الحقيقة عن أزمة منتصف العمر
الصفحة الرئيسية طريقة الحياة

كيف تجتاز أزمة منتصف العمر كيلا تندم أشد الندم في آخر عمرك.

افتح زجاجة شمبانيا أو عبوة بروزاك للاحتفال بعيد الميلاد الخمسين لأزمة منتصف العمر. كان المحلل النفسي الكندي جاك إليوت أول من استخدم هذا المصطلح. الأمر منطقي: ظهرت ونمت أزمة منتصف العمر مع الجيل الأناني الذي جعل النرجسية التيار السائد. والآن، بينما يتقدم في السن ويتقاعد ممثلو جيل المولودين بعد الحرب العالمية الثانية، جاء دور الجيل التالي أن يستيقظ يوماً ليدرك أن نصف عمره قد مضى.

1.تأتي الأزمة مع مرحلة النضج

يتجادل علماء النفس حول مدى شيوع تحول الاكتئاب المعتاد في منتصف العمر إلى مستوى الأزمة. يقول جيرالد لي شابيرو، أستاذ العلاج النفسي بجامعة سانتا كلارا ومؤلف كتاب «البحث عن المغزى ومواجهة المخاوف في خريف العمر (45−65)» (Finding Meaning, Facing Fears In the Autumn of Your Years):

«هناك صورة نمطية لرجل في الخمسين يجري فجأة زرع الشعر ويشتري سيارة رياضية حمراء ويأتي بعشيقة شابة، ولكن أكثر ما يحدث هذا في أفلام الهوليود»

وفق بعض التقديرات، يمر 10٪ إلى 15٪ من الناس في منتصف العمر (وغالباً يعتبر أنه الفترة بين 45 و60 سنة) بأزمة كثيراً ما تترافق بتصرفات راديكالية مثل ترك العمل أو الزوج. ويقول أندرو أوسوالد أستاذ الاقتصاد في جامعة ووريك البريطانية الذي كرس حياته لدراسة حالة السعادة، يقول أن في الولايات المتحدة وبريطانيا تصادف ذروة استهلاك مضادات الاكتئاب عمر 45 سنة.

ولكن الخبراء يقولون أن في أغلب الأحيان لا تؤدي هذه القضايا إلى تغيرات جذرية في الحياة. ويقول ستانلي تايتلباوم، عالم النفس الممارس من نيويورك ومؤلف كتاب «الأوهام وخيبة الأمل: المشاكل الرئيسية في العلاج النفسي» (Illusion and disillusionment: core issues in psychotherapy) أن الناس يتساءلون عادةً: «أين أنا؟ وماذا كنت في الماضي وما الذي سيحدث لي في المستقبل؟»

مهما كان، منتصف العمر مرحلة انتقالية تمثل نقطة إعادة تقييم الأولويات. يقول شابيرو: «إنها فرصة ممتازة للنمو متى تحقق الإدراك اللازم والرغبة في استغلالها».

2.لست فريداً

يواجه أغلب الناس في عمر النضج سقف الترقي المهني. يشرح أوسوالد: «لا يمكن أن يصبح كل واحد منا رئيس شركة أو فائزاً بجائزة نوبل أو بطلاً أولمبياً»، ويرتعب الكثيرون عندما يدركون ذلك.

عدا ذلك، إنه العمر الذي يقع الإنسان فيه تحت ضغوط المسؤوليات في رعاية أولاده ووالديه المسنين ومسيرته المهنية.

العجيب أن العلماء اكتشفوا خلال بحثهم عن أسباب أزمة منتصف العمر ظواهر مماثلة عند الحيوانات. نشر أوسوالد وزملاؤه في سنة 2012 في مجلة PNAS دراسة تبين أن القردة الشبيهة بالإنسان يلاحظ عندها أيضاً انخفاض مستوى السعادة في عمر النضج، ولا تغفل استنتاجات المقالة الأسباب الخارجية، أي الاجتماعية، لهذه الأزمات، ولكن المؤلفين يفترضون أن أساسها قد يكون بيولوجياً أيضاً.

3.هل تأخرت في الإنجاب؟ ستتأخر أزمة منتصف العمر عندك

حسب معطيات مراكز مكافحة الأمراض واتقائها، ازداد عدد النساء اللاتي تنجبن أول مرة في عمر 40−44 سنة خلال الفترة من 1985 حتى 2012 أكثر من أربعة أضعاف: من 0.5 حتى 2.3 لكل ألف امرأة. وتقول كارول لانداو الأستاذ في الطب والطب النفساني السريري وسلوك الإنسان في كلية طب وورن ألبرت بجامعة براون أن الناس الذين لديهم أطفال صغار يعيشون كما لو في حالة صراع من أجل البقاء، ولهذا السبب، مع أنهم بلغوا عمر النضج، يلهيهم تغيير الحفاضات عن المسائل الفلسفية الوجودية، وربما لن يجدوا وقتاً لمعالجتها إلا بعد أن يكبر أولادهم ويغادرون البيت.

ولكن آراء المختصين حول هذا الأمر تختلف. مثلاً، أوسوالد غير متأكد أن وجود الأطفال يزيح وقت بداية الأزمة. تشمل دراساته مختلف الثقافات بل تتعداها إلى القردة وتأخذ في الحسبان (عند البشر طبعاً) تأثير المستوى التعليمي والوضع الاجتماعي الاقتصادي ووجود الأولاد. تثبت دراسات أوسوالد انخفاض مستوى السعادة في عمر النضج بصورة مستقلة عن ظروف الحياة.

4.الطلاق بحثاً عن جديد

الأزواج الذين ينفصلون في عمر النضج قد لا يبحثون عن شريك حياة أصغر عمراً بل يتوقون إلى الجديد. تقدم جين فيتزباتريك الاستشارات لسكان نيويورك في موضوع العلاقات الأسرية، وتقول أن الزواج المستقر يعطي الراحة، والراحة ليس فيها إلهام ولا إثارة جنسية.

ولذلك، فعندما تفتر الانفعالات والعواطف يتصرف الناس كما اعتادوا: يفكرون بتجربة إصدارة جديدة. في عصرنا، عندما يمكن أن توصي على أي بضاعة فتصلك إلى بيتك، ثم تعيدها إن لم تعجبك، يفكر الناس هكذا: «أريد أن أعيد هذا الشريك وأسترجع نقودي».

بالتأكيد، في بعض العائلات يتباعد الزوجان إلى درجة لا عودة عنها، ولهؤلاء قد يكون الطلاق هو الحل الأمثل. ولكن علماء النفس يقولون أن الكثير من الأسر يمكن إنقاذها. تطلب فيتزباتريك من مراجعيها أحياناً أن ينظروا إلى الزواج على أنه عملية بناء العلاقات المشتركة وليس انتقاء بضاعة في السوق، وتقول أن هذا يمكن في أحيان كثيرة أن يعيد الدفء إلى العلاقات التي جمعت بين الزوجين.

ويقول تايتلباوم أن خبرته تشير أن الأسر المريضة تنتظر سبع سنوات قبل أن تطلب عناية المختصين، وتؤكد نتائج الدراسات كلامه: فقد تبين في دراسة مشهورة نشرت في التسعينات أن متوسط هذه الفترة ست سنوات، حيث يتراكم الكثير من دواعي الانزعاج والزعل بين الزوجين فتصعب معالجة الموضوع.

5.لن تتحمل ثمن البيت واليخت والسيارة والطلاق

أزمة منتصف العمر تكلف كثيراً. الحصول على رخصة طيار يكلف حوالي 10 آلاف دولار وعملية شد الوجه حوالي 15 ألفاً ودراجة هارلي ديفيدسون 20 ألفاً، إلا أن هذا ليس غالياً مقارنةً بالطلاق، حسب قول جو هايدر رئيس Cirrus Wealth Management في كليفلاند. تتفاوت النفقات كثيراً حسب الظروف. مثلاً، في الولايات المتحدة يكلف الطلاق بموافقة الطرفين مثل سيارة متوسطة، أما إذا كان هناك خلاف قضائي فقد تتجاوز الكلفة سعر سيارة Tesla.

يشعر الكثيرون من زبائن هايدر برغبة في تبذير النقود للتباهي أمام الناس، وما يوصي به هايدر هو الاعتدال. يقول الدكتور هايدر الذي اشترى لنفسه سيارة Alfa Romeo حمراء مكشوفة عندما كان في التاسعة والثلاثين: «النقود ليست إلا وسيلة».

طبعاً، ما يقوم به هايدر بالدرجة الأولى هو مساعدة زبائنه في تقدير ما إذا كانوا يعرضون للخطر ادخاراتهم التقاعدية عندما يحاولون «التعويض عما فاتهم». أحد زبائنه، في نهاية عقده الخامس، باع شركته فحصل على مبلغ مالي ملموس فأراد شراء بيت كبير ويخت وفيلا، ومع أن المبلغ كان كافياً، نبهه هايدر إلى أنه في هذه الحالة لا يترك لنفسه ادخارات تقاعدية فنصحه بأن يكتفي بشراء واحد من تلك الأغراض.

ويقول المستشارون الماليون بكل حق أن الإنسان في عمر النضج يجب أن يقتصر في نفقاته على دخله الجاري دون أن يمس مدخراته أو يراكم الديون.

6.الشركات تستغل قلقك

وفق معطيات BCC Research، يقدر حجم السوق العالمي للمنتجات المضادة للتشيخ في سنة 2013 بحوالي 261.9 مليار دولار، بينما منذ 6 سنوات لم يتجاوز 162 مليار دولار.

الثقافة الأمريكية كانت تعطي دائماً قيمة عالية للشباب والحيوية، ولكن الخبراء يقولون أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت هاجس الشباب يأخذ مكانة أعلى. تقول لانداو أن الضغوط الاجتماعية صارت أقوى بكثير في عصرنا. وفعلاً، تبين من استطلاع أعضاء الأكاديمية الأمريكية لجراحة تجميل الوجه أن ثلث الجراحين لاحظوا زيادة الطلب على تجميل الوجه بدافع الاهتمام بالمظهر في الشبكات الاجتماعية.

تشكل النساء الأغلبية الساحقة من مرضى جراحة التجميل (92٪ في سنة 2014)، ولكن قلق الرجال في بداية عمر الشيخوخة تستهدفها الشركات بدعاياتها أيضاً. جزء لا يستهان به من الدعايات التلفزيونية يروج لأدوية مكافحة انخفاض مستوى التستوستيرون.

يشعر الكثيرون من الرجال في منتصف العمر بفتور القوى والحيوية، إلا أن أغلبهم، حسب ما يقول الأطباء، لا يحتاجون إلى أدوية. يصادف قصور الغدد التناسلية فعلاً، ويحتاج إلى علاج بالهرمونات، إلا أن نسبته تتراوح من 0.5٪ و10٪ عند الرجال في منتصف العمر والمسنين. ويقول توماس بيرلز، اختصاصي طب الشيخوخة في مركز بوسطن الطبي وأستاذ جامعة بوسطن الطبية أن ما يحتاجه أغلب الرجال ليس التستوستيرون بل أسلوب حياة نشط وخفض الوزن.

أصدر موظفو إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية في مارس الماضي إنذاراً يمنع استخدام التستوستيرون في التشيخ الطبيعي وفرضوا على منتجي الأدوية أن ينبهوا المرضى أن منتجات التستوستيرون تزيد خطر النشبة واحتشاء العضلة القلبية. ويقول بيرلز أن الدعايات صارت أقل بعد ذلك.

أما سوق هرمونات «المثيلات الحيوية» للمسنين الذي لا يخضع لرقابة إدارة الأغذية والأدوية فيزدهر. هذه الهرمونات تماثل الهرمونات البشرية من حيث بنيتها الجزيئية، لكنها مصنوعة في المختبر. وفق معطيات وكالة التحليل inThought، سوق مضادات أعراض سن الإياس وحده يتجاوز 800 مليون دولار.

7.العشب ليس أكثر خضاراً على الضفة الأخرى

يقول شابيرو أن منتصف العمر يترافق بشعور بالانحطاط. يعيش المرء حياته المعتادة سواء في عمله أم علاقاته مع شريكه لكنه يشعر برضا أقل. يقول شابيرو: «تختلف إمكانياتنا ومتطلباتنا في مختلف مراحل العمر».

وينصح بعدم التخلي دون تفكير عما لم يعد يعجبك، سواء العمل أو العلاقات، إنما أن تنظر في قلبك لتدرك ما الذي تسعى إليه فعلاً. يقول شابيرو:

«لن يتغير شيء بلا تحليل ذاتي: ستتزوج ثانية ثم ثالثة ورابعة، إلا أن المشاكل ستبقى كما كانت لأنك أنت بقيت كما كنت».

وفعلاً: الإحساس بالجديد يمضى مع الزمن. تقول فيتزباتريك عمن يحلمون بعلاقات رومانسية جديدة: «زوجك قارة، والشريك الجديد جزيرة، وبعد فترة ستظهر هناك المشاكل ذاتها».

ويلاحظ شابيرو أنه عندما يضع الزوجان نصب أعينهم هدف إحياء العلاقة يجدان في الغالب الطريقة الملائمة. مثلاً، إذا تخلى أحدهم يوماً عن هوايته من أجل العمل والأسرة، فالعودة إليها يمكن أن تجلب رضا عميقاً.

8.أتبحث عن مصدر الشباب؟ اذهب إلى النادي الرياضي

لن تخبرك دعاية الكريم المضاد للتجاعيد، ولا بروشورات جراحي التجميل، أن خير وسيلة مضادة للتشيخ رخيصة أو مجانية: التمارين الرياضية تحسن مرونة الجلد وتجعل الجسم أكثر جمالاً، وحسب الدراسات، زيادة النشاط البدني تحسن عمل الدماغ. ويؤكد الخبراء على أن العديد من الدراسات العلمية المقنعة تثبت أنه من الأفضل، قبل أن تقرر إجراء عملية تجميل، أن تحاول أولاً النهوض من أريكتك.

طبعاً، من الصعب تقبل هذه الفكرة وتطبيقها عملياً في ثقافتنا المعتادة على النتيجة الفورية، ولكن يمكن أن يدعم الأصدقاء بعضهم في تطبيقها في مرحلة تشكيل العادة، ويعود ذلك بالنفع المزدوج: تروي لصديقك مشاكلك وأنت تتدرب فيستمع إليك. تسمي لانداو هذا «علاجاً اجتماعياً»، لكنها تعترف بأن الطلب عليه في المجتمع الرأسمالي قليل لأن ليس فيه ما يمكن بيعه.

9.لا يمنعك أحد من التخلص من التجاعيد

عمر النضج هو الفترة التي يصبح الإنسان فيها فريسة مرغوبة لجراحي التجميل. وفق معطيات الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل، شكل الناس بأعمار بين 40 و54 سنة 49٪ من إجمالي المرضى الذين خضعوا لجراحة التجميل في سنة 2014. ولا تزال شعبية الإجراءات قليلة البضع، مثل حقن البوتوكس، في تزايد بلغ 4٪ في سنة 2014 مقارنة مع السنة 2013.

ويلاحظ ديفيد سوروير، أستاذ علم النفس والمستشار في مركز مظهر الإنسان في كلية بيرلمان الطبية بجامعة بنسيلفانيا أن عمليات التجميل قد تخلصت في السنوات الأخيرة من الوصمة المرافقة لها. المهم هو تحديد الأهداف بالطريقة الصحيحة. يجب أن يكون الدافع لإجراء العملية ذاتياً وليس بضغط من الشريك أو رب العمل، ويجب أن يكون الانزعاج من عيب بدني واضح بحيث يلاحظه أي شخص، وأن تكون التوقعات حول نتيجة التجميل واقعية.

10.الأمور ستتحسن

أثبت أوسوالد في التسعينات أن مستوى السعادة على مر السنين يتبع منحنياً على شكل حرف U: يبدأ الناس بمرحلة الشباب المتفائل، ثم ينخفض مستوى السعادة تدريجياً ليبلغ الحضيض حول عمر الخمسين، ويرى أوسوالد أنه من المهم أن يدرك الناس أن انخفاض مستوى السعادة في هذا العمر أمر طبيعي.

ولكن هناك ملاحظة عجيبة: بعد هذا العمر يبدأ مستوى السعادة بالتزايد مرة أخرى، وحتى في الثقافات التي تتغنى بعمر الشباب تجد المسنين هم الأكثر سعادة. وفق دراسة مديدة أجراها فريق NORC من جامعة شيكاغو، فإن مستوى السعادة في الفئة العمرية «أكبر من 65 سنة» هو الأعلى بين كل الفئات العمرية.

ويشرح الخبراء أن المسنين يتعلمون كيف يفرحون للأمور العادية، بينما في عمر الشباب هناك الكثير من البحث والمحاولات وخيبة الأمل. ويلاحظ أوسوالد أن الطاعنين في السن يعانون من مشاكل صحية، ومع ذلك هناك الكثير من الأمور الجيدة أمامك عندما تكون في الخمسين.

صحيح أن الجمال في هذا العمر يذوي، ولكن العقل يستمر في التقدم، بل أنه، وفق قول أوسوالد، يباشر في التسارع.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق