لم تبدأ مفاوضات بريكسيت بعد، لكن بروكسل بدأت تستعد للعيش في واقع جديد، والذي ستصبح فيه لندن سيتي خارج الاتحاد الأوروبي. تحدثت اللجنة الأوروبية الثلاثاء عن مشاريعها اتجاه سوق لندن الذي يعمل بالسندات الأوروبية، والذي يتسبب بالغيرة لدول القارة.
تريد بروكسل إعطاء الهيئات الأوروبية السلطة لتفتيش هيئات الكليرينغ الأوروبية. وتلك التي سيتبين أن نشاطها "خطر على النظام" على الأمن الاقتصادي الأوروبي سيتم فرض شروط عليها والتي في حال توفرها ستعطى الحق للعمل في الأسواق الأوروبية. وفي حالات خاصة قد يتطلب الأمر نقل الأعمال إلى القارة الأوروبية.
ما هو اليوروكليرينغ؟
عالم الكليرينغ المغلق أصبح أساس الاستقرار العالمي بعد أزمة عام 2008. تقوم دار الكليرينغ مثل London Clearing House أو Eurex Deutsche Boerse بدور الوسيط بين طرفي الصفقة وتضمن تنفيذ شروطها من قبل كل من البائع والمشتري.
تحتل لندن الصدارة في هذا السوق، وتحتل منه حوالي 75% وتقدم آلاف فرص العمل في القطاع المالي. تشكل مبيعات London Clearing House والذي يقتصر عمله على معالجة العقود وتحويلها إلى أدوات تنفيذية حوالي 900 مليار يورو يوميا.
أما نصيب باريس، اللاعب الثاني بالحجم 11% فقط من المعاملات.
لماذا تصدرت لندن السوق؟
تمكنت السلطات المالية للمدينة التوصل للهيمنة في سوق الكليرينغ، وجزئيا بفضل الانتشار الواسع للقانون البريطاني واللغة الإنجليزية.
هذا لم يوقف محاولات الاتحاد الأوروبي لتوسيع حصتها السوقية من خلال مراكز مالية منافسة مثل فرانكفورت وباريس، والذين يريدون العمل في هذا المجال والحصول على فرص العمل المرتبطة به.
منذ عام 2011 حاول البنك المركزي الأوروبي الإصرار على أن التداولات باستخدام الأدوات المقيمة باليورو أن تتم في منطقة اليورو. لكن محكمة العدل الأوروبية أكدت أن المركزي الأوروبي ليس لديه السلطة لاتخاذ قرارات كهذه.
بريطانيا التي رفعت حينها دعوى قضائية أكدت أن نقل التداولات سيؤدي إلى التمييز بين دول الاتحاد الأوروبي والتي لم تدخل منطقة اليورو. أما الآن بعد خروج الدولة من الاتحاد، هذه الحجة لن تعود تجدي نفعا.
ما الذي يقلق بروكسل؟
المشكلة في أن القواعد التي تسري حاليا لا تعطي إمكانية للاتحاد الأوروبي في التأثير على رقابة غرف الكليرينغ في بريطانيا بعد أن تخرج الدولة من السوق الموحدة.
وهذا يتسبب بقلق حاد، بما أن تصرفات مركز الكليرينغ البريطاني بما فيها الخاطئة سيكون لها عواقب على الاتحاد الأوروبي.
مثلاً، إحدى الشكاوي المنتشرة من قبل المراقبين الأوروبيين تكمن في دور LCH في مفاقمة أزمة الدين السيادي لمنطقة اليورو عام 2011، من خلال زيادة المتطلبات للهوامش، والتي يتركها المشاركون في السوق من أجل ضمان الصفقة وذلك في حالة ديون إسبانيا وإيرلندا.
والآن يحاول الاتحاد الأوروبي تعويض نقص الرقابة.
ما الذي يخطط الاتحاد الأوروبي فعله؟
يقترح الاتحاد الأوروبي منح الوكالة الأوروبية للأوراق المالية (ESMA) المتواجدة في باريس السلطة لتقييم المخاطر التي تتسبب بها غرف الكليرينغ الأجنبية.
ستقوم الوكالة بدراسة حجمها وبنيتها وحجم الأعمال بعملة الاتحاد الأوروبي. ويمكن بناءً على تقييماته فرض شروط على غرف الكليرينغ.
كيف يمكن أن تكون القواعد الجديدة للعمل؟
تلك الغرف التي لن يكون فيها مخاطر محتملة لن يتغير عليها شيء. أما تلك التي سيتم تحديدها كلاعبين مضاربين يجب أن يكون عليهم توفير ظروف خاصة، بما فيها متطلبات للوثائق المعروفة بقواعد رقابة البنية التحتية للسوق المالية الأوروبية، إضافة لقواعد البنوك المركزية لدول الاتحاد الأوروبي، مثلاً بمسائل التحكم بالتمويل.
رفض اتباع هذه المعايير سيعني عدم حصول الغرفة على اعتراف ESMA. وهذا سيؤدي إلى ارتفاع كبير في كلفة عمل الغرفة مع البنوك الأوروبية.
عدا ذلك يمكن أن تقر ESMA والبنوك الأوروبية أن الغرفة لها "دور هام" في النظام المالي. في هذه الحالات قد تطالب بروكسل غرفة الكليرينغ إلى أراضي الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على اعتراف ESMA. وهذا احتمال كبير في حالة LCH بسبب حصتها السوقية الكبيرة.
ما الرابط بين هذا ومفاوضات البريكسيت؟
قانونياً لا يوجد أي رابط. تقترح اللجنة الأوروبية إدخال تعديلات في القانون الأوروبي، وهذه المسألة تقع خارج مفاوضات بريكسيت.
لكن هذا يظهر أن بروكسل تبدأ الاستعدادات للحياة دون بريطانيا، وأنها لا تريد الاعتماد على أن يتم حل مسألة وصول بريطانيا إلى سوق الخدمات المالية الأوروبي.
هل يحاول الاتحاد الأوروبي معاقبة بريطانيا لخروجها من الاتحاد الأوروبي؟
بحسب رأي الناقدين، متطلبات أن تكون التعاملات مقيمة باليورو في أراضي الاتحاد الأوروبي سيؤدي لخلق سوق مجزأة وأقل قدرة على التنافسية وزيادة مصاريف الزبائن الأوروبيين.
بحسب تقييمات السوق المالية في لندن، فإن الانتقال إلى تجمع تجاري محلي صغير سيؤدي إلى تخفيض فعالية الصفقات. عدا ذلك سيكون من الصعب على المشاركين في التجمع التجاري الصغير مقاومة أي خسائر وبذلك ستزداد المخاطر على السوق.
بحسب تقييمات رئيس LSE كسافيه روليه، نقل الكليرينغ قد يكلف المستثمرين 100 مليار يورو خلال خمسة سنوات.
هزيمة لندن قد لا تكون انتصاراً للاتحاد الأوروبي. حجم معين من عمليات الكليرينغ باليورو تتم حتى في الولايات المتحدة والكثيرون يظنون أنه لتخفيف الخسائر بسبب قرار الاتحاد الأوروبي ستنقل الشركات أعمالها إلى نيويورك، حيث حجم السوق الكلي يؤمن الفعالية يمكن مقارنتها بفعالية العمل في لندن.
كيف يمكن أن ينعكس هذا على لندن سيتي؟
التصريح الذي قيل الثلاثاء لا يؤثر بشكل مباشر على مصالح لندن. لكنه يعطي البداية لعملية طويلة بمشاركة البرلمان الأوروبي والمنظمات التي تمثل الحكومات الوطنية للاتحاد الأوروبي. يمكنها أن تغير المشاريع.
احتمال ضئيل أن يبدأ المشاركون في السوق بنقل أعمالهم إلى القارة إلى أن يحصلوا على أمر رسمي بذلك. البنوك والمشاركين الآخرين في السوق من المربح لهم أن يكون لديهم عدة تجمعات كبيرة من رؤوس الأموال وLCH هي إحدى أكبر المنصات بهذا التركيز، وهي أكبر من غيرها بفارق كبير.
حسب البحث الذي قامت به EY لصالح بورصة لندن الخريف الماضي، بأسوأ سيناريو قد تخسر لندن 83 ألف فرصة عمل في القطاع خلال السنوات السبعة القادمة.
حذر روليه العام الماضي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيهدد 100 ألف فرصة عمل على الأقل في القطاع المالي البريطاني.
على الرغم من ذلك بحسب تقييمات LSE، نقل الكليرينغ لن يؤثر بشكل كبير على عملها، بما أن لدى LSE غرفة في باريس والتي تتوافق بشكل كامل مع قوانين الاتحاد الأوروبي.