أي شيء أفضل من التنبؤات من وول ستريت
الصفحة الرئيسية مال

لماذا علم المال يشبه علم الاجتماع أكثر من أي علم دقيق؟

هناك حوالي 22 خبيرا استراتيجيا في السوق المالية العالمية في الوقت الحالي في أكبر المؤسسات المصرفية والبنوك العالمية والشركات الاستثمارية في وول ستريت.يعملون في أفخم البنوك مثل Goldman Sachs و Morgan Stanley ولديهم إمكانية الوصول إلى أي معلومات من داخل القطاع المصرفي وآراء كبار العلماء والخبراء الاقتصاديين والمحللين من أعلى المستوى والكفاءة. يتعاملون بصورة مستمرة مع كبار المستثمرين العالميين ويعملون كثيرا ويكسبون رواتب عالية. وهدف نشاطهم المهني هو التنبؤ بتصرف وتغيرات سوق الأوراق المالية في السنة القادمة. لذلك يقومون في شهر يناير بالتنبؤ بقيمة معدل S&P 500 لتاريخ 31 ديسمبر.

ولا ندهش لأخطائهم الخطيرة في تنبؤاتهم.ولكن من الأهم في هذا الصدد أن النطاق الواسع لأخطائهم يمكن أن تؤثر تأثيرا مدمرا على الأوضاع في المستقبل. ويمكن الإشارة إلى أن مدى دقة مثل هذه التنبؤات من الخبراء الاستراتيجيين في السوق قليلة نسبيا وإن جاز التعبير يكون هذا التقييم على مستوى بطل القصة الذي يدعى أنه المتنبي الأعمى الذي متأكد من أن السوق تنمو بسرعة 9% كل سنة، وهومتوسط القيمة الفعلية للمدى الطويل الأجل بغض النظرعن الأوضاع السائدة فيها.

نقدم لكم رسما بيانيا لمقارنة دقة التنبؤات المقدمة من كبار الخبراء الاستراتيجيين في سوق الأوراق المالية مع الإشارة إلى الديناميكية في تغير قيمة معدل S&P 500 منذ عام 2000:

وكما تدل الحسابات الرياضية البسيطة تنبؤات الخبراء الاستراتيجيين في متوسط الحال لا تتفق مع الواقع بنسبة 14.7 نقطة.وماذا عن المتنبي الأعمى؟ إن اعتقاده بأن سوق الأوراق المالية تنمو سنويا بنسبة 9% منذ عام 2000 تؤدي إلى تنبؤ خاطئ في نسبة 14.1 نقطة . وهذا الفرق لا يمكن تفسيره بأزمة عام 2008 التي يسمونها الخبراء والمحللون "بالبجعة السوداء" من حيث مدى القدرة على التنبؤ. إذا حذفنا عام 2008 من هذه الحسابات فيمكن الاستنتاج أن تنبؤ الخبراء من وول ستريت أقل دقة بنسبة 12 نقطة سنويا ويختلف من تنبؤ المنتبي الأعمى على مستوى 11.6. يعني ذلك أن المنتبي الأعمى محق من جديد.

ولكن من الخطأ أن نعتقد أن المتنبي الأعمى يقدم تنبؤات أكثر دقة وصحة. فهو يعمل بأداء سيء جدا لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار فترات الصعود والهبوط في السوق المالية مع كل ميزاتها وخصائصها الهامة. وكان تنبؤه دقيقا نسبيا مرة واحدة فقط خلال 14 سنة أخيرة. ولكن يبدو أن عمله أكثر فعالية وصحة من نتيجة جهود أذكى 22 خبيرا من وول ستريت.

وليس هناك الحاجة إلى دفع ملايين الدولارات كراتب للمتنبي الأعمى. لا يعمل في الليل، ولا يحضر اللقاءات واجتماعات العمل ولا يقدم خطابا في التلفزيون وليس له بيتا على شاطئ البحر ولا يحتاج إلى مكافآت سنوية أبدا. يعمل بشكل مجاني ويقدم جميع خدماته إلى كل من يستعد ويود أن يسمعه.

من المذهل جدا أن مثل هذه القصص الخاطئة منتشرة، حيث في عام 2007 قام الاقتصاديان رون إلكفيست ولوتش كيليان بدراسة ديناميكية تغير سعر العقود الآجلة للنفط التي تستخدم عادة من أجل التنبؤ لسعر النفط المستقبلي. وبدا الأمر أن العقود الآجلة تقدم سعرا أقل دقة من الاعتقاد عن عدم تغييرها بشكل عام وهذا يعني أن سعر النفط في المستقبل سوف يبقى على مستواه كما هو في الوقت الحالي.بالطبع لا يمكن الاعتماد بدرجة كبيرعلى هذا التنبؤ ولكنه أفضل من أي جهود جماعية في سوق العقود الآجلة.

نريد أن نتساءل في هذا السياق: لماذا يعتمد الناس على رأي الخبراء الاستراتيجيين ولماذا يعملون الخبراء بهذا الأداء السيء جدا؟

إن الجواب على السؤال الأول واضح، إذ ينظر الناس إلى المال كأنه عبارة عن علم دقيق مثل الفيزياء أو الهندسة مثلا. ونصدق أن الصعوبات والقضايا الاقتصادية يمكن حسابها بشكل واضح ودقيق جدا ومن ثم يمكن الحصول على نتيجة دقيقة تماما. إذا كنتم تعتقدون أن المال هو علم مثل الفيزياء فتتوقعون أن بعض الناس الأذكياء بإمكانهم تقديم تحليلا دقيقا للمعطيات الإحصائية للسوق من أجل تحديد حالة معدل S&P 500 وقيمته في آخر يوم السنة. مثل ما يمكن للعالم الفزيائي أن يشير إلى مرحلة تكون القمر في 31 ديسمبر مثلا.

ولكن الأموال لا تشبه علم الفيزياء. كما يقول المستثمر دين ويلامس المال ليس فيزياء كلاسيكية التي تقدم تحليلا واضحا للكون الواضح والقابل للتنبؤات الدقيقة. إن المال أقرب أكثر إلى فيزياء الكم التي تقول أن العالم على مستواه المعين يعمل بشكل عشوائي وبالصدفة ولا يمكن قياسه بصورة دقيقة لأن القياس يمكن أن يؤثر بشكل ما على المادة التي تتم دراستها. ومن ناحية أخرى يقول الخبراء الاستراتيجيون أن المال دقيق وقابل للقياس ولكن لا يمكن الاعتماد بدرجة كبيرة على ما يقولونه لنا في هذا الصدد أبدأ.

يمكن القول إن علم المال يشبه علم الاجتماع أكثرحيث يدرس علم الاجتماع طبيعة التصرفات الانفعالية وغير المنطقية والعشوائية للناس. إذا لم تأخذوا هذا بالحسبان و استمرتم أن تنظروا إلى المال كأنه علم قريب من الفيزياء يبقى التنبؤ بالنسبة لكم شيئا لا يمكن الاعتماد عليه أبدا. العنصر الرئيسي في التنبؤ الدقيق بأسعار الأسهم في البورصة هو تقييم المزاج للمستثمرين في المستقبل. هل سوف يبقى المستثمر متفائلا وسوف يبقى مستعدا لشراء الأسهم بأسعارها العالية؟ أو سوف ينتظر تباطؤ النمو الاقتصادي ويهرب من تداعيات الأزمة ولن يصدق ما يقوله السياسيون ولن يدفع مالا كبيرا لشراء الأسهم؟ يجب أن تعرفوا كل شيء حول ذلك بالتحديد لأن هذا هو المتغير الرئيسي عند التنبؤ بأسعار الأسهم في المستقبل. ولكن من المعقد للغاية معرفة ذلك. من المستحيل التنبؤ بمزاج المستثمرين بعد مرور 12 شهرا لأن كل الحسابات والتقييمات الحالية يمكن أن تكون دون أي فائدة ومعنى بعد سنة. ولهذا السبب تبقى كل التنبؤات من الخبراء الاستراتيجيين من وول ستريت غير دقيقة. وحتى أسوا من التنبؤات من المنتبي الأعمى.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق