بقي أقل من ثلاثة أسابيع حتى نهاية عام 2017 ، فأصبح ظاهراً الآن أن هذا العام كان ناجحاً لكثير من المستثمرين. بيد أنه رغم أن كل مؤشرات الأسهم الأمريكية الثلاثة قد ضربت عشرات من الأرقام القياسية باتت العملات المشفرة بطلة العام.
منذ بداية العام زادت الرسملة الإجمالية لسوق العملات المشفرة بأكثر من 2500% فبلغت 481 مليار دولار. جاءت العملتان المشفرتان الأكبرتان من حيث الرسملة وهما البيتكوين والاثريوم للمستثمرين ربحاً على مستوى 1700% و 6900% على التوالي. في الأسواق التقليدية قد لا يرى المستثمرون ربحاً كهذا خلال كل العمر. احتاجت سوق العملات المشفرة إلى أقل من 12 شهر كي تتوصل إلى نتائج كهذه.
ما الذي يجعل البلوكشين متميزاً إلى هذا الحد؟
سبب النمو الحاد للعملات المشفرة هو الضجة المتعلقة بتكنولوجيا البلوكشين التي يرتكز عليها معظمها. البلوكشين هو سجل رقمي لامركزي يمكن بموجبه تسجيل الصفقات دون مشاركة وسيط مالي كالمصرف.
يتمتع البلوكشين بخمسة أفضليات جوهرية بالمقارنة مع شبكات الدفع الموجودة والتي بفضلها يمكنه أن يصبح في المستقبل تكنولوجيا منتشرة بشكل واسع في قطاع الخدمات المالية والقطاعات الأخرى.
1. الشفافية
من الأسباب الرئيسية التي جعلت البلوكشين جذاباً إلى هذا الحد للأعمال التجارية هو أن السلاسل غالباً ما يكون لها شفرة المصدر المفتوحة، وهذا يعني أن سائر المستخدمين والمطورين يمكنهم تغييرها على هواهم، ولكن في نفس الآن هذا يجعل التغيير الخفي للبيانات المسجلة سابقاً صعباً للغاية. وهذا الظرف الأخير يجعل البلوكشين تكنولوجيا موثوقة.
2. تخفيض تكاليف المعاملات
بما أن البلوكشين يسمح بإجراء المعاملات دون وسيط كالمصرف مثلاً فهذا يخلص مشاركي العمليات أو المستخدمين أو المؤسسات من تحمل تكاليف أتعاب الوسيط لذا تنخفض نفقاتهم .
3. إسراع حسابات الصفقات
في بعض الأحيان تحتاج المصارف العادية لإجراء معاملات إلى عدة أيام. وهذه الفترات مشترطة بالمحاضر الموجودة في برمجة المصارف وكذلك لأن المصارف تعمل فقط في أيام العمل أي خمسة أيام في الأسبوع. عدا ذلك يمكن أن تقع المؤسسات المالية في مناطق زمنية مختلفة، وهذا أيضاً قد يؤخر معالجة المعاملات.
أما تكنولوجيا البلوكشين فتعمل 24 ساعة يومياً وسبعة أيام في الأسبوع وهذا يعني أن المعاملات التي تتم بموجبها أسرع بكثير.
4. اللامركزية
كما وينحصر سبب جدي آخر لهذه الجاذبية من لدن البلوكشين في أن هذه التكنولوجيا لا تفترض نقطة مركزية لجمع البيانات. فبدلاً من تشغيل مركز واسع النطاق لمعالجة البيانات وتمرير كل المعاملات عبره يسمح البلوكشين واقعياً لمختلف المعاملات على أن يكون لها تصديقها الخاص على صحتها وترخيص لتوفير الارتباط بين بعضها البعض. البيانات حول وحدات معينة للسلسلة متناثرة في مختلف المخدمات في كل العالم، وهذا يضمن أنه لو أن هذه البيانات حصل عليها الدخلاء كالقراصنة مثلاً فهذا يسيء سمعة حجم ضئيل من البيانات فقط وليس الشبكة بأسرها.
5. شبكات يديرها المستخدمون
وأخيراً غالباً ما يستميل المستثمرون في العملات المشفرة إلى خصائص البلوكشين المتعلقة بقضايا مراقبة الشبكة. في الحال مع البلوكشين هذا لا يحتاج إلى وسيط كذلك إذ يقوم المستخدمون والمطورون بحل القضية. مثلاً في شهر أغسطس أدت المحاولة الفاشلة لبلوغ التوافق الـ80% في قضية تجديد بلوكشين البيتكوين إلى انشقاق العملة المشفرة إلى اثنتين: البيتكوين و Bitcoin Cash.
مخافة لا يجوز تجاهلها
رغم كل هذه الأفضليات الظاهرة نجاح البلوكشين غير مضمون. فحالياً تقوم أكثر من 200 مؤسسة باختبار المشاريع على أساس بلوكشين Ethereum، كما أن سائر اللاعبين المتناميين في هذه السوق مثل Ripple يجدون أيضاً عملاء من الشركات التي تستخدم البلوكشين في المشاريع التجريبية.
بيد أن المشكلة الأساسية التي لا يمكن تجاهلها تنحصر في أن المستثمرين قد بالغوا غير مرة في تقدير السرعة المحتملة لإدخال تكنولوجيا ما. هذا يخص كذلك الخدمات على الإنترنت لقطاع الأعمال وفك ترميز الجينوم (المحتوى الوراثي) والسيارات الكهربائية والطباعة ثلاثية الأبعاد (3D). ولا أية من هذه التكنولوجيا الخارقة لم تدخل بلحظة واحدة رغم أن المستثمرين كانوا يقدّرون أسهم الشركات المشغولة بتلك التطورات عالياً جداً. يحتاج وضع أساس لاستخدام تكنولوجيا حديثة إلى بعض الوقت، وقبل أن يحدث انتقال شبكات الدفع إلى البلوكشين قد تمر سنوات.
بما أننا لا نعلم بأية سرعة سيتم إدخال البلوكشين وأي نمط التكنولوجيا ستختارها الأعمال التجارية في آخر الأمر فليس من المنطقي محاولة تقدير قيمة تلك التكنولوجيا. كما أن معظم تقديرات العملات المشفرة المعتمدة على أمل نجاح البلوكشين يجوز أن تصبح عديمة الفائدة. وهذا قد يتحول إلى مشكلة حقيقية للمستثمرين في العملات المشفرة.