شارك المدير العام لشركة Innovate Finance لورنس وينترماير رأيه لماذا المصارف المركزية العالمية بالكاد ستصدر العملات المشفرة.
منذ فترة وضمن إطار المؤتمر Money2020 بأمستردام كنت وسيطاً في اجتماع ممثلي المصارف المركزية المناقشين للعملة المشفرة، وينبغي القول لقد كان هذا أحد ألطف اللقاءات من هذا النوع خلال العام.
كان المشاركون في اللقاء أناس ذو وزن: الدكتور توماس موزر من مصرف سويسرا القومي، والدكتور ماريوس يورغيلاس من مصرف ليتوانيا، ومارتين إثريج من مصرف إنجلترا، وجيمس تشامبن من مصرف كندا.
يبدو أن معظم ممثلي المصارف المركزية موافقون أن بعض أصول العملات المشفرة بما فيها التوكنات يجوز أن تلعب دوراً معيناً في تطور الأشكال الجديدة لسوق الرأسمال العالمية بفتحها للمستهلكين ورجال أعمال باب الوصول إلى مصادر التمويل الجديدة، ولكن الصيرفية لا ينوون التعامل مع العملات المشفرة بالذات.
تهتم ليتوانيا بصورة خاصة بالأشكال الجديدة للرأسمال والآليات الجديدة لتمويل الابتكارات المتعلقة بالعملات المشفرة و ICO. ففي الأسبوع الماضي بالذات أصدرت وزارة المالية لهذه البلاد تفسيراً مكرساً للتوكنات القيمة (ما يماثل الأوراق المالية) والمعتمدة على اختبار هووي الذي تسترشد به اللجنة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات.
لذا قبل أن نتحرك إلى الأمام دعنا نتفق: نحن لا نتكلم عن التوكنات الاستثمارية أو الخدمية وإنما نتكلم عن توكنات الدفع أي عن العملات المشفرة على الوجه الصحيح مثل البيتكوين
المشكلة الأساسية هنا هي أن المصارف المركزية لا تعرف كيف يمكن أن تساعدها العملات المشفرة مثل البيتكوين ، والأمر ليس أنها تعارض بعنف العملات المشفرة، إنها فقط لا تستخدمها.
آخذين بالحسبان تقلب العملات المشفرة وأنها غير مريحة كحاملة القيمة وغير مريحة للاستخدام اليومي تفترض المصارف المركزية أن الانتشار الواسع للعملات المشفرة لن يحدث.
على كل حال هذا لم يمنع الشركة السويسرية الحكومية للسكك الحديدية SSB من أن تباشر بمشروع تجريبي مدته سنتان الذي يسمح للعملاء تبديل البيتكوينات على الفرنكات السويسرية في آلات التذاكر (ولا يجوز شراء التذاكر بالبيتكوينات).
العالم مليء بمختلف أنواع مراكز تبديل العملة حيث يمكن شراء البيتكوين وغيره من العملات المشفرة لقاء مال عادي أو عملات مشفرة أخرى، ولكن المتاجر حيث يمكن شراء السلع اليومية قليلة.
يشير الإنجليز و الكنديون إلى هذا الواقع ويؤكدون أن نجاح أية عملة ينحصر في انتشارها الواسع واستخدامها العملي اليومي وكذلك في مدى ثقة المستهلك بها.
تتولد العملات المشفرة مثل البيتكوين خوارزمياً وتعمل بناء على البلوكشين (السجل الموزع) وتحتاج إلى قوة الحوسبة الكبيرة للتعدين.
اقتصاد العملات مليء بالمشكلات والعملات المشفرة لا تستثنى من هذا. يبلغ الحجم العام لعرض البيتكوين 21 مليون قطعة نقدية و 17 منها تتداول حالياً ، أي لم يبق من القطع النقدية إلا القليل. أما الاثريوم فليس لديه حد الانبعاث لذا العرض هنا وفير (91 مليون قطعة نقدية متداولة).
حسب عالم التشفير دايف بيرتش من Consult Hyperion أنه من بين العدد العام للبيتكوينات الصادرة ضاع حوالي الثلث وحوالي الثلث بقي بأيدي عدد قليل نسبياً من الناس والثلث الأخير موزع بين الجمهور.
بهذا الشكل أو بذاك لقد لاحظنا في عام 2017 الطلب العالي على البيتكوين وهو (Bitcoin) وارتفع سعره بنسبة 1300%، أما الاثريوم وهو (ETH/USD) غلي بنسبة 8000%، أما Ripple وهو (XRP/USD) بنسبة 33000%.
أما الاقتصادي نورييل روبيني الذي عرف بتعليقاته الصريحة ونال لقب Doctor Doom (ويجوز ترجمة ذلك "الدكتور قدر") لتنبؤه على الأزمة المالية في عام 2008 موقفه تجاه البيتكوين ناقد وهو يؤكد أنه "أكبر فقاعة في تاريخ المالية".
وقال إيريك فورخيس مدير مركز تبديل العملات المشفرة Shapeshift أن فقاعة البيتكوين يمكنها أن تدهش فقط الوافد الجديد ، وكتب:
"تصاحب التكنولوجيا الثورية بالفقاعة دوماً. إنها فقاعة كبيرة رابعة أو خامسة وهي ليست بالأخيرة".
