صدى أزمة عام 2008 لا يزال ينتشر ويتمثل في أسعار الفائدة السلبية وطباعة المال من قبل البنوك المركزية والتحكم بالنظام المالي. بينما الخبراء الذين لم يكتشفوا المشكلة آنذاك يبدؤون بالقلق الآن لدى أي سبب.
علم الآخرويات هو العلم الذي يدرس نهاية العالم والحياة بعد الموت وهو شعبي جدا الآن. أية بيانات اقتصادية سيئة تبدو كبداية الركود. إذا لم يتم ضبط التضخم هذا يعني أن البنك المركزي لا يتحكم بالأمور. في حال واجهت شركة ما فشلا هذا يعني أن القطاع كله مهدد.
لكن يمكن أن الأشخاص الذين يقومون بتشكيل الرأي العام، المحللون والمستثمرون والصحفيون، لا زالوا يعتمدون على خبرتهم من عام 2008. هذه رغبة منطقية في تجنب ذات الأخطاء لكنها تجعلنا لا ننتبه إلى الأخطار الحقيقية.
أي مشكلة في الأسواق المالية تصبح سببا لمقارنتها مع انهيار Lehman Brothers، كفضيحة محركات Volkswagen أو محاولة شركة Glencore التخلص من ديونها العام الماضي. الآن السبب يكمن في الهبوط المفاجئ لأسهم Deutsche Bank.
يشير هذا الرسم البياني إلى أن ذكر انهيار Lehman Brothers الذي يزداد عادة في ذكرى أحداث أزمة عام 2008، يزداد بشكل كبير على خلفية مشاكل البنك الألماني.
تخيل أنك تعمل في صندوق تحوط ويتصل بك فجأة صحفي اقتصادي تعرفه ويقول لك: "مرحبا! سمعنا أن الجميع يقللون من أعمالهم مع Deutsche Bank، وأنتم؟". من الممكن أن تقرر أن صفقتك القادمة ستكون عبر بنك آخر، ستتخذ حذرك حتى ولو أنك لا تجد مخاطرة في هذا. في هذا الوضع المتقلب يزداد احتمال الافتراضات الغير صحيحة.
طبعا المذنب الوحيد فيما يحدث مع Deutsche Bank هو البنك نفسه. حاول الجهات المعنية أن تقلل من حجم بنوك كهذه لأن الحكومات لا يمكن أن تسمح لها بالإفلاس، فهي كبيرة جدا. لكن Deutsche Bank منذ عام 2012 زاد في حجمه، كما أنه زاد بالنسبة لحجم الاقتصاد الألماني.
فاق الناتج المحلي الإجمالي الألماني عام 2003 أصول أكبر بنك ألماني بثلاث مرات. العام الماضي زادت أصول البنك عن نصف الاقتصاد الألماني. يمكن مقارنتها مع الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا.
يجب ألا تؤثر على بنك بأصول تساوي 1.8 تريليون يورو (2 تريليون دولار) الغرامة التي ستفرضها وزارة العدل الأمريكية بـ5 أو 10 أو 20 مليار دولار. حجم الغرامة لا يجب أن يكون تهديدا لوجود البنك. وإن كان هذا تهديدا فلأن البنوك الأوروبية لم تحتفظ بالقدر الكافي من رأس المال للأزمات.
المشكلة تكمن في أن الحسابات في البنك ليست شفافة أبدا. لذلك لا أحد يفهم ما يعنيه المبلغ بـ46 تريليون يورو الذي استثمره البنك في الأصول. لكن المحللون من Bloomberg Intelligence قاموا بحساباتهم ويتوقعون أن البنك استثمر 41 مليار يورو فقط (لا يزال المبلغ كبيرا).
لكن أهم عنصر مفقود في هذه المعادلة هي الحكومة الألمانية. هل ستبقى خارج الوضع تراقب ما يحدث؟ لا أحد يعرف، إما Deutsche Bank كبير جدا لإفلاسه أو كبير جدا لإنقاذه.
هذا أخطر ما في الوضع الحالي. بعد مرور 8 سنوات من سقوط الاقتصاد العالمي أما القطاع المالي لا نعرف في أي زاوية مظلمة تختبئ الكارثة القادمة. على الرغم من هذا يجب على الأشخاص الذين يختصون في تحليل السوق أن يباروا رغبتهم في وصف الوضع بصفات الماضي، إذ من الأهم فهم ما يحصل الآن.