لقد أعار مجتمع العملات المشفرة اهتماماً وثيقاً لمشكلة الإدارة.
حسب معظم المؤشرات بات العرض الأولي للصندوق المجازف Decentralized Autonomous Organization أي (DAO) ناجحاً. لقد سمي بالمشروع الأكبر خلال تاريخ التمويل المشترك وجمع بأقل من سنتين 100 مليون دولار بالاثريوم.
كان لـ DAO تكوين لامركزي ولاحكومي وهيكل تنظيمي مسطح. وهكذا لم يكن نشاطه مرتبطاً بمنطقة جغرافية معينة. كان لدى أصحاب توكنات DAO حرية اختيار المشاريع والاستثمارات المستحقة بأنفسهم ، وكانت تنظم العلاقة بينهم وبين المؤسسة عن طريق العقود الذكية وبلوكشين Ethereum.
بيد أنه لم يكتب لأهداف DAO الطموحة أن تتحقق، إذ حال دون ذلك اختراق وقع في نتيجته بأيدي القراصنة 55 مليون دولار. ومزق السؤال ماذا نفعل بالصناديق الباقية مجتمع مصممي Ethereum. لقد طلب كبار المستثمرين تشعباً قاسياً الذي لو تحقق لعادت الأموال على أثره لأصحابها.
دعا المصممون إلى التشعب اللين الذي يجمد الأموال ويمنع الأشخاص سيئي النية إخراج الاثريوم المسروق. كان استدلالهم يعتمد على "حكم الكود" إذ تنحصر الفكرة في أن الكود البرمجي للبلوكشين الأصلي يجب أن يبقى ثابتاً لا يتغير رغم الاختراقات وغيره من العوامل.
في النهاية انتصر المستثمرون، فقد تم التشعب وظهر اثريوم جديد. والقديم ذي البلوكشين الأصلي صارمعروفاً الآن كـ Ethereum Сlassic. اليوم يحتل الاثريوم وهو (ETH/USD) المرتبة الثانية من حيث الرسملة، أما Ethereum Сlassic وهو (ETC/USD) يحتل المرتبة الثامنة عشرة. تم ايقاف تداول توكنات DAO في العام الماضي.
بغض النظر عن العواقب جعل فشل DAO مجتمع العملات المشفرة يولي اهتماماً وثيقاً لمشكلة الإدارة.
لماذا مشكلة الإدارة في عالم العملات المشفرة حادة إلى هذا الحد؟
توجد في أسواق الأسهم أنظمة التحكم المدافعة عن مصالح المساهمين والحائلة دون استخدام الرؤساء غير الأمناء الشركة لمصالحهم.
مع الأسف سوق العملات المشفرة تخلو من نظام كهذا، ويدل اختراق DAO على جواز حدوث حالات حين يخرج الوضع عن نطاق السيطرة. والأمثلة كهذه في سوق العملات الرقمية كثيرة.
مثلاً أصبح المستثمرون في البيتكوين وهو (Bitcoin) رهائن حادث مؤسف صارت عاقبته تشعب قاسي للبلوكشين وظهور عملة مشفرة جديدة. أما Tezos – العملة المشفرة المصممة خصيصاً لحل مسألة الإدارة بواسطة نظام البلوكشين للتصويت – فاصطدمت بالمشكلات بعد أن رفع أحد المستثمرين الدعوى على مؤسسيها.
عدا ذلك ثمة مصاعب حقيقية كذلك خارج مجال التحكم، مثلاً عدم وجود الوقاية من التكرار قد يؤدي إلى تكرر المعاملات في البلوكشينين القديم والجديد.
قال فيليب هاكر الباحث ومؤلف عمل حول أنظمة حوكمة الشركات بالعملات المشفرة ما يلي:
"على المستوى الفردي تم الرهان بالمال الواقعي ما يثير بدوره المخاوف بشأن حماية المستثمرين والمدفوعات".
حسبما قال يتمتع المستثمرون في العملات المشفرة بنفس حقوق المساهمين في الشركات وذلك لأن تغير المحاضر في البلوكشين تؤثر عليهم مباشرة.
وعلى سبيل المثال قد يؤدي التشعب القاسي إلى زيادة عدد القطع النقدية في محفظتهم الاستثمارية. وبالشكل المماثل يجوز للدعوى القضائية (ضد Tezos مثلاً) أن توقف تطور المحضر وفرض القفل على أموال المستثمرين ريثما يصدر قرار المحكمة. قال هاكر:
" تقديم إمكانية الاختيار على شكل حق التصويت للمستخدمين يحد من حرية التصرف لدى المصممين الأساسيين في القسم الخاص بمصالح كل المجتمع، والذي حتى هذا الوقت لم يتحملوا عنه المسؤولية المطلوبة".
بيد أن هذا التصريح فيه بعض العثرة، فالعملات المشفرة ولاسيما الصغيرة منها حتى الآن ليست مهمة بشكل منتظم كي تبرر إدخال أنظمة التحكم الخاصة حسبما قال هاكر.
فيما عدا حماية المستثمرين يقوم نظام التحكم كذلك بتحسين العمليات الداخلية لمراقبة التغيرات. من وجهة النظر العملية هذا يعني جواز استخدامها لتحقيق الأخلاقيات اللامركزية و"نداء القلب" الأساسي الذي أدى بزمانه إلى ظهور البيتكوين.
حتى الآن كانت التغيرات في محاضر العملات المشفرة تدرج من قبل مجموعات صغيرة من الأشخاص المهتمين بالأمر. فمثلاً حين انفلق الاثريوم انتصر المستثمرون. أدى عناد مصممي البيتكوين – الذين عارضوا زيادة حجم الوحدات – إلى إنشاء Bitcoin Cash.
أنظمة التحكم يمكنها أن تساعد بطريقة إدخال عملية التصويت المناسبة وزيادة عدد الأشخاص المهتمين بالأمر المشاركين في العملية.
ما هي أنظمة التحكم التي تستخدم الآن في العملات المشفرة؟
بالطبع توجد لدى البيتكوين والاثريوم طرائق تحقيق التمثيل اللامركزي. وجوهرها هو ما يسمى بـ "مقترحات التحسين" (Improvement Proposals) المقدمة من لدن المصممين والمستخدمين للرفع من وظائف وإنتاجية البلوكشين. ولكن يعتبر هاكر أن المقترحات وحدها لا تكفي، وقد قال:
"يظهر أن البيتكوين حتى الآن لم يحقق الهيكل الفعال للتحكم الذي يمكنه أن يحقق التوازن بين أصوات المستخدمين/ المجتمع ورأي المصممين الأساسيين أثناء الأزمة".
ويشير تأكيداً على كلامه إلى آلية نقض المصممين الرئيسيين التي منعت في الماضي زيادة حجم الوحدات لإسراع معالجة المعاملات. قال هاكر:
"غالباً ما تمثل مقترحات التحسين آلية الإشارة التي تمنح الأصوات للمعدنين وليس للمستخدمين العاديين".
في هذا الحال المستخدمون هم أصحاب العملات المشفرة بغض النظر عما إذا كانوا يمسكون عقدهم الخاصة الكاملة أو يخزنونها في محافظ مصممي الطرف الثالث.
في هذه اللعبة يسبق Ethereum البيتكوين. لقد اختبر مصممو العملة المشفرة الآن العديد من المبتكرات في بلوكشينهم. فمثلاً تم التصويت على مصير DAO عبر آلية Carbon حيث كان على كل عقدة التصويت إجراء المعاملة مع كمية قليلة من الاثريوم (0,06-0,08 ETH). بيد أن المجتمع لم يعيره اهتماماً كبيراً. عدا ذلك ينشر Ethereum نصوص اجتماع المصممين في موقعه.
كما وحققت العملات المشفرة الأخرى مختلف صور أنظمة التحكم، وأضحت بعضها هجينة التحكم عبر البلوكشين وخارجه، والأخرى تنفذ كاملاً بالآليات المدمجة في الكتل.
فمثلاً يحدد التطور المقبل للعملة المشفرة Dash وهي (DASH/USD) تصويت الماسترنودات (العقد المسؤولة عن معاينة المعاملات). أما نواة Dash Core المكونة من أقدم أعضاء الشركة تخضع لمسؤولية الماسترنودات. عدا ذلك بمقدرتها تغيير تكوينه. قال ريان تايلور المدير العام لـ Dash ما يلي:
"في جوهرة الأمر تملكنا الشبكة بصورة غير مباشرة ونحن نتحمل المسؤولية الائتمانية أمامها".
يحقق Decred تكويناً مشابهاً بيد أن عملية التصويت والمقترحات تتم كلها عبر البلوكشين على وجه الحصر. يتناسب عدد أصوات كل مستخدم مع عدد القطع النقدية التابعة له.
يجوز أن يصطدم نظام كهذا المؤسس على البلوكشين مع مشكلات في الحال مع العملات المشفرة المركزة على السرية مثل Monero حيث المفاتيح العامة المحددة هويات المصوتين ليست متاحة دوماً.
ومع ذلك فحركة مجتمع العملات المشفرة المتوجهة صوب إنشاء أنظمة التحكم الكاملة هي عملية إيجابية. هذا ما أشاد إليه هاكر وأضاف:
"إنها تدل على وجود الحاجة الواقعية إلى مثل هذه الأنظمة".