مهارة التعلم من الأخطاء
Stephane Bidouze / Shutterstock.com
الصفحة الرئيسية طريقة الحياة

الجميع يخطئ، لكن ليس الجميع يعرف كيف يستفيد من ذلك.

راي داليو مؤسس Bridgewater Associates، أحد أكبر صناديق التحوط في العالم. يرد اسمه في مختلف قوائم أكثر ناس العالم نفوذاً وهو بين أغنى 30 شخصاً في أمريكا حيث يبلغ رأس ماله 15.2 مليار دولار (حسب معطيات أكتوبر 2014). داليو ناجح جداً بكل المقاييس.

ما هو سر نجاح داليو؟ في قدرته على الاعتراف بأخطائه والتعلم منها بصورة منهجية.

يقول داليو في وثيقة تقع في 123 صفحة يتحدث فيها عن مبادئه في الإدارة والحياة عموماً:

«عرفت أن الجميع يخطئ ولكل شخص نقاط ضعف، ومن أهم ما يميز الناس عن بعضهم مقاربتهم للتصرف مع الأخطاء. عرفت أن الأخطاء فيها جمال غير معقول لأن كل خطأ يعكس على الأغلب شيئاً مما أفعله بصورة خاطئة، وإذا فهمت أين الخطأ يمكن أن أتعلم كيف أكون ناجحاً أكثر».

التعلم من الأخطاء: القول أسهل من الفعل؟

يؤكد عالم النفس الاجتماعي إليوت آرونسون في كتابه «الأخطاء المرتكبة (من قبل غيري)» أن دماغنا يعمل باستمرار على صيانة الصورة الإيجابية عن النفس فيجعلنا نعتقد أننا نفعل كل شيء كما يجب. وهذه «البقع العمياء لحماية الأنا»، كما يقول آرونسون، شائعة جداً: فحتى المدعي في المباحث الجنائية يصعب عليه الاعتراف بحصول أخطاء، حتى بوجود أدلة واضحة مثل عينات الدنا.

فضلاً عن ذلك، قد لا يكون واضحاً في كل الأحيان ما هو المعنى العملي للعبارة «التعلم من الأخطاء». إن لم يكن لديك خطة واضحة، فقد تتوقف عند السؤال «أين الخطأ؟»، وهذا قد يكون أسوأ من تجاهل الخطأ كلياً: فأنت لم تتعلم شيئاً جديداً، وفوق ذلك تشعر بالذنب.

وخلال ترقي داليو في مسيرته المهنية قام بتطوير مجموعة منهجية من مبادئ تحليل الأخطاء في شركته والأسئلة التي يجب أن يطرحها على نفسه عندما تسير الأمور على غير ما يرام. وبتأثير قوي من مبادئ وأسئلة داليو تم تطوير سلسلة مختصرة من الخطوات التي يمكن لأي شخص استخدامها بكل سهولة لتحليل أخطائه وتجنب ارتكابها في المستقبل، وذلك في موقع ClearerThinking.org الذي يقدم دورات مجانية على الإنترنت حول طريقة تجنب الأفخاخ العقلية والوصول إلى قرارات أكثر عقلانية. تشمل هذه الخطوات ستة أسئلة عليك أن تطرحها على نفسك كلما ارتكبت خطأ وتريد أن تكتشف بواسطته شيئاً مفيدا، وثلاثة مبادئ أساسية يجب إدراكها لزيادة كفاءة التعلم من الأخطاء.

الأسئلة الستة

1. أين الخطأ؟

عندما ترتكب خطأ، قد لا يتضح على الفور أين موضع هذا الخطأ. قد يكون لديك تصور مبهم عن العوامل التي ساهمت في ظهور المشكلة، لكنك قد لا ترى بوضوح سلسلة الأحداث التي أدت إلى الخطأ. اكتب قائمة بالعوامل أو الأحداث المحددة، لأن هذا سيساعد على التفكير بالأسباب المباشرة والأسباب العميقة للمشكلة وتحديد الأفعال التي أوصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه.

2. هل حدث لك ارتكاب أخطاء مماثلة سابقاً؟

إذا كانت هذه أول مرة خلال 20 سنة تنسى فيها أن ترسل بطاقة تهنئة عيد الميلاد لأمك، سيختلف ارتكاسك للخطأ مما لو كنت تنسى ذلك كل سنة تقريباً. ويسمح طرح هذا السؤال على نفسك – هل ارتكبت هذا الخطأ سابقاً – بتحديد حجم رد الفعل: هل عليك مجابهة هذا الوضع فقط أم ستضطر إلى التعامل مع مشكلة أساسية أعمق من ذلك.

إذا لم تنس سابقاً عيد ميلاد أمك، فاسأل نفسك ما الذي جعلك تنساه في هذه الحالة؟ ربما كان عندك عمل يفوق الطاقة ما جعلك تنسى أكثر من المعتاد؛ أما إذا كان الأمر قد حدث سابقاً مراراً، فالأفضل أن تبحث أعمق: هل أنت كثير النسيان أكثر من المعتاد، وهل يمكنك فعل شيء ما لتغيير ذلك؟

3. ما هو السبب المباشر للمشكلة؟

ينبغي بعد ذلك تحديد السبب المباشر للمشكلة. تختلف الأسباب المباشرة من مرة إلى أخرى وتتعلق عادةً بفعل محدد قمت به أو لم تقم. مثلاً، إذا لم تستطع إنهاء المشروع خلال الأجل المحدد فقد يكون السبب المباشر أنك لم تستطع تخطيط وقتك بالشكل المناسب وأخذت على عاتقك في الأسابيع الأخيرة واجبات إضافية أكثر مما يسمح الوضع.

4. ما هو السبب العميق للمشكلة؟

بعد أن حددت السبب المباشر، اسأل نفسك ما إذا كان للمشكلة أسس أعمق. الأسباب العميقة أكثر عموميةً عادةً، ويمكن وصفها في أحيان كثيرة كصفاتك أو ميولك الشخصية.

إذا عدنا إلى مثال المشروع الذي لم ينفَّذ في أجله المحدد، فقد يكون سبب المشكلة غياب مهارات إدارة الوقت لديك أو ميلك لقبول مهام أكثر مما تستطيع تنفيذه.

5. ماذا تستطيع أن تفعل لتصويب المشكلة على المدى القريب؟

بعد كشف السبب المباشر للمشكلة حاول أن تجد لها حلاً على المدى القريب. جهز خطة عمل محددة تسمح بالتغلب على المشكلة والعودة إلى المسار الطبيعي على أكمل وجه. في المثال عن نسيان عيد الميلاد قد يكون الحل الجيد أن تتصل بأمك هاتفياً وتعتذر منها وترسل إليها البطاقة ولو أنها متأخرة وهدية غير عادية وتأمل أنها ستتفهم الأمر.

6. ماذا تستطيع أن تفعل لتجنب مشاكل مشابهة على المدى البعيد؟

وأخيراً، لا سيما إن كنت قد ارتكبت أخطاء مماثلة في الماضي، اقض بعض الوقت في التفكير عن تجنب تكرارها في المستقبل. قد يكون هذا أصعب مرحلة من العملية، لكنها جديرة بالعناء والزمن.

فكر في السبب العميق للمشكلة التي اكتشفتها: أيٌّ من عاداتك وميولك أدت إلى هذا الخطأ؟ هل هناك قاعدة ما يمكن اعتبار الهفوة التي تدرسها حالة خاصة منها؟ ماذا تشبه هذه القاعدة؟ متى أدركت القاعدة يمكنك أن تبدأ عملية عصف دماغي للبحث عن طريقة تغييرها. إذا اقتصرت المشاكل على عادات محددة (أو غياب عادات محددة) فما هي العادات الجديدة التي يمكن اكتسابها لتجنب مشاكل مماثلة في المستقبل؟ مثلاً إذا كان عندك ميل في التأخر عن تسليم المشاريع في أجلها المحدد، يمكن أن تبدأ باستعمال مفكرة لتخطيط وقت كاف للعمل على مشاريع طويلة.

المبادئ الرئيسية الثلاثة

من المفيد أن يكون عندك خوارزمية لحل المشاكل فور ظهورها، ولكن لا يقل فائدةً أن يكون عندك عدد من المبادئ التي يمكن اتباعها باستمرار.

1. «تذكر أن أغلب المشاكل هي إشارة مباشرة إلى تحسينات ممكنة».

الخطوة الأولى نحو التعلم من أخطائك هي أن تتذكر أنك تستطيع التعلم منها. قد يبدو هذا بديهياً، ولكن في الواقع أغلب الناس لا يعتبرون أخطاءهم فرصةً للتعلم. إذا استطعت استيعاب هذا، تستطيع أن تحول أكبر حالة فشل إلى خبرة إيجابية. تشير الدراسات إلى أن الناس الذين يعتبرون أنهم يستطيعون التعلم من أخطائهم يختلف رد فعلهم على المستوى العصبي ويسترجعون توازنهم بسرعة بعد الفشل.

2. «كن صريحاً مع نفسك فيما يتعلق بنواقصك».

من الطبيعي أن تحاول إخفاء عيوبك عن الآخرين وحتى عن نفسك. ولكن التستر على النواقص لا يعني التخلص منها، فهي تبقى ثابتة في الأعماق مخفية عن الناظرين تؤثر على تصرفاتك وأفكارك مهما نجحت في تجاهلها. ولن تستطيع تصويبها بالفعل إلا إذا كنت صريحاً مع نفسك.

3. «حدد دائماً السبب المباشر والسبب العميق لمشكلتك على حد سواء».

لكل خطأ نوعان من الأسباب: السبب المباشر المتعلق بالوضع الراهن والسبب العميق، وهو أكثر عمومية ويرتبط بميولك وسلوكياتك المعتادة.

من المهم فهم هذه الأسباب معاً: إذا كشفت أحدها فقط، فأنت لا ترى إلا نصف المشكلة. يساعد إدراك السبب المباشر على حل المشكلة على المدى القريب، وإدراك السبب العميق يسمح بتجنب تكررها في المستقبل.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق