الصحفي في BloombergView ليونيد بيرشيدسكي: النظام السوري يأمل بمساعدة روسيا، ولكن الكرملين لا يريد أفغانستان أخرى.
هناك سبب وجيه لعدم قدرة بوتين على الانتصار في الحرب بدل بشار الأسد. مثلما كانت الحال في المشاركة المحدودة لروسيا في النزاع في شرق أوكرانيا، لا يريد بوتين وقوع خسائر لأن حتى جهاز الدعاية الجبار تحت يده لن يستطيع إخفاءها.
اعترفت روسيا الثلاثاء بأول وفاة بين العسكريين الروس في سوريا: فاديم كوستينكو، فني في القوات الجوية البالغ من العمر 19 سنة. ولم تقدم وزارة الدفاع – التي نفت نفياً قاطعاً في السابق جميع المعلومات عن الخسائر – لم تقدم هذه المعلومات طوعاً، فقد اكتشفت المعلومات عن مقتل كوستينكو جماعة Conflict Intelligence Team، فريق من المتطوعين الذي يرأسه المدون روسلان ليلييف، والذي يقوم برصد الشبكات الاجتماعية من أجل متابعة نشاطات العسكريين الروس.
ويستخدم Conflict Intelligence Team نفس الطريقة لمتابعة وجود الجيش الروسي في أوكرانيا والأخبار عن الضحايا: فهي تمشط الشبكات الاجتماعية بحثاً عن حسابات الجنود من القطعات التي يحتمل مشاركتها في الحملة أو حسابات أصدقائهم. وعندما اكتشفوا نعوة كوستينكو اتصلوا بأقاربه وأصدقائه للتحقق من الموت فعرفوا أن ممثل القطعة العسكرية التي خدم فيها كوستينكو أبلغ أسرته أن الجندي قد انتحر.
وصرحت وزارة الدفاع يوم الثلاثاء أن بناء على الرسائل في الهاتف المحمول لكوستينكو فقد تخاصم مع صديقته. على كلٍّ، والدا كوستينكو وأخته لا يصدقون ذلك، ويؤكدون أن الشاب تحدث معهم بالهاتف يوم وفاته وكان مزاجه حسناً وعلاقاته مع صديقته كانت ممتازة، حيث كانا يخططان لعقد القران.
محاولة وزارة الدفاع التستر على الحادث والفرضية الضعيفة حول الانتحار يشيران إلى أن العسكريين الروس لا يريدون الاعتراف بالخسائر.
يفترض أن العملية السورية لا تكلف روسيا كثيراً. وهذا صحيح نسبياً. ففي الأسبوع الماضي قامت The Moscow Times مع الفريق البحثي IHS Jane's بتقدير تكاليف الحملة. حسب توقعاتهم، تنفق روسيا حوالي 710 آلاف دولار يومياً على الطلعات القتالية و750 ألفاً على الذخائر و440 ألفاً على دعم جنودها في سوريا و200 ألف للمحافظة على وجودها البحري و250 ألفاً على اللوجستيات والاستطلاع والاتصالات، ويمكن أن يصل الإجمالي إلى 4 ملايين دولار يومياً، وهذا لا شيء مقارنةً بالميزانية الدفاعية الروسية البالغة 50 مليار دولار. إذا استمرت الحرب بهذه الشدة فستكلف البلاد 1.25 مليار دولار، كالمبلغ الذي أنفقته على وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة منذ بداية السنة، ومن وجهة نظر الدعاية قد تكون الحرب أكثر فعالية.
وللأسف، تكاليف هذه الحملة بالأرواح البشرية أمر آخر تماماً. صرح مركز ليفادا، واحد من مؤسسات استطلاع الرأي العام المستقلة القليلة المتبقية في روسيا، أن في بداية أكتوبر، أي بعد بداية العملية في سوريا مباشرةً، أيد 72٪ من الروس فكرة قصف مواقع «الدولة الإسلامية»، ومع ذلك عبر 46٪ منهم عن قلقهم حول احتمال تورط روسيا في النزاع السوري كما حدث في أفغانستان في الثمانينات.
بوتين حاكم استبدادي، لكنه يدرك أهمية الرأي العام، ويبرر حكمه بأن الاستطلاعات تشير إلى مستويات دعم السكان له أعلى من 80٪. وباعتبار الوضع الاقتصادي غير المستقر في روسيا (أسعار النفط أدنى مما يمكن أن تتحمله البلاد)، فإن أدنى علامات الكارثة الشبيهة بأفغانستان يمكن أن تدمر هذا الدعم بسهولة.
خلال الحملