الواقعية الاشتراكية آخر صرخة موضة
الصفحة الرئيسية طريقة الحياة

جمع مليونير روسي مجموعة من أعمال الواقعية الاشتراكية قيمتها نصف مليار دولار.

يؤكد أندريه فيلاتوف، وهو من كبار رجال الأعمال الروس، والذي يملك مجموعة لوحات من جنس الواقعية الاشتراكية، أن أعمال الفنانين السوفييت يمكن أن تعطي عائدات أعلى بكثير من لوحات الفنانين المشاهير من أمثال بابلو بيكاسو وبول غوغان.

في سنة 1932 صدر مرسوم جوزيف ستالين يقضي بتحديد جنس فني جديد في الاتحاد السوفييتي، هو الواقعية الاشتراكية، وهدفه تمجيد الشيوعية في الأعمال الفنية. بقيت هذه اللوحات فترة طويلة لا تحظى بطلب كبير عليها، وتزايد اهتمام رجال الأعمال الروس بها فجأة بعد وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة.

والآن يحظى الفنانون الذين كان الدكتاتور السوفييتي يسميهم حينها «مهندسي أنفس الناس» بطلب ضخم على لوحاتهم. يمكن تفسير ذلك جزئياً بتصاعد موجة النزعة الوطنية ونوبات الحنين إلى الماضي السوفييتي في روسيا.

وأعلن رجل الأعمال أندريه فيلاتوف الذي جمع مجموعة كبيرة من اللوحات من هذا الجنس الفني أن أسعار اللوحات التي اشتراها تضاعفت خلال السنة الماضية، وتبلغ قيمة مجموعته الآن نصف مليار دولار. يقول فيلاتوف:

«الاستثمار في الأعمال الفنية خير استثمار يمكن تصوره».

وقد أقام مؤخراً معرض أعمال زمن الحرب العالمية الثانية في غاليري ساعتجي في لندن، وكان فيه بين الأعمال الأخرى صورة ستالين من سنة 1940. يؤكد فيلاتوف أن في ظروف الانكماش الاقتصادي في روسيا يمكن شراء أعمال الفنانين السوفييت مقابل مليون دولار وتوقع عائدات «بعشرة أضعاف» منها.

تجرى في لندن مرتين سنوياً مزادات تباع فيها الأعمال الفنية الروسية، وتجتذب الكثير من المشاركين من روسيا. وقد اجتذب آخر مزاد من هذا النوع أكبر عدد من الاستثمارات منذ الرقم القياسي في سنة 2008، عندما بيعت لوحة كازيمير ماليفيتش في مزاد «سوذبيز» في نيويورك مقابل 60 مليون دولار، وهو أعلى سعر للوحة بريشة فنان روسي عبر التاريخ.

الأسعار القياسية

باعت دور المزادات «كريستيز» و«سوذبيز» و«ماك دوغالز» لوحات روسية بما مجموعه 146 مليون دولار، وتبدأ الجولة القادمة من المبيعات يوم الإثنين في «كريستيز».

يزداد أثرى المستثمرين ثراءً، ولذا ترتفع أسعار الأعمال الفنية أكثر فأكثر. وفق معطيات دليل أصحاب المليارات Bloomberg Billionaires Index، ازدادت ثروات أغنى 400 ملياردير خلال السنة بمقدر 275 مليار دولار فوصلت إلى 4.3 تريليون دولار؛ أما ثروة أثرى عشرين روسياً فقد ازدادت أعلى نسبياً، حيث بلغت الزيادة خلال السنة 15٪، وإجمالي أرباحهم 210 مليار دولار.

«ستالين يقرّ مخطط جناح الاتحاد السوفييتي في المعرض العالمي في باريس في سنة 1937»، بريشة ألكساندر بوبنوف

في 11 مايو من هذه السنة اقتنى مجهول لوحة بيكاسو مقابل 179.4 مليون دولار، وهو السعر القياسي للوحة في مزاد. وقبل ذلك بثلاثة أشهر بيعت إحدى لوحات غوغان بيعاً خاصاً مقابل سعر لا يعقل 300 مليون دولار.

تؤكد كريستينا كراسنيانسكايا المدير الفني لمعرض هيريتاج في موسكو، والذي يختص بالفن السوفييتي، أن أعمال الفنانين الروس من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يصعب الحصول عليها أكثر فأكثر، ولذا يلجأ الأثرياء الروس إلى اقتناء الأعمال من جنس الواقعية الاشتراكية، ولكن شعبية هذه الأعمال لا يمكن تفسيرها بقيمتها التجارية فقط.

«الحنين» إلى الماضي السوفييتي

تؤكد كراسنيانسكايا: «بقي الفن السوفييتي منسياً لفترة طويلة، وسبب عودة الاهتمام به في هذه الأيام هو الحنين إلى الماضي».

لم يتجاوز سعر أية من اللوحات من جنس الواقعية الاشتراكية حتى الآن خمسة ملايين دولار، ولكن، وفق رأي يوري تيوختين، مدير دار مزادات سوفكوم في موسكو، يتوقع في العقدين القادمين ازدياد الطلب على هذه اللوحات.

واحد على الأقل من هواة الفنون الأمريكان، راي جونسون، سبق موجة الاهتمام بالواقعية الاشتراكية، حيث أرسل في سنة 1989، أي قبل سنتين من انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، مجموعة من علماء التاريخ والمختصين إلى موسكو، ويملك الآن أكبر مجموعة لوحات واقعية اشتراكية خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق، ومجموعته محفوظة في متحف مينيابوليس.

وقال فيلاتوف الذي تقدر ثروته وفق دليل Bloomberg Billionaires Index بـ500 مليون دولار على الأقل (عدا مجموعة اللوحات) أنه يخطط لفتح متحفه الخاص في لندن أو في مدينة كبيرة أخرى خارج روسيا، وذلك بهدف جذب انتباه الجمهور إلى الأعمال المجهولة للفنانين السوفييت.

تمجيد البروليتاريا

يملك فيلاتوف أسهماً في شركة تشغيل السكك الحديدية Globaltrans Investment Plc ومشغل موانئ Global Ports Investments Plc، كما يترأس اتحاد الشطرنج الروسي لأن الشطرنج هوايته المفضلة.

مجموعة اللوحات التي تمجد البروليتاريا التي يملكها لا تتفوق عليها إلا مجموعة المصرفي ألكسي أنانييف الذي افتتح في موسكو في سنة 2011 متحفه الخاص يعرض أكثر من 500 عمل.

ويؤكد الملياردير الروسي فرهاد أحميدوف الذي يملك حوالي 150 عملاً من جنس الواقعية الاشتراكية أنها «روائع الفن العالمي، وليست مجرد ورقات، فهي تصور العصر السوفييتي، العصر الذي ربيت وترعرعت فيه، العصر الذي لن يعود أبداً». اقتنى أحميدوف منذ شهر لوحة بريشة الفنان التجريدي مارك روثكو مقابل 46.5 مليون دولار.

هناك هاوية بين جنس الواقعية الاشتراكية وبين أعمال تيار الطليعية قبل ثورة سنة 1917 والتي اشتهر بها أكبر الفنانين الروس، بمن فيهم كازيمير ماليفيتش وميخائل لاريونوف وناتاليا غونتشاروفا.

ومن أهم الطليعيين والذي تتمتع أعماله الآن بطلب مرتفع الفنان أليكساندر دينيكا. في أعماله الرياضيون ذوو العضلات المفتولة من شباب وشابات الذين يجسدون المثل الأعلى الديناميكي للعصر السوفييتي. واشتهر فنان آخر من تلك الحقبة، هو يوري بيمينوف، بفضل اللوحات التي تصور حياة الإنسان في المدينة ويظهر فيها الموسكوفيون «السعداء واللبقون».

«رخيصة جداً»

يؤكد مدير سوفكوم تيوختين أن في بداية التسعينات كان من الممكن شراء لوحات دينيكا أو بيمينوف بأسعار زهيدة، بين 5 و50 ألف دولار، وكانت أسعار فناني العصر ما بعد ستالين بين 1 و10 آلاف دولار. بدأت الأسعار بالارتفاع بعد وصول بوتين إلى السلطة وبداية الازدهار الاقتصادي في روسيا بفضل زيادة استخراج وبيع النفط. والآن يصل ثمن هذه اللوحات إلى ملايين الدولارات لكل لوحة.

ومع ذلك، تؤكد كاترين ماك دوغال مديرة دار المزادات «ماك دوغالز» أن هذه الأسعار تبدو منخفضة مقارنةً بأسعار لوحات فنانين آخرين مشهورين عالمياً.

وتقول سارا مانسفيلد رئيسة قسم الفن الروسي في دار مزادات «كريستيز» أن أعمال دينيكا وبيمينوف يصعب الحصول عليها، لذا بدأ هواة جمع الفنون يتصيدون لوحات فنانين آخرين.

ليس فناً بل «قمامة»

قالت مانسفيلد أن هواة جمع الفنون الآن يبحثون عن أعمال فيكتور بوبكوف الذي كان يرسم بما يسمى «الأسلوب الصارم»، وهو أحد تيارات التصوير التي ظهرت بعد وفاة ستالين في سنة 1953. بيعت في السنة الماضية لوحة الفنان غيورغي نيسكي من نفس الأسلوب بسعر قياسي بالنسبة لأعمال ما بعد العصر السوفييتي مقابل 1.76 مليون جنيه استرليني، وهذا ضعف المتوقع في إطار البيع البدئي.

ويعتقد فرانس إسكويت رئيس قسم الفن الروسي في «سوذبيز» أن ما يميز الواقعية الاشتراكية عن الاتجاهات الأخرى للفن التصويري الروسي بالدرجة الأولى هو «عنصر المفاجأة»:

«إن اللوحة التي تعجبك أنت شخصياً تجتذب عادةً عدداً من الجامعين الآخرين، فيرتفع سعرها بالمزاد أضعافاً».

ولكن هناك من لا يتفق مع هذا الرأي.

يسمي جيمس بترويك، تاجر الأعمال الفنية من لندن الذي يعمل مع الفن الروسي، يسمي الواقعية الاشتراكية «قمامة» لن يهتم بها أي جامع أعمال فنية جدي.

ويقول أيفور براكا، تاجر آخر من لندن يختص بالانطباعية والفنانين الأوروبيين المعاصرين، أن الفن الروسي ترك أثراً في الفنون العالمية بفضل الفنانين الطليعيين تحديداً الذين كانوا «أبطال ثوريين حقيقيين في الفن».

ومع ذلك، يقول براكا: «من يدري ما يريد الناس شراءه؟ قد يحدث أن تبدأ الواقعية الاشتراكية تجتذب مبالغ ضخمة من المال».

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق