كيف تغيرت حياة السوريين خلال الحرب
Jalal Al-Mamo/Reuters
الصفحة الرئيسية طريقة الحياة

مع دخول الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا عامها الخامس اضطر أكثر من نصف سكانها إلى هجربيوتهم وهبط معدل الحياة عشرين سنة. تحاورت BuzzFeed News مع ثلاثة سوريين لتعرف كيف تبدو الحياة في مثل هذه الأوضاع الجهنمية.

إن تصور الحياة في سوريا بالنسبة لشخص يعيش خارجها شبه مستحيل، وقد دخلت الحرب الأهلية الطاحنة فيها عامها الخامس هذا الشهر، ولا تبشر أي علامات بقرب انتهائها. وقد تورّطت في القتال متعدد الأطراف بلدان عديدة من جيران سوريا في الشرق الأوسط إلى روسيا والولايات المتحدة، وكان تربة خصبة لجماعة إسلامية هي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ووقع المدنيون السوريون بين المطرقة والسندان يعانون من مصائب تتضاءل أمامها النزاعات في البلدان الأخرى.

قال تقرير صدر الأسبوع الماضي بإشراف من الأمم المتحدة أن الحرب قتلت حوالي 200 ألف شخص ونزلت مأمول العمر 20 سنة وأجبرت أكثر من نصف سكان البلد البالغ عددهم قبل الحرب 21 مليون نسمة على ترك بيوتهم، فصارت سوريا أكبر مصدر للاجئين في العالم، مع أن أغلب المهجَّرين لا يزالون ضمن أراضيها حسب ما أبلغت مجلة Economist في يناير.

قد يصعب على العالم الخارجي استيعاب هذه الأعداد الضخمة، ويصعب سماع أصوات سوريين أفراد؛ فالاتصالات الخليوية غير مستقرة والملايين من المهجَّرين في تنقل مستمر، أما الصحفيون فقد امتنع أغلبهم عن السفر إلى بلد أصبح أخطر مكان على الصحفيين.

إذن،كيف هو منظر والشعور بالحياة في سوريا؟

كم يخرج الناس من بيوتهم وكيف يشحنون هواتفهم الجوالة وهل يجدون أسباباً للضحك؟ أجرت BuzzFeed News مقابلات مع ثلاثة سوريين يعيشون في سوريا أو يزورونها دورياً أو يوثقون مختلف البلدات والمدن محاولة لفهم حياة الناس التي تجري وراء الإحصاءات الكبيرة المذهلة.

قال الناس الذين قابلناهم أن الكثير من السوريين بقوا في بلداتهم وحاولوا الاستمرار خوفاً من الظروف المعيشية الفظيعة في مخيمات اللاجئين في سوريا وخارجها. الكثيرون منهم ليس لديهم المال من أجل الهجرة المريحة.

يقول رامي زين، وهو مصور عمره 23 سنة من حلب التي يسيطر عليها في الغالب ائتلاف رخومن جماعات متمردة مسلحة معارضة للرئيس بشار الأسد:

«إذاهاجرت من حلب فلن تعيش حياة طبيعية أبداً: ستكون إما في مخيم أو تعيش حياة غالية في تركيا».

من يبقون في المدينة يعملون في إحدى المهن المتواضعة التي تتوفر في مناطق الحروب: سائق تكسي أو مصلح سيارات أو صاحب مقهى إنترنت صغير أو بائع بسطة يتاجر بسلع مهربة استطاع تأمينها. يسعى هؤلاء إلى تجنب مصير 7.6 مليون مهجَّر داخلي في سوريا أو 3.8 مليون من الذين فروا ولجؤوا إلى بلدان أخرى.

قال زين في مقابلة عبر السكايب: «فقد الكثيرون عملهم الأصلي… فيبدؤون بأي مشروع يقدرون عليه. جاري كان عنده معامل نسيج، أما الآن فيبيع في السوق أغطية سرير والمازوت ».

وفي الرقة التي يسيطر عليها تنظيم داعش يكسب الناس رزقهم عن طريق تأجير البيوت للمسلحين أو العمل في مدارسهم الدينية. قال عبد العزيز الحمزة البالغ من العمر 24 سنة ومؤسس مجموعة نشطاء مناوئة لداعش وللأسد سماها «الرقة تُذبَح بصمت»: «شروط العمل الجيدة لا تجدها إلا عند داعش… ولكن أصدقائي لا يريدون العمل معهم». هرب الحمزة من سوريا السنة الماضية ويعيش الآن في برلين، ومنها يدير فريقاً من 12 ناشطاً في الرقة يقومون بتوثيق مجريات الحياة في هذه المدينة السورية.

حوالي 60٪ من السوريين عاطلون عن العمل، ونسبة مماثلة تقريباً يعيشون في فقر مدقع، أي لا يستطيعون توفير مقومات الحياة، وذلك وفق تقرير بإشراف الأمم المتحدة.

يوماً بعد يوم وكل يوم أغلب ما يقوم به الناس يتعلق بالحصول على المادتين الأساسيتين: الغذاء والكهرباء.

طفلان مهجَّران سوريان يتغطيان ببطانية طلباً للدفء بين الغسيل المنشور في مدرسة ابتدائية تحولت إلى مركز إيواء للمهجرين في دمشق، سوريا، الخميس 5 ديسمبر 2013.يعيش في المدرسة حوالي 44 أسرة. لي كيث/صورة AP

قال زين: «في السنة الماضية كانت جميع أسواق حلب تقريباً مغلقة، وكان عليك الركض في كل أنحاء المدينة لتجد قليلاً مما تريد، ولو حبة بندورة. قد تجدها وقد لا تجدها. كانت بعض المنظمات غير الحكومية تجلب الأغذية، مثل الرز والزيت فقط، أي ما يساعدك على البقاء حياً».

ويقول زين أن الكثير من الأسواق عادت إلى العمل في الشهرين الأخرين، وتتوفر حالياً الخضار والفراريج الطازجة. تحاول الأمم المتحدة التفاوض على «تجميد»، أي إيقاف الهجمات ستة أسابيع وليس وقف إطلاق النار الكامل، وقد وافق الأسد على إيقاف الغارات الجوية مؤقتاً هناك.

الأغذية في مناطق كثيرة ليست مفقودة، لكنها غالية لدرجة تمنع الكثيرين من شرائها، ولا يمكن الحصول على المواد الغذائية إلا بتهريبها من الخارج. يبلغ سعر ربطة الخبز في بلدة سرمدا الحدودية الصغيرة ما يعادل دولاراً واحداً بعد أن كان 30 سنتاً قبل بداية الحرب، وفق ما يقول محمد، وهو سوري هرب إلى تركيا المجاورة في سنة 2011 لكنه يزور بلده سرمدا مرة في الشهر على الأقل، وقد طلب منا عدم الإفصاح عن اسمه الكامل.

فتاة مهجرة هربت مع أسرتها من أعمال العنف في منطقة حندرات في محافظة حلب تغطي وجههاوهي تحمل طفلاً خارج خيمة في ريف حلب الشمالي، 8 أكتوبر 2014. جلال المامو،رويترز

قال محمد الذي يأتي إلى سوريا كجزء من عمله لصالح جماعة خيرية يقودها الشتات ومقرها في المملكة المتحدة هي «يداً بيد لنبني سوريا»: «في المناطق الريفية التي زرتها يعتمد الكثير من الناس على أكياس الأغذية من المنظمات غير الحكومية. لقد رأيت بعض المناطق التي يعتمد 80٪ من سكانها على المساعدات».

قال محمد أن في سرمدا يستخدم البعض ألواحاً شمسية لشحن بطاريات سياراتهم، ثم يستخدمون البطارية لتشغيل عدة مصابيح وشحن الهواتف الجوالة أو الكمبيوترات النقالة. وفي بعض الأحياء يشتري أحد الأشخاص مولدة كهربائية ويؤجر جزءاً من الكهرباء للجيران.

في حلب، يستخدم زين لوحة شمسية سعرها 250 دولاراً، لكنه يقول أن هذا الخيار غير متاح لعائلة عادية: «السعر الأدنى هو 100 دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لعائلة عادية، فبعض العائلات تعيش على 150 دولاراً شهراً كاملاً».

ولكن حتى لو شحنت هاتفك الجوال، قد لا يكون هناك تغطية بالشبكة. يقول زين أن التغطية غائبة في نصف مناطق حلب بسبب تدمير أبراج الخليوي. وسيلة الاتصال الرئيسية في المناطق الثلاث هي الوصول إلى الإنترنت عن طريق قمر صناعي ثم استخدام خدمة المراسلات WhatsApp.

بدأت الحرب في سوريا في مارس 2011 عندما بدأ الأسد الذي تحكم أسرته البلد منذ أكثر من أربعة عقود بقمع المعارضين لحكمه الذين خرجوا إلى الشوارع.

وأبلغ إميل حكيّم الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن النزاع اليوم خليط من جماعات مسلحة مبهمة المعالم بالإضافة إلى داعمين أجانب.

من جهة، هناك نظام الأسد القادر على تعبئة الجيش السوري والميليشيات غير الرسمية. حصل الأسد على الدعم السياسي والمعدات العسكرية من روسيا وإيران. من جهة أخرى هناك الجيش السوري الحر، وهو جماعة معارضة مسلحة حصلت على بعض الدعم من الغرب. وهناك العديد من الميليشيات الأخرى، بما فيه الإسلاميين مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة بالإضافة إلى القوات الكردية.

موسى،القناص الكردي ابن 25 عاماً في بلدة كوباني (عين العرب) السورية في 30 يناير 2015.

قال محمد عن سرمدا التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر: «لا أحد [يخرج من بيته] للترفيه أو التسلية، إنما للضرورة فقط». وقال الحمزة أن الناس في الرقة نادراً ما يغادرون بيوتهم بعد المغرب، وقال زين أن الناس في حلب يراقبون السماء باستمرار عندما يمشون في الشوارع خوفاً من الغارات الجوية.

كثيراً ما يقال أن قوات الأسد استخدمت الغارات بالقنابل البرميلية في حلب ومحيطها، وقد نفى الرئيس هذه الاتهامات خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية الشهر الماضي.

صعد تنظيم داعش إلى الصدارة خلال السنة الماضية بعدما استولى على رقع من سوريا والعراق وبدأ ينشر مقاطع فيديو تصور إعدامات وحشية ويجند المجاهدين من الدول الشرقية والغربية. نشرت مجموعة من داعمي داعش في يناير دليل حياة المرأة المسلمة توصف الرقة فيه بأنها ملاذ اللاجئين إليها. وقد اعتبرت Quilliam Foundation، وهي مؤسسة بحثية بريطانية ضد الإرهاب، اعتبرت هذا الدليل الذي قامت بترجمته من العربية إلى الإنكليزية دعاية بحتة.

تبدو سوريا غير صالحة للعيش من نواحٍ عديدة، ورغم ذلك يجد شعبها سبيلاً إلى الحياة. وقد وصف السوريون الثلاثة الذين تحدثنا معهم أمثلة رائعة على الصبر والتحمل، وحتى لحظات سعيدة.

يقول زين: «عليك أن تعتاد على صوت المدافع والقنابل. يجب أن تسمع الطيارات والقنابل، ومع ذلك عليك المضي قدماً. يخرج الناس حتى عندما يحلق الطيران فوق رؤوسهم. إذا كنت خائفاً فلن تخرج من بيتك أبداً».

قال حمزة أن فريق الناشطين في الرقة اعتادوا بشكل أو بآخر على سماع أخبار مقتل أناس يعرفونهم: مع أنهم يحزنون عليهم، لكن لا خيار لديهم إلا إجبار نفسهم على المضي قدماً، وحتى في أفظع الأوقات يجدون ما يمكن أن يفرحوا له.

وأضاف: «يقول لي أصدقائي أن الناس يفرحون لوصل الكهرباء بعد انقطاع أو عودة الإمداد بالمياه، ويصرخون: هيه! هيه!».

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق