الجري  يساعد الأعمال
الصفحة الرئيسية طريقة الحياة

قد لا تدرك لأول وهلة ما هو وجه الشبه بين الأعمال والمشاركة في الماراثون. ولكن الجري من الفعاليات التي يمكن أن تعلمك أشياء مفيدة مع أنها لا ترتبط بالأعمال مباشرة. إليكم الدروس الثلاثة الرئيسية.

لا تترك ما بدأت به

لكي تكمل الماراثون عليك أن تجري تقريباً 42195 خطوة بافتراض أن كل خطوة طولها متر واحد، فطول الماراثون 42195 متراً، فيكون عدد الخطوات المطلوبة لقطع مسافته مساوية لعدد الأمتار.

تذكر، متى خطوت آخر مرة 42195 خطوة بلا توقف؟ خطوة تلو خطوة، وأنت لا تفكر إلا بالخطوة التالية؟

يعلمك الماراثون مهارة نوعية جداً: أن لا تترك ما بدأت به، ويجري التعليم بصيغة عجيبة.

عندما تبدأ بالجري وتجبر نفسك على الحركة يتغير توازن جسمك بالكامل، إذ تعتاد على الوضع الجاري لدرجة أنك لا تعود تشعر به. أنت تجري ولا شيء آخر يهم.

تحدث خلال ذلك تغيرات باطنة هامة، فأنت تشعر أنك لا تستطيع التوقف ببساطة. إذا كنت تركض بسرعة وتقرر التوقف فجأة دون تحضير مسبق، ستقع أرضاً. يتكيف جسمك مع السرعة العالية فيوزع التوازنات المعتادة من أجل حساب موقع القدم التالي، وهكذا دواليك.

تتغير أشياء كثيرة أثناء الجري. كما قلنا، تعتاد على هذه الحالة لدرجة لا تعود تشعر بها إلا إذا قررت التوقف. في هذه اللحظة ستتعثر وتقع وتتوجع. لا يمكن التنبؤ بالعواقب: النزف والكسور وتمزقات العضلات والرضوض...

طبعاً، ستحاول أن تؤكد أنك تستطيع التوقف متى أردت ذلك، إنما تحتاج لفسحة أكبر، وهذا صحيح. سبب ذلك قوة العطالة. بدل التوقف في خطوة واحدة تحتاج إلى خطوتين أو ثلاث. ولكن هذا ليس توقفاً مفاجئاً بل توقف تدريجي.

إذن، عندما تجري بسرعة لن تستطيع التوقف فوراً. تتباطأ أولاً ثم تتوقف تماماً.

ينطبق الشيء نفسه على قطاع الأعمال. إذا بدأت شركة مبتدئة، أي أنشأت تلك الآلة العجيبة – والهشة في الوقت نفسه، لا سيما في بداياتها – من خليط من المنتجات والخدمات والعمليات والناس، لن تستطيع التوقف فوراً. أنت تجري، وتتزايد ميزتك يوماً بعد يوم مثل قوة العطالة. تذكر: إذا قررت فجأة التوقف فوراً ستصاب برضوض حتماً.

قطرات الماء

في الماراثون الذي طوله 42195 خطوة تستغرق كل خطوة عادية ثانية واحدة، ويمكن قطع المسافة الكاملة خلال 703 دقائق. أثناء الجري تستغرق الخطوة نصف ثانية تقريباً، فيكون الزمن اللازم للماراثون 351 دقيقة، أي قرابة 5 ساعات.

351 دقيقة عدد جيد، فهو لا يساوي 3 دقائق، الزمن الكافي للدردشة مع زميل لك في مقهى؛ كما لا يساوي 35 دقيقة، وهو زمن التركيز المستمر الأقصى عندما تعمل على مشروع هام جداً. أنه أكبر بعشر مرات!

وها هو الدرس الثاني من الماراثون: تزايد قوة الخطوات الصغيرة نحو الهدف. بحرٌ يتشكل من قطرات ماء.

يمر رواد الأعمال بأيام مختلفة، بعضها ممتاز فتتقدم إلى الأمام بخطوات واسعة. أحياناً تجري الأعمال ليس على ما يرام، فتشعر بالإحباط. ولكن إذا نهضت من فراشك وظهرت أمام الناس وقمت بعملك سيتحرك شيء ما، فتتقدم في عملك يوماً واحداً إلى الأمام.

الشيء نفسه يحدث في سباق الماراثون. أنت تقترب من خط النهاية خطوة تلو الأخرى قاطعاً مسافة 42 كيلومتراً. بعض الخطوات ستكون سهلة (لا سيما في البداية)، وخطوات أخرى ستكون مؤلمة (لا سيما قرب الانتهاء). ولكن ما دمت تحرك رجليك فأنت تقترب من الهدف.

الحائط

تصور تلك اللحظة التي تحدث في حياة كل شخص عندما يشعر بالعجز الكامل واليأس والقهر، وكأنه على عتبة الموت، يواجهه شيءٌ لا يرحم ذو قدرة تفوق بأضعاف قدرته على المقاومة.

يمكن تأجيل هذه اللحظة بواسطة التدريبات القاسية، ولكن إذا استمررت في الجري ستأتي هذه اللحظة حتماً، عاجلاً أم آجلاً.

التفسير الطبي للاصطدام بهذا «الحائط» هو نضوب الغليكوجين في العضلات. الغليكوجين هو المادة التي يحرقها الجسم عندما تعمل العضلات. يمكن أن نعتبره وقود الحركة. مخزون الغليكوجين في الجسم محدود دائماً. عندما تبدأ بالجري تبدأ باستهلاك هذا المخزون.

إذا كنت تركض فترة طويلة بما يكفي ستأتي لحظة عاجلاً أم آجلاً ينضب فيها الغليكوجين، ولن تستطيع التحرك أكثر. مسافة الماراثون محسوبة بحيث يبلغ 95٪ من الناس «الحائط» قبل الوصول إلى خط النهاية. يكفي مخزون الغليكوجين عند الإنسان وسطياً 30 كيلومتراً، زائد أو ناقص 5 كيلومترات. ومن ثم، مسافة 42 كيلومتراً تؤدي إلى هذه المشكلة بشكل شبه حتمي.

Visions of America/Shutterstock.com

تحدث في الجسم في هذه الحالة أشياء مرعبة. يبدأ الجسم بالبحث عن الغليكوجين في أماكن لا يبحث فيها عادةً، في الكبد مثلاً. قد تشعر بتنميل في وجهك أو أطرافك. ستشعر وكأنك خارج المكان، وقد تشعر بالدوار. سوف تسيطر رغبة وحيدة على وعيك، وهي أن تتمدد وسط الشارع وتصرخ.

لكنك ستبقى على قيد الحياة. ما أغرب قدرات الدماغ: دماغك يمكن أن يسمح لك باستمرار الجري مع أن كل خلية من جسمك تتوسل: «أريد أن أتوقف!». يستطيع الدماغ أن يجبر الجسم على الاستمرار في الجري خطوة تلو خطوة رغم الألم.

أغلب العاملين في مجال الأعمال وصلوا إلى «الحائط» مراراً. نفدت الموارد، وينفد الوقود الضروري للاستمرار في الحركة: لا يوجد مال ولا زبائن ولا عاملين، لا شيء. لم يبق إلا رائد الأعمال ومشاريعه التي تنتظر شهادة وفاة الشركة.

يحتمل ألا تدرك كم مرة اصطدمت بهذا «الحائط». ربما كان تقييمك لهذه الأحداث بأنها «اجتماع ظروف غير مؤاتية» أو «انهيار السوق». وربما تمددت مراراً وسط الشارع وأنت تصرخ.

إذا تجاوزت «الحائط» مرة واحدة في الماراثون فسوف تستطيع أن تتغير. لن تتمدد وسط الشارع ولن تتراجع. ستبقى تخطو خطوة تلو الأخرى نحو الأمام. لن يختفي «الحائط»، وسيبقى تجاوزه مؤلماً كما كان، ولن تصبح الأزمات سهلة وممتعة. لكنك لن تعود تستلم لضغط المشاكل.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق