يتحدث جون غابير كاتب فاينانشال تايمز ومؤلف القصة المثيرة عن التقنيات و الفساد في الصين التي أثارت الكثير من الضجة عن كيفية الكتابة عن البلاد السريعة التغير.
إذا كنت كاتبا قم بتغيير مكان نشاطك بسرعة مذهلة وهذا سيضمن لك توفر الكثير من المواد الجيدة. ولكن طبعا لن يسهل عليك الكتابة.
خلال أول زيارة لي للصين في عام 1994، قمت بالتحقق من منطقة بودونغ في شنغهاي.والآن بودونغ هي رمز المعجزة الاقتصادية الصينية، بناطحات السحاب التي كأنها "مرت عليها شفرة الحلاقة" وكورنيش فايتان الشهير على طول نهر هوانغبو، لكن الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن تذهب لرؤيته وقتها كانت مجرد قذارة.
بودونغ 1987
كانت لا تزال شوارع شنغهاي مزدحمة بالدراجات وليس بالسيارات، على الرغم من أن المدينة كانت تتطور بشكل سريع على خلفية موجة التحرر الاقتصادي التي بدأها دنغ شياو بينغ بعد مظاهرات عام 1989 على ساحة تيان ان مين. ولم يكن هناك شيء يفعله الضيوف من الغرب في المساء عدا الاستماع إلى موسيقى الجاز في Peace Hotel أو التنزه على الكورنيش البحري المتهالك. و كانت منطقة الامتياز الفرنسية تذكرنا برواية بالارد العسكرية "امبراطورية الشمس".
لقد أشار دليلنا المقدم من قبل إدارة شنغهاي إلى المساحة التي تم توسيعها من أجل البناء و قال أن بودونغ تعتزم على إنشاء مركز مالي الذي سيستطيع التنافس مع لندن، نيويورك وهونغ كونغ. ولقد عرض علينا رسومات للبناء المستقبلي. لقد فكرت حينها: "إيه. كم من الوقت سيستغرقكم ذلك؟".
ولكن سرعان ما تحققت هذه الرسوم . يكتب ايفان أوسنوس في كتابه الأخير "عمر الطموح: السعي وراء الثروة، الحقيقة و الإيمان في الصين الجديدة" (Age of Ambition: Chasing Fortune, Truth, and Faith in the New China):
"لقد كانت التغييرات التي لا نهاية لها الشيء الوحيد الذي لم يتغير. ذات مرة سألني صديقي الصيني أي المدن في أمريكا يجدر عليه زيارتها. قمت باقتراح نيويورك و أجاب بقدر اللباقة التي قدر عليها: "في كل مرة أذهب إلى هناك، تبدو نيويورك كما كانت. في بكين، حاولت أن لا أفوت الدعوات أبدا لأن الأماكن و الأشخاص هناك تختفي قبل أن تكون لديك فرصة من أجل رؤيتها مرة أخرى".
بودونغ اليوم
كما لاحظ أوسنوس إن السنوات منذ أن بدأت الصين عملية الإصلاح الاقتصادي والانفتاح في عام 1978 تشبه بسرعتها المثيرة التحول الاقتصادي الأمريكي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لقد وفر التصنيع السريع والتغير الاجتماعي الذي مرت به الصين مواردا غنية للكتاب ما أثبته تشارلز ديكنز و أنتوني ترولوب.
لقد كانت رحلتي إلى الصين منذ عقدين هي الأولى بين الكثير من الرحلات. كنت أقبل أي دعوة وانتهز أي سبب للعودة إليها و كان ذلك نظرا للسبب الذي أسماه أوسنوس: يتغير كل شيء بسرعة فائقة، لدرجة أنه يفوتك كل شيء بمجرد ومضة عين. وأينما ذهبت، إلى مدرسة الحزب المركزية في بكين، إلى مصانع الإلكترونيات في دلتا نهر اللؤلؤ أو إلى مصنع الصلب المخيف والضخم في مدينة ووهان، الصين دائما لديها ما تفاجئك به.
هذا هو السبب في اتخاذي لمقاطعة غوانغدونغ في هونج كونج مركزا لنشاط تأليف روايتي الجديدة "التحول الشبحي" (The Ghost Shift) . هذه القصة المثيرة هي حول امرأة شابة من طرف محاربي الرشوات "لجنة فحص الانضباط". تقوم هذه المرأة بالتحقيق في وفاة عمال المصنع في مقاطعة غوانغدونغ و تتعمق في عالم الفساد والتجسس.
الرواية لا تواكب
ولكن يمكن أن يكون التغيير الثقافي المستمر مشكلة خطيرة. إن الواقع في الصين لا يكون أبدا ثابتا تماما حتى تتمكن من التقاطه وترسيخه. و لحين وقت انتهاء بحثي ونشر كتابي من المحتمل أن كل هذه المعلومات قد عفا عليها الزمن. حتى في الرواية، التي كانت مواردها هي الواقع نفسه في موقف هش جدا.
لقد أصبحت الصين مصدر إلهام للعديد من القصص الوثائقية العظيمة و منها "فتيات المصنع" ( Factory Girls: From Village to City in a Changing China,، 2008)، ليزلي تشان لي"الحزب. العالم السري لحكام الصين الشيوعيين" لريتشارد ماكجريجور (2010). ولكن تكون طبيعتها الغير الثابتة والمجزأة هي أحد أسباب إمكانية عرضها من خلال مجموعة من القصص القصيرة عن الناس المختلفين الذين يحاولون أن يجدوا طريقهم في المجتمع مثل "عصر طموح أوسنوس" أو "المقابلة من قاع المجتمع الصيني" للياو أو (2008).
فإنه ليس من المستغرب أن أحداث بعض الروايات الشعبية حول الصين، على سبيل المثال، سلسلة "فتاة من شنغهاي" لليسا سي، تقوم على الماضي والذي يصعب وصفه و لكنه ثابت على الأقل. إن ايمي تان، مؤلفة رواية "نادي الفرح والحظ الجيد" (1989) و "ابنة مقوم العظام" (2001)، كثيرا ما تكتب عن نساء الجيل الثوري في الصين عام 1949 وعن أولادهن الذين هاجروا إلى أمريكا.
يواجه الكتاب الصينيون مشكلة إضافية وهي رقابة الدولة. لقد واجه موجون سيوإتسون مؤلف "تشنغدو، اتركني في هذه الليلة" (Chengdu, leave me alone tonight, 2002) الذي وصف ببلاغة حياة الشباب في الأعمال المملة في المدن الصينية الكبرى مثل تشنغدو، الإجراءات التقييدية، بما في ذلك فرض الحظر على استخدام الشبكات الاجتماعية. لقد استخدم تشان كونتشون، الكاتب من شنغهاي، نهجا مبتكرا في كتابة كتابه "السنوات السمينة" (Fat years, 2009)و جعل الفترة الزمنية فيه هي المستقبل. لكنه لا يزال لا ينشر في الصين.
ولقد استطعت إدراك السرعة التي تقوم عليها الصين من خلال أبحاثي الأولية حول "التحول الشبحي". في هونغ كونغ، قمت بمقابلة مستشاري استخبارات الشركات وعاملي الشركات الأمريكية التي حاولت منع سرقة الملكية الفكرية من قبل المنافسين الصينيين. أردت أيضا أن تتضمن قصتي أحد كبار المسؤولين الصينيين الذي كان يمثل تهديدا لبكين.
عندما بدأت بالكتابة في عام 2012 وجدت فجأة في صحيفة الأخبار والمقالات أخبارا عن انهيار بو سيليا،الأمين العام من طرف اللجنة الإقليمية في مدينة تشونغتشينغ الذي كان الأقرب من السياسي الغربي من خلال المعايير الصينية. لقد اتهم بو بالفساد وطرد من الحزب و أهين و اتضح أن غو كايلان، زوجته،شاركت في قتل نيل هايوود مستشار الأعمال البريطاني. لا يمكن أن تخترع شيئا كهذا عمدا وأنا أعلم، لأني حاولت أن أقوم بذلك.
في العام التالي قام إدوارد سنودن بإزالة حجاب الخفاء عن وكالة الأمن القومي وعن مراقبتها للنشاط على الإنترنت. لقد قضيت الكثير من الوقت في دراسة أنشطة الأمن القومي ودور الدولة الصينية في التجسس الإلكتروني. اتضح لي أنه كان علي فقط أن أنتظر .
إنها مشكلة هائلة بالنسبة للروائي أن يجد أن المجتمع يتغير بسرعة كهذه، ولكن يوجد هنا مكافأة مخفية أيضا. ماذا يمكن أن يكون أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للدراما، من المنطقة التي يمكن أن تحدث فيها؟ في نهاية المطاف ليس المهم هو أن تعرض قصتك الحالية الأحداث بل هل سيكون ذلك ملائما لأن يكون قصة.
ومع ذلك فإن هذا يذكرني بذلك اليوم في بودون و كيف كنت غير قادر على إدراك السرعة التي يمكن لشنغهاي أن تتغير بها. ولقد تجاوز الواقع تقريبا مخيلتي .