تمضي سنوات قبل تبدأ تكنولوجيا ما تأتي بأرباح واقعية، وعلى الأرجح سيحتاج المستثمرون بخصوص البلوكشين أن يتزودوا بالصبر أيضاً.
تشخص المصارف في المنظومة المصرفية المعاصرة أطرافاً ثالثة وتقبض عمولات على المعاملات. زيادة على ذلك تستغرق المدفوعات نفسها فترة تصل إلى خمسة أيام عمل ولا سيما عند التحويل إلى بلد آخر.
أما بلوكشين فهو يحسن هذه العملية مجمعاً بينه وبين المرسلين والمستلمين ومستثنياً من هذه المعادلة الوسطاء ألا وهي المصارف مع عمولاتها. إنه يسهل عملية المعاينة ويقصر مدة المعاملات إلى عدة ثواني حتى في حال التحويلات الدولية.
عدا ذلك عند البلوكشين الكثير من الاستخدامات المحتملة خارج نطاق عالم العملات المشفرة. مثلاً الوسائل الموجودة تعقد كثيراً عملية تتبع البضائع والخدمات في سلسلة التوريدات. ويسمح البلوكشين للشركات والعملاء مراقبة حركة البضائع وكيفيتها في الوقت الحقيقي. تصور إلى كم سيرفع هذا من الثقة بين المستهلكين والشركات ولا سيما في الفروع التي تأذت من الفضائح (مثلاً في صناعة السيارات).
إن انتشار شعبية البلوكشين يذهل الخيال. فعشر شركات من ضمن تركيب مؤشر Dow Jones Industrial Average قد بدأت باختبار التكنولوجيا بشكل هذا أو ذاك. كما وتنتمي إلى تركيب Enterprise Ethereum Alliance – وهي أكبر مبادرة البلوكشين من بين الموجودة – أكثر من 200 شركة. كل يوم تبرم اتفاقيات جديدة مع مصممي Ethereum أو Ripple أو Stellar أو غيرها من العملات الافتراضية.
تشير كل الدلائل أن البلوكشين هو إنجاز عبقري لهذا العصر ويقف في صف واحد مع اختراع الكمبيوتر والإنترنت. ومع ذلك فلنفس السبب يمكنه أن يخيب أمل المستثمرين.
ما هي مشكلة البلوكشين؟
رغم أن البلوكشين يساعد على خفض التكاليف والرفع من أمانة وإسراع المدفوعات لديه كذلك بعض الغموض والنواقص.
إذا تمعنت في تكنولوجيا الأعوام السابقة الثورية لاحظت اتجاهاً معيناً: يرد المستثمرون عليها بتفاؤل مفرط ويتوقعون إدخالها الفوري.
تنحصر المشكلة في أنه حتى التكنولوجيا الفريدة من نوعها تحتاج إلى وقت لتشكيل قاعدة معينة. أكان الكلام حول الطباعة ثلاثية الأبعاد أو فك تشفير الجينوم البشري أو التجارة عبر الإنترنت، تتكرر دوماً نفس القصة. قبل أن تأتي التكنولوجيا بأرباح واقعية تمضي سنوات، فيرجح أنه في الحال مع البلوكشين سيحتاج المستثمرون إلى التزود بالصبر.
أهم مشكلة البلوكشين هو الخروج خلف نطاق مرحلته الأولية. تقوم الكثير من الشركات الكبيرة بالاختبار الناجح للبلوكشين في مشاريع صغيرة ونماذج أولية، بيد أنه ثمة فرق كبير بين اختبار البلوكشين في الظروف الخاضعة للرقابة واستخدامه في العالم الواقعي. حتى الآن ولا أية شركة كبيرة لم تنتقل كلياً إلى التكنولوجيا الجديدة هذه خوفاً من المشكلات المحتملة.
ريثما يثبت البلوكشين عن أمانته ووظائفه وتدرجيته لن تخاطر الأعمال التجارية بالامتناع لصالحه عن البنى التحتية الموجودة.
عدا ذلك هيهات أن إدخال البلوكشين سيكون بكل هذه السهولة كما يبدو. هذه التكنولوجيا الحديثة لن تكن لصالح كل الصناعات على الإطلاق على الأقل في مراحلها الأولى من التطور. في بعض الحالات سيحتاج من أجل إدخال البلوكشين إعادة إنشاء البنى التحتية الموجودة كاملاً. وبعض الصناعات أو الشركات قد تمتنع نهائياً عن هذا المشروع المعقد وغالي الثمن.
كما قيل أعلاه في الوقت الحالي توجد أنواع كثيرة من البلوكشين، والحواجز أمام الدخول إلى هذه السوق ليست كبيرة نسبياً، وكل من لديه وقت/ مال/ معرفة يمكنه أن ينشئ بلوكشينه الخاص.
تذكر أن هذه التكنولوجيا غير مقتصرة بالعملات المشفرة فقط، فكثير من الشركات الكبيرة تصمم مشاريعها في مجال البلوكشين الذي يعمل دون أي ارتباط بالعملات المشفرة. وإن اليقين أنه في أية لحظة قد تظهر نسخة أكثر تقدماً لهذه التكنولوجيا تجعل الأعمال التجارية لا تستعجل أبداً في أن تستثمر في تنفيذ معين للبلوكشين.
على كل حال لا داعي للتفكير أن البلوكشين كتب عليه السقوط، فهو يمكن أن يبرر آمال المتفائلين بل ويتفوق عليها، ولكن ليس من المعقول الانتظار أن البلوكشين سيغير الحالة الراهنة دفعة واحدة.
يبين التاريخ أن التكنولوجيا الحديثة تحتاج إلى وقت كي تنضج، ومشكلة الخروج خلف نطاق الاختبار يظهر أن الأعمال التجارية إلى الآن غير مستعدة على استخدام البلوكشين في الظروف الراهنة.
بكلمة أخرى كن حذراً وتزود بالصبر.