بالنسبة لمجتمع العملات المشفرة لم تكن بداية عام 2018 ناجحة جداً. انخفضت الرسملة الإجمالية للسوق من 800 إلى 330 مليار دولار. وقع الكثير من المستثمرين الجدد في حالة عصيبة. في بعض الأحيان كان توترهم يتحول إلى حالة واسعة من الذعر. بغض النظر عما يحدث في السوق – التعديل أو الاندماج أو انهيار فقاعة – يتوضح شيء واحد: تتكيف الصناعة بالتدريج. ما هي التغيرات التي ستطرأ على مجتمع العملات المشفرة في عام 2018؟
ستفضل السلطات الإقبال الحذر
بعد الارتفاع السريع للعملات المشفرة في عام 2017 بدأت حكومات مختلف البلدان والمؤسسات الدولية تدرس هذه الصناعة الجديدة.
في البداية لم يخلو من التشكك، وكثير من مشاهير الناس رفضوا حركة العملات المشفرة مسمين إياها بالمضاربة والخداع والفقاعة. أفضل مثال على ذلك جيمس دايمون رئيس مصرف JPMorgan الذي سمى البيتكوين في الخريف الماضي بـ"الخدعة". وقد أحدثت كلماته والكثير من التأكيدات الشبيهة بذلك إلى الضجة في عالم العملات المشفرة.
أما الآن فقد تغير الوضع. أخذت مختلف البلدان تنشئ فرق دراسة البيتكوين. البعض منها تفكر بإصدار عملاتها المشفرة الخاصة. وحتى دايمون غير وجهة نظره مصرحاً في شهر يناير أنه ندم على تصريحاته السلبية بخصوص البيتكوين ولو أنه ما زال ينظر إليه بعين الاحتراس.
في شهر فبراير أجرى مجلس الشيوخ الأمريكي جلسات الاستماع طال انتظارها حيث حدث رؤساء لجنة الأوراق المالية (SEC) ولجنة تجارة السلع الآجلة (CFTC) عن علاقة المنظمين تجاه البيتكوين والعملات المشفرة، وعلى وجه الخصوص قال رئيس CFTC كريستوفر جانكارلو:
"لا شك أن الإقبال الصحيح لتطوير الإنترنت كان "لا تضر". أظن أن الاعتبارات المماثلة عادلة في حال تكنولوجيا السجلات الموزعة".
منذ عدة أيام بدأت في الأرجنتين قمة المجموعة الـ20. وبرزت من بين القضايا الأساسية في جدول الأعمال العملات المشفرة. كانت هناك دعوات إلى تشديد التنظيم، بيد أن مجلس الاستقرار المالي صرح بتأييد الكثير من الوفود أنه قبل اتخاذ أية تدابير تقييدية لا بد من جمع المزيد من المعلومات.
ببساطة لفت الزعماء العالميون انتباههم صوب تكنولوجيا السجلات الموزعة وأدركوا ضرورة إجراء الأبحاث الإضافية قبل اتخاذ أية خطوات. حتى الان اتجاهها مندرج في معادلة "لا تضر" وهذا جيد.
سينخفض عدد الاحتيالات مع ICO
الوضع في سوق العرض الأولي للقطع النقدية (ICO) في تغير مستمر. في النصف الثاني من العام الماضي أودع المستثمرون فيها 4,5 مليار دولار، بيد أن الحمى الذهبية أدت إلى بعض العواقب السلبية. حاول المحتالون والنصابون استغلال قلة خبرة وسذاجة المشاركين.
بدأ عام 2018 من انهيار ICO. حسب معطيات Suicide Ventures خلال الشهرين الأوليين تم إجراء 260 عرض عام (أكثر من أربعة يومياً!)، وحوالي 40% منها جلبت 50% من المبلغ المخطط على الأقل.
لكن الوجه الآخر من هذه الإحصائية يثير القلق، ففي شهر فبراير جلبت 48% من ICO أقل من 10% من المبلغ المخطط. تضطر المشاريع الجادة الآن على التنافس مع الأفكار المتواضعة والاحتيالات السافرة على الموارد وعلى انتباه المجتمع.
يبدي المستثمرون عن احتراسهم فيحاولون فصل الحبوب عن الزوان وهذا يؤدي إلى تقلص قسط ICO الناجحة. يغدو الناس أكثر أقتصاداً ويبحثون عن مشاريع شفافة تتمتع بمنتجات جاهزة أو نماذج أولية.
الخبر الجيد هو أن مرحلة الاحتيالات في سوق ICO قد أوشكت على الانتهاء.
ستظهر استراتيجيات الترويج الجديدة
ما زال المنظمون يراقبون السوق بحذر، أما شبكات التواصل الاجتماعي وجبابرة الإنترنت فتحاول الابتعاد عن الاحتيالات في مجال العملات المشفرة. وكانت Facebook و Instagram و Google و Twitter و LinkedIn قد منعت أية إعلانات متعلقة بالعملات المشفرة. وكانت Google وحيدة منها التي تعاطفت بعض الشيء مع حاجات مجتمع العملات المشفرة فأجلت التدابير التقييدية حتى شهر يونيو.
حينما أعلنت Twitter عن نيتها الامتناع عن الإعلان حدث في سوق العملات المشفرة انهيار فانخفضت رسملته إلى ما دون 300 مليار دولار.
من الصعب تقدير النتائج النهائية لهذه الخطوات بيد أنه واضح شيء واحد: إنها ستعرقل بشكل خطير تعزيز مشاريع جديدة وإعلان ICO. ستضطر الشركات الناشئة على إظهار براعتها في الإعلان وتشديد الانتباه. من الراجح أنه في النتيجة ستزداد كثيراً شعبية منتديات هذه الصناعة مثل Reddit و Bitcoin Talk وغيرها.
الاستنتاجات
حانت للعملات المشفرة ومشاريع ICO أوقات صعبة. تنخفض الأسعار ويقيد جبابرة الإنترنت التسعيرة والإعلان المتعلق بالعملات المشفرة فتحاول بذلك حماية المستهلكين. في غضون ذلك السلطات الآن في بداية نظرها في أفضليات البلوكشين.
في النصف الثاني من عام 2017 حاولت العملات المشفرة الخروج إلى التيار الأساسي ابتغاء الاعتراف العام، ولكن لا المجتمع ولا التكنولوجيا لم يكونا مستعدين لذلك. في النتيجة فاز اللاعبون على الهبوط إذ انخفضت الأسعار.
يجوز أن يستمر التشاؤم الحالي حتى نهاية العام أو أننا سنصبح شهوداً على رجوع اللاعبين على الصعود إلى الساحة. حتى الآن يصعب القول ما الذي ينتظرنا في المستقبل. من الممكن التأكيد فقط أنه في عام 2018 ستعير السلطات أخيراً اهتماماً مستحقاً للعملات المشفرة، أما الشركات الناشئة ستضطر على إظهار الإرادة غير العادية والنهج الإبداعي ابتغاء انتباه المستثمرين.