض واضح سيصبح حذراً في المتاجرة. أما إذا حدث التخفيض بسبب خطأ سخيف ارتكبه فسوف يتاجر في حالة ذعر. من الصعب أن تراهن إذا كنت تخاف من كل شيء حتى ظلك. إذن، على الشخص أن يؤمّن نفسه من الأوضاع التي يجابه فيها تخفيضاً كبيراً ويداه مكبلتان. هناك عدد من الحلول:

  1. الانتباه المستمر إلى حدود المخاطرة والتوقفات للتخلص السريع من عواقب الفشل.
  2. المتاجرة على صفقات أصغر كيلا تؤدي سلسلة من الصفقات الفاشلة إلى أضرار بالغة.
  3. تغيير الاستراتيجية بالكامل. يجب ألا تعرضك استراتيجيتك لخطر تخفيض يؤدي إلى أضرار بالغة. مستوى التخفيض الذي يُعتبَر كارثياً يتعلق بالمميزات الفردية لكل متاجر، لكن عليك أن تعرف حدودك.

ثمة جانب نفسي آخر يتعلق بالحظ والمهارة هو غرورنا. عندما ننخرط في مخاطرات أكثر من اللازم ونراهن على الحظ على المدى القريب فإننا بذلك ندخل في رهانات طائشة؛ وإذا حصلنا نتيجتها على أموال طائلة نبدأ بالاعتقاد بأننا عباقرة بل آلهة. أما إذا خسرنا الكثير فعلى الأغلب سنصاب بالإحباط. كلتا الحالتين لهما تأثير سيء على متاجرتنا لأننا في الحالتين نفقد التوازن.

في الحالة المثالية يجب أن نحافظ دوماً على الهدوء والتجرُّد. هذا من شأنه أن يسمح لنا باتخاذ القرارات الموضوعية ما أمكن. هذا مستحيل في الواقع، لكننا نستطيع حماية نفسنا من التذبذب نتيجة انخفاض المخاطرات. علينا أن نحافظ على مستوى مقبول من المخاطرة ونتوجه للمراهنة على المدى الطويل ونحاول أن نفهم كل شيء ونتخذ القرار الصحيح. هذا أحد أسباب لجوء أغلب الناس إلى نسب أقل من تلك التي تقترحها صيغة كيلي.

الصيغ هي أسلوبهم لضبط النفس.

إن التوازن بين الحظ والمهارة دقيق جداً. أرجو أن يكون هذا الدرس قد منحكم بضع أفكار حول الطريقة الصحيحة للسيطرة على المخاطر لتخفيض دور الحظ في رأس مالكم النقدي والنفسي.

اقرأ أيضا:
الرجاء وصف الخطأ
إغلاق