نشر مايكل ماكدونو من Bloomberg الرسم البياني المحبوب لي، فقد ناضد المؤشر Nasdaq أثناء الذروة في بداية الألفينات على سعر البيتكوين.
في نتيجة فشل الدوت كوم فقد الكثيرون أموالهم إذ يعتبر أنه عند حلول شهر نوفمبر وصل مبلغ الخسائر إلى ترليوني دولار، ولكن الآن بعد مضي 18 سنة يمكننا أن ننظر إلى ذلك في السياق الأوسع لتطور التكنولوجيا الفائقة. في عام 2008 فقد Nasdaq أكثر مما فقد في عام 2000، وارتفع في الوقت الراهن إلى 6000، أما في العامين 2000 و 2008 لم يكن يتجاوز 2500.
تنتمي إلى الشركات الخمس الأمريكية الأولى من حيث رسملة السوق اليوم الشركات التكنولوجية التالية: Apple وهو (NASDAQ: AAPL) و Google وهو (NASDAQ: GOOGL) و Microsoft وهو (NASDAQ: MSFT) و Facebook و هو (NASDAQ: FB) و Amazon وهو (NASDAQ: AMZN). في عام 2000 كان Amazon متجر الكتب على الإنترنت، أما Google فبلغ فقط السنتين من عمره ولم يسمع أحد عنه وقتذاك، كما وبقيت أربع سنوات لإنشاء Facebook.
كما وصرح روبيني أن البيتكوين "ليس ممركزاً قطعاً" وينقد تأثيره السلبي على البيئة المحيطة إذ يقدّر استهلاك الطاقة السنوي على تعدين البيتكوين بـ32 تيراواط ما يقارن بالاستهلاك السنوي للطاقة الكهربائية في الدانمارك.
أما نيكولاس اسبانوس مؤسس مركز البيتكوين بنيويورك والمؤسس المشارك لمنصة العقود الذكية Zap المؤسسة في مدينة زوغ السويسرية قدم لي نفسه في شهر فبراير في قمة الحكومة العالمية بدبي كمستر بيتكوين. لقد كنا في الاجتماع المكرس للعملات المشفرة حيث صرح:
"البيتكوين ليس فقاعة بل الدبوس الذي سيخرق فقاعة التكنولوجيا القديمة المستخدمة في القطاع المصرفي".
بأي حال من الأحوال المصارف المركزية لا تقلق من أن البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى تمثل خطراً على النظام المالي العالمي بخلاف المصارف الكبيرة ذات الرصيد الضعيف.
أدت المخاطر المنتظمة للنظام المالي والمجتمع وكذلك حق المصارف على طباعة النقود في سويسرا إلى الخطوات السياسية الشعبوية الموجهة ضد القطاع المصرفي. منذ فترة تم في هذه البلاد استفتاء وطني حيث اقترحوا للناس أن يعبروا عن رأيهم ضد ما يسمى بالتحفظ الجزئي لكي يبقى حق الانبعاث فقط لدى مصرف سويسرا الوطني.
أستطيع تصور كيف تنفس الصعداء العاملون في المصرف المركزي السويسري حين نال هذا الاقتراح فقط 23% من الأصوات.
إذاً ما هي العلاقة بين المصارف المركزية والثورة الرقمية؟ بالنسبة للعملة الرقمية فعلاً ينظرون في المصارف المركزية في الخطوات المحتملة بهذا الاتجاه (مثلاً Riksbank السويدي يتطلع إلى e-Krona).
المصطلحات التي نستخدمها يجوز أن تربك حتى القراء العارفين لذا سنفسر.
العملة الرقمية هي مجرد رقمية. يمكن أن نتصور أنها عقد ذكي يعلو شبكة موزعة حيث بلوغ التوافق محدود بالعملاء المدعوين مثل ممثلي المصارف المركزية.
مهما كانت التكنولوجيا التي أنشأ بها هذا المال هيهات أنها ستنبعث خوارزمياً ويحتمل أن القيمة ستحدد بالعملات المعتادة أي الدولارات أو الجنيهات أو اليورو أو الين.
أنا لا أظن ما إذا كان هذا يهم الإنسان الذي يستلم راتبه على حسابه المصرفي ومن ثم يحول مدفوعاته الشهرية آلياً ، ويستخدم البطاقة المصرفية العادية المحمية بالرقم السري الشخصي لأية مشتريات ، ولا يستخدم النقد إلا قليلاً.
حالياً يتم على نحو متزايد في كل العالم استخدام مختلف أشكال المال الرقمي وليس النقد.
يفهم الصيرفية المركزيون في كل العالم أنه بأيديهم علامة تجارية قوية على شكل عملة أعلنتها الحكومة وسيلة الدفع الشرعية، ولا يهم أهذا المال ورقي أم رقمي، إنما هنا مسألة الثقة.
لذا حتى لو ذهب النقد من التداول اليومي لا داعي للتوقع أن المصارف المركزية في المستقبل القريب ستتوقف عن طباعته.
قد لا يطابق رأي المؤلف موقف هيئة التحرير