يبدو أن قفزة البيتكوين و معظم الألتكوينات في العام الماضي كان يجب أن تقنع كل المتشككين بأن العملات المشفرة ليست سراباً وليست تجربة وليست مزحة أو لعبة. بيد أن وول ستريت والمستثمرون والحكومات العالمية ما زالت ترفض أخذها على محمل الجد. نحدث ما هو السبب وكيف يمكن تغيير ذلك.
التنظيم والتنظيم ومن ثم التنظيم
سيرتعش الكثيرون من فكرة تنظيم سوق العملات المشفرة، بيد أن هذا يبدو وكأنه الوسيلة الوحيدة لاستعادة الثقة بالعملات الافتراضية.
انجذب المستثمرون الأوائل لعدم الكشف عن الهوية الظاهرة للعملات المشفرة، فهذه المعاملات تتم خلف نطاق الأقنية المصرفية التقليدية، أما الحسابات الافتراضية فليست مرتبطة أبداً بأسماء أصحابها.
بيد أن عدم الكشف عن الهوية والبلبلة في السوق هما بالذات اللذان أدا إلى اعتبار بعض المستثمرين العملات المشفرة نزوة عابرة ولا أكثر. التنظيم قادر على تغيير ذلك.
لنبدأ من أن التنظيم نفسه يوفر بعض الاستقرار. كلما كانت السيطرة أشد ارتفعت جاذبية العملات المشفرة بمثابة فئة من فئات الأصول.
مثلاً في شهر يناير حظرت كوريا الجنوبية مستثمريها من تملئة حساباتهم في بورصات العملات المشفرة بالتحويلات المصرفية دون ذكر الاسم وسائر البيانات الشخصية. لا تحاول سلطات كوريا الجنوبية أبداً القضاء على أسواق العملات المشفرة وإنما تحاول تنظيمها فقط.
كما وبذلت جهودها في هذا الاتجاه كذلك شبكات التواصل الاجتماعي، فمنذ فترة حظرت Facebook و Google و Twitter الإعلان عن العملات المشفرة في العروض الأولية للقطع النقدية (ICO).
يبدو للوهلة الأولى أن تصرفات شبكات التواصل الاجتماعي تضر وذلك لانخفاض كمية الإعلانات ما قد يقلص أو يعكس اتجاه تدفق المال إلى سوق العملات المشفرة. بيد أنه في نهاية المطاف سيساعد هذا على تشكيل أساس متين.
سيكون المستثمرون على دراية أكثر وتنتشر المعلومات بشكل منظم (وهذا بدلاً من الإعلان الشامل الذي غالباً ما يصعب التحقق من صدق وعوده).
التنظيم شيء جيد وخطوة هامة صوب أخذ العملات المشفرة على محمل الجد.
الاستخدام الواقعي
يتوجب على سوق العملات المشفرة التغلب على مرحلة الاختبار المبدئي. خلال السنتين الأخيرتين أصبحنا شهوداً على ظهور كمية ضخمة من المشاريع المشتركة بين العملات الرقمية والشركات الكبيرة.
كما ازداد بشكل ملحوظ عدد المتاجر التي تقبل وسائل الدفع بالعملة المشفرة مثل البيتكوين وهو (Bitcoin) واللايتكوين وهو (LTC/USD). ولكن في كثير من الحالات كانت المشاريع صغيرة نسبياً وبعيدة عن مقاييس العالم الواقعي. من أجل التطوير المقبل للصناعة لا بد أن يخرج البلوكشين والعملات الافتراضية خارج نطاق الاختبار المبتذل فتصبح جزءاً من العالم الواقعي.
ففي شهر نوفمبر أعلن صندوق IOTA Foundation عن تشغيل النسخة التجريبية Marketplace وهي مؤسسة على شبكة البلوكشين التي تسمح للشركات بيع أو تبادل البيانات غير المستخدمة. آخذين بالحسبان أن معظم بيانات الأعمال تقع في هذا الصنف بالذات أثارت الفكرة الاهتمام العام حتى في التجسيد بيتا (النسخة التجريبية).
مدت يد العون في الاختبار أكثر من ثلاثين شركة، بيد أنه إلى جانب ازدياد رسملة IOTA ازداد كذلك عدد مستخدمي الشبكة. في النتيجة تباطأت معالجة المعاملات إلى الصفر تقريباً. وهكذا فعند الاختبار الأول في العالم الواقعي واجهت شبكة IOTA مصاعب جادة.
و بالمعنى الأوسع وقعت تكنولوجيا البلوكشين في حلقة مفرغة، فمن جهة أظهرت عن نجاحها في الكثير من البدايات الصغيرة والمشاريع التجريبية، ومن جهة أخرى ليس لدى الشركات رغبات كبيرة في تغيير التكنولوجيا الموجودة بالبلوكشين قبل أن تتأكد من إمكانياته وتدرجيته. ولكن ما السبيل لتحقيق هذا إذا لم تجرؤ أية شركة أن تمنح الفرصة للتكنولوجيا الجديدة؟
عند ذلك يناسب البلوكشين (حتى في شكله التطبيقي) ليس كل الفروع الصناعية على الإطلاق، ويجوز أن يكلف إدخاله أو تبديل التكنولوجيا الموجودة به ثمناً باهظاً. سيمكن التكلم عن قدرة العملات المشفرة والبلوكشين فقط حين يتم تطبيقها واقعياً في العالم.
التوحيد
وأخيراً لا بد من التوحيد الجاد في مجتمع العملات المشفرة. اليوم هناك أكثر من 1650 عملة مشفرة متاحة، وقد يأتي إلى ذهنك: "ولكن في العالم آلاف من الأسهم العامة، وسوق الأسهم تعمل بما يكفي من الفعالية".
نعم الأمر كذلك ولكن لا بد من الأخذ بالحسبان أنه بخلاف سوق العملات المشفرة تخضع سوق الأسهم للتنظيم. كثير من العملات جلبت موارد قليلة جداً في ICO من أجل الحفاظ على الحيوية لفترة طويلة، أما عند غيرها فحجم التداول ضئيل وغير منتظم.
يجوز أن تكون للتوحيد أشكال مختلفة، مثلاً العملات التي عجزت عن جمع ما يكفي من الموارد أثناء ICO يمكن أن تسحب من التداول أو سيحدث واقعياً تجمع بين مشاريع البلوكشين. في أي حال من الأحوال لا بد للمستثمرين والشركات سوق موحدة من أجل التحليل الصحيح للعملات الرقمية للاستثمارات المقبلة.
سيتم أخذ سوق العملات المشفرة على محمل الجد فقط حينما تقتصر بحفنة من المشاريع الواقعية ويشتد التحكم به وعندئذ ستهتم بأمره فعلاً الأعمال التجارية الكبيرة.