إذا راقبنا بانتباه المراسلة الإلكترونية لدى جوبز يجوز استخراج منها بعض العبر. فلنقدم أهمها.
كتب ستيف جوبز المعترف ببصيرته والمؤسس المشارك لـ Apple خلال حياته عدة آلاف رسالة إلكترونية، ولم يتم النشر إلا الجزء القليل منها، ومعظمها ردود قصيرة على شكاوى العملاء.
ومع ذلك توجد عدة أمثلة على المراسلة الكاملة، فلننظر في واحد منها ولنحاول أن نتعلم شيئاً ما.
ملاحظة: صارت هذه الرسالة ملكاً عاماً لاستعمالها بمثابة برهان في المقاضاة حيث اتهموا شركة Apple بالتآمر بغرض رفع أسعار الكتب الإلكترونية مخالفة بذلك قانون منع الاحتكار. لم تعترف Apple بذنبها ولكن خسرت الدعوى القضائية فقدمت طلب الاستئناف، إلا أن المحكمة العليا للولايات المتحدة رفضت ذلك. في آخر الأمر كلفت تسوية القضية للشركة 450 مليون دولار.
سياق الرسالة: في عام 2010 كان جوبز و Apple يستعدان للإخراج إلى السوق الكمبيوتر اللوحي iPad. من المهم هو جواز قراءة الكتب عليه مثلما هو على Amazon Kindle التي كانت في تلك الآونة تباع منذ سنوات. لذا كان على Apple جذب في iTunes أكبر قدر ممكن من دور النشر لتقديم إمكانية اختيار الكتب للمستخدمين.
في آخر الأمر وقعت أربعة دور النشر الكبيرة اتفاقيات الشراكة، ولكن واحد آخر ألا وهو HarperCollins لم يرغب في إجراء مجراها. تمت المفاوضات النهائية على المستوى الأعلى أي بين جوبز وجيمس ميوردك المدير التنفيذي في News Corp. (الشركة الرئيسة لدى دار النشر تلك).
كان ميوردك متأكداً أن شركته (وشركائها) قادرة على الموافقة على الشروط التي قدمتها Apple ولا سيما فيما يخص حجم الخصومات. لذا كتب جوبز الرسالة حيث كان يقنع HarperCollins الانضمام إلى الشراكة.
وهذا هو نص الرسالة:
يجوز استخراج من هذه الرسالة عدة دروس قيمة، لنقوم بترتيبها.
1. ينادي جوبز محدثه باسمه
هذه الرسالة هي جزء من المراسلة التي استمرت لذاك الحين يومين على الأقل، إذاً ففي جوهرة الأمر لم تكن هنالك حاجة لنداء ميوردك باسمه، ومع ذلك بقي جوبز يفعل هذا، لماذا؟
بالطبع لن نستطع الآن معرفة السبب الحقيقي ولكن من المعروف بصورة تقريبية لماذا يفعل جوبز ذلك، فعندما يناديه باسمه إنه يعيد علاقة الثقة فيقول: "اسمع أنا أعرفك وأنت تعرفني، نحن في طرف واحد".
الاستنتاج: نحن لا نقترح ابتداء كل رسالة (ولا سيما في منتصف المراسلة) بالنداء بالاسم، ولكن إذا كنت تحاول توصيل إلى محدثك فكرة مهمة جداً تذكر عبارة ديل كارنيجي الشهيرة:
"بالنسبة للإنسان صوت اسمه هو أحلى وأهم صوت في نطق الإنسان".
2. الرسالة مدروسة بصورة جيدة
لا نعرف كم من الوقت كان يفكر جوبز في هذه الرسالة، ولكن يبدو أنه كتبها ليس خلال دقيقتين، فقد عبر عن موقفه ببساطة ووضوح.
فقد كتب: " نعم إن أمازون تبيع هذه الكتب بـ9,99 دولار. من يدري ربما هم على حق، أما نحن سنفشل حتى مع سعر 12,99. ولكن نريد أن نجرب. أما الأسعار الأعلى من هذه فحتماً ستكون قراراً فاشلاً".
إنه يستخدم لغة عادية دون فصاحة اللسان وتفخيم الرسالة، ويظهر قابليته للتأثير متكلما عن احتمال عدم الموضوعية واستعداده على التعلم من أخطائه. ومن ثم يصف ثلاثة خيارات التصرف وذلك بتفكيك الموضوع إلى مكوناته البسيطة محاولاً تحفيز ميوردك إلى اتخاذ قرار.
الاستنتاج: لا تستعجل في إرسال رسالة، بل انظر إليها وكأنها إمكانية التأثير على شخص آخر أو إقناعه أو ربط علاقات معه. إذا كانت هذه الرسالة بمكان كبير من الأهمية فاكتب مسودة ثم راجعها بعد مضي وقت بغرض القراءة والتعديل. حاول قراءة رسالتك متصوراً أنك أنت المستلم. وبعد ذلك اطرح لنفسك عدة أسئلة:
- هل يمكن تسمية هذه الرسالة بالواضحة والمنطقية والموزونة؟
- هل يسهل قراءتها؟ (من المفيد تقسيم الرسالة إلى بنود مثلما فعل جوبز)
- ألن أندم فيما بعد على كتابتي إياها؟
- ألم أفرط في الكتابة؟
قم بتعديل الرسالة إلى أن تضع مقابل كل بند علامة. تذكر أنه ليس هناك ضرورة من ناحيتك أن تترك انطباعاً أو تكثر من الرطانة، فالناس سواء الرؤساء أو الشركاء يفضلون رؤية محدثهم كإنسان واقعي.
3. الرسالة مكتوبة بلغة جيدة
اللغة الحية المنطوقة والصورة الحقيقية لا يعنيان التقصير في كتابة النص، فمن المعروف أن من يفكر بوضوح يسرد كذلك بوضوح.
- علامات الترقيم
- الإملاء
- النحو
- بناء الجملة
أتظن أن هذا وقع صدفة؟ هيهات.
الاستنتاج: انتبه إلى التفاصيل. أولاً هكذا يكون صوغ أفكارك أسهل، وثانياً هذا يساعد على الإبراز من الجمهور وترك الانطباع الجيد عن نفسك.
4. الرسالة تأخذ بالحسبان مشاعر المحدث
حين يفرضون على الإنسان قراراً أو يحرمونه من حق الاختيار هذا يثير الاحتجاج. لذا ألفت انتباهك إلى السطر الأخير المهم جداً: " ربما غاب عني شيء ولكني لا أرى خيارات أخرى، وماذا عنك؟"
ففي هاتين الجملتين البسيطتين يذيع جوبز عن ثقته بنفسه واستكانته في آن واحد كما ويعطي تمريراً لميوردك الذي يحق له ألا يوافق ويقدم حله.
ولكننا نعرف أنه بعد يومين وافقوا في HarperCollins مع شروط Apple.
الاستنتاج: من المهم ألا يشعر المحدث نفسه بيدقاً في لعبتكم وإنما جزءاً من العملية، ومن أجل هذا ينبغي الإصغاء إلى الناس وحساب مشكلاتهم والاعتراف بأخطائك. وهكذا ستكسب ثقة الإنسان ما يمنحك إمكانية في التقدم إلى الأمام ليس سريعاً فحسب بل وبفعالية أكثر، وذلك لأن محدثك سيقص لك بنفسه كيف يرى المشكلة فتقومان بحلها سوية.
5. جوبز يودع
قد يبدو لك هذا التفصيل قليل الأهمية، وذلك لأنه في مراسلة كهذه حيث يقصد استئناف الحديث لا داعي للوداع. ومع ذلك فلا بد من التذكر أن التوقيع هو الشيء الأخير ما يقرؤه محدثك فلذا لا داعي للإغفال عن هذه الأداة. في مثل هذا الحال "السلام" يظهر الاحترام والعلاقة الشخصية الطيبة.
الاستنتاج: حين تراسل إنساناً فإنك تربط معه علاقات أو تحافظ عليها. في غالب الأحيان لا ننهي المكالمة الهاتفية دون وداع، إذاً لا داعي فعل الشيء نفسه في المراسلة الإلكترونية باستثناء الحالات الخاصة. إذاً يجب أن تكون الرسالة مدروسة بشكل جيد وواضحة ومفهومة ومختصرة ومهذبة.
الشيء الأهم: فكر بمشاعر محدثك.
عندئذ سينظرون في رسائلك على أساس أنها نموذجية.