منذ عدة سنوات انهارت أسعار النفط بعد فترة طويلة من النمو، وهذا ما انصدمت به الكثير من الدول. صناعة النفط هي إحدى ركائز الاقتصاد العالمي والأسواق المالية، فلعبت دوراً كبيراً في كثير من أزمات السوق وكسادها، زد إلى ذلك أن طبيعة الأسعار المرتفعة والمنخفضة تتبادل بانتظام. هل يجوز أن نتوقع نفس التكرار الدوري في المستقبل؟
من السوق الحرة إلى الاحتكار
دعنا نتذكر من أين جاءت صناعة النفط. في الولايات المتحدة هيمن عليها في بادئ الأمر اللاعبون "العفويون" أي رعاة البقر الذين كانوا يحفرون آبار النفط في الأرض قدر استطاعتهم، وعندما كان الإنتاج المفرط يؤدي إلى انخفاض الأسعار كانوا يوقفون أعمالهم ريثما تعود الأسعار إلى الارتفاع ثم يستأنفونها.
بعد ذلك استولت حفنة من رجال الأعمال برئاسة جون روكفيلر على هذه الصناعة وأدخلتها ضمن أطر تنظيمية، فقد كان هذا الفريق يشتري مصانع أكثر وأكثر إلى أن صار بمقدورها أن تسيطر على الأسعار.
في فترة الازدهار كانت شركة Standard Oil تمسك السوق في قبضتها فكان بمقدورها تحديد الأسعار على هواها، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن جزؤها إلى شركات أصغر ولكن كبيرة أيضاً والتي تمثل الآن صناعة النفط في أمريكا.
يتم نفس السيناريو الآن على المستوى العالمي. كانت البلدان تستخرج وتبيع النفط قدر المستطاع إلى أن ظهرت أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) التي وحدت الكثير من اللاعبين فوضعت القيود على الاستخراج مما أدى إلى ارتفاع باهظ للأسعار.
في السوق التنافسية الأسعار تنخفض. وعندما يصل إلى السلطة الاحتكار أو احتكار القلة ترتفع الأسعار لصالح كل المشاركين. ليس من باب الدهش أن البلدان المنتجة للنفط كانت تقلد روكفيلير.
ذروة النفط الصخري
كل هذا كان يعمل بنجاح ولو أن الانحياز عن الاتفاق كان يجوز أن يكون مربحاً أيضاً. ومع ذلك بقيت الأسعار مبالغة لعدم وجود أي تنافس مفتوح في السوق. وبعد ذلك نشبت ثورة النفط الصخري.
أدت بداية استخراج النفط الصخري إلى الرجوع إلى السوق الشركات الصغيرة "العفوية" بليونتها. حاولت هذه الشركات أن تستخرج أكبر قدر ممكن من النفط مما أدى إلى انخفاض هائل في الأسعار، أما صناعة الطاقة التي تشكلت إبان الأسعار التي تسيطر عليها الأوبك فتأذت من ذلك كثيراً.
وهنا نصل إلى يومنا هذا. أدى انهيار الأسعار إلى حل مشكلة العرض الفائض وذلك لأن الكثير من الشركات الصغيرة قد أفلست.
والآن ظهرت دواع إلى الرجوع إلى الحالة المسيطر عليها وذلك لأن الشركات الكبيرة أصبح بمقدورها شراء الأصول بأسعار أدنى وتزيد بذلك حصتها في الصناعة فسنحت لها الفرصة برفع الأسعار من جديد.
مستقبل أسعار النفط
من الراجح أن السنوات العشر المقبلة ستكون شبيهة جداً بالمراحل السابقة لتوحيد هذا الفرع الصناعي وهذا سيحتاج إلى بعض الوقت. ستحافظ الأسعار على استقرارها ومن ثم تبدأ بالارتفاع التدريجي، ونحن الآن نشاهد انطلاق هذه العملية.
سيتوقف النفط عن التداول في السوق الحرة من جديد مما سيؤدي إلى تزعزع شديد في الأسعار ولكن في هذه المرة مع قابلية أكثر للتحكم بها. وهذا يذكرنا بالتسعينات أكثر من مرحلة الذروة التي امتدت من عام 2003 إلى 2008، أو الفترة المبتدئة في 2014 وحتى الوقت القريب.
يجب أن يكون الأثر العام من هذه التغيرات إيجابياً، فالاقتصاد يحب الاستقرار. ولو أن انهيار أسعار النفط قدم إمكانية التطور لكثير من القطاعات لكن الضرر الذي ألحق بصناعة الطاقة كان قد قضى على جل التأثير الإيجابي. ليس من المهم ما إذا كانت الطاقة غالية ام رخيصة، إنما المهم هو الاستقرار لأنه الأساس الذي تبنى عليه سائر فروع الصناعة.