أجبرت واحدة من بين سباقات السوق غير المصدق عليها في التاريخ حكومات كل العالم أخيراً بأن تقوم بتنظيم مجال العملات المشفرة. تختلف مناهجها تماماً: من الحظر الشامل في الصين إلى ترخيص البورصات في اليابان والنظام الموالي جداً في سويسرا. بعض البلدان مثل الولايات المتحدة وروسيا لم تشكل بعد الاستراتيجية الكاملة. ولكن عموماً الرقابة تشتد، وتشهد على ذلك على وجه الخصوص نية وزراء المالية ورؤساء المصارف المركزية لبلدان المجموعة العشرين مناقشة الإقبال العام إلى العملات المشفرة أثناء اجتماع القمة الذي يتم الآن في بوينس آيرس.
سيجوز بفضل تطوير التنظيم الفهم ما إذا كانت ذروة العملات المشفرة في العام الماضي وميضاً قصيراً أم بداية لاتجاه جديد.
1. لماذا تقلق الهيئات التنظيمية بشأن ما يحدث مع العملات المشفرة؟
قائمة أسباب القلق طويلة: ICO المخالفة للقانون وغسل الأموال والتهرب من دفع الضرائب والهجمات الإلكترونية وحدوث عطل في عمل البورصات والمضاربات وغيرها الكثير. كما وقد نبه رئيس مصرف إنجلترا مارك كارني منذ فترة أنه من دون التنظيم المنسق يوجد خطر الهبوط إلى "فوضى" العملات المشفرة.
ربما كان من السهل على السلطات مراقبة هذه المخاطر ما دام البيتكوين وسائر العملات المشفرة كانت على محيط العالم المالي. ولكن في الوقت الراهن تقترب أكثر إلى أن تصبح أداة ذات استخدام منتشر. الوقت حين هرعت كل أنواع المستثمرين ابتداء من ربات المنزل وانتهاء بمصارف وول ستريت إلى هذه السوق. عدا كل هذا ليس ثمة اتفاق كذلك في قضية ماهية العملات المشفرة: هل هي عملات أم سلع أم نوع جديد تماماً من الأصول.
2. ما الذي يفعله المنظمون في الولايات المتحدة؟
حتى الآن لم يتم في الولايات المتحدة إعداد قانون معايير تجارة العملات المشفرة، وقد قيل هذا عند إلقاء رؤساء لجنة تجارة السلع الآجلة (CFTC) كلمتهم وكذلك لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) أمام الكونغرس في شهر فبراير.
يمكن أن يتغير الوضع إذا منح المشرعون الوكالات الفدرالية المزيد من الصلاحيات ريثما يستخدم المنظمون النهج المرحلي. لقد تركزت SEC على تنظيم ICO واتخذت موقفاً صارماً في قضية استحسان الطلبات على تشغيل الصناديق المشتركة والصناديق المتداولة في البورصة للعملات المشفرة.
في السابع من شهر مارس صرحت اللجنة لأول مرة أن المنصات المقدمة خدمات الجدولة للأصول الرقمية التي هي متصلة بالأوراق المالية يجب أن تسجل كبورصات أو في حالات استثنائية تستلم الإذن بألا تفعل ذلك. في شهر ديسمبر سمحت CFTC لبورصتين كبيرتين بأن تبدأ المناقصات بالعقود الآجلة بالبيتكوين مؤكدة أن هذا يساعدها على أن يصبح لديها تصور عن سوق العملات المشفرة. وفي نفس الوقت استدعت اللجنة بورصة العملات المشفرة Bitfinex إلى المحكمة.
3. ماذا يحدث في سائر أرجاء العالم؟
اتخذت الصين حيث كانت أيام زمان أكثر أسواق البيتكوين نشاطاً، موقفاً أكثر صرامة بين البلدان الكبرى وذلك بوضع حظر على ICO وبورصات العملات المشفرة، ومنذ فترة استهدفت الساحات التي تتيح تجارة العملات المشفرة في الخارج.
أما اليابان فاختارت سبيلاً آخر، إذ منح المنظم المحلي إلى الآن تراخيص لـ16 ساحة تداول. بيد أنه في بداية شهر مارس شددت السلطات من صرامتها فأجبرت ست بورصات على دفع غرامات مالية وأمرت للباقية إدراج العديد من التغيرات في عملها وخصوصاً إعادة النظر في التركيب الإداري.
أما كوريا الجنوبية، وهي نقطة مهمة أخرى في خريطة عالم العملات المشفرة، أدخلت معايير تنظيم سوق العملات المشفرة بتشديد بعض أحكام التجارة. وفي الاتحاد الأوروبي ينذر المنظمون عن الأخطار المتعلقة بالاستثمار في العملات المشفرة، لكن النهج يختلف من بلد إلى آخر. فمثلاً تميل السلطات الفرنسية إلى تشديد السياسة، أما وزير اقتصاد سويسرا فيريد إنشاء "أمة العملات المشفرة". أما في روسيا يُنتظر أن يظهر القانون المنظم لتجارة العملات المشفرة و ICO والتعدين في منتصف عام 2018. حتى الآن يحث المصرف المركزي على منع استخدام العملات المشفرة بمثابة وسيلة دفع.
4. ما الذي يفعله قطاع الخدمات المالية؟
المصارف، التي هي الأقنية الرئيسية لتحويل الموارد من العملات العادية إلى الأصول الرقمية، كانت في غالب الأحيان مبتعدة عن هذا. كما أن المؤسسات مثل JPMorgan Chase و Bank of America و Citigroup منعت عملائها من استخدام بطاقات الائتمان لشراء العملات المشفرة.
كما أن بعض المصارف لا تتعامل مع بورصات العملات المشفرة مسترشدة بالقاعدة "اعرف عميلك" والساعية نحو مكافحة غسل المال. كما و توقف التعاون بين بورصة العملات المشفرة و Wells Fargo & Co في شهر مارس من عام 2017 ، ومؤخراً فتحت Bitfinex الحساب في ING Groep NV.
أما ممثلو العالم المالي التقليدي فمتعاطفون أكثر مع السوق المنظمة للعقود الآجلة بالبيتكوين. ولكن حتى هذه العقود تثير الشكوك عند المشاركين في السوق، و ما زال حجم المبيعات ضئيلاً.
5. كيف كان رد فعل السوق على تعزيز الرقابة؟
لقد انهارت السوق لكن وجودها لم يتوقف. أدت المخاوف بشأن تشديد التنظيم إلى انهيار سعر البيتكوين بنسبة 70% تقريباً بعد ذروة ديسمبر حين كان سعره حوالي 20000 دولار. توقف الانهيار بسباق قصير الأمد فصار في حدود 10000 دولار في شهر فبراير، وبعد ذلك استؤنف. يمكن أن تكون أحد أسباب استقرار السوق هو عدم تناسق تصرفات المنظمين، فالعملات المشفرة العالمية عديمة الهوية ومن الصعب الإشراف عليها دون الوصول إلى التوافق العالمي كذلك.
6. ماذا تقول صناعة العملات المشفرة عن التنظيم؟
رد الفعل مختلف. ففي الولايات المتحدة عقدت المنظمات التي من بينها Bitcoin Foundation و Coin Center و Chamber of Digital اجتماعاً مع التجار من أجل تحدي تشديد التنظيم. حاولت بعض البورصات التهرب بنشاط من الرقابة، والبعض حولوا أعمالهم التجارية إلى اختصاصات أخرى مثل اليابان على أمل أن الترخيص الرسمي سيرفع من ثقة المستثمرين وسائر المتعاقدين.
7. ما الذي يمكن توقعه؟
ستكون من بين مواضيع المناقشة أثناء اجتماع وزراء المالية لبلدان المجموعة العشرين ما سماه كارني بـ"العائق الأساسي" للتنظيم. دعا صندوق النقد الدولي في شهر يناير إلى إنشاء معايير عالمية موحدة لسوق العملات المشفرة. و وعد المسؤولون الكوريون أنهم سيقدمون مدونة المعايير المناسبة في وقت قريب. أما الاتحاد الأوروبي فيدرس الإطار التنظيمي للوحدة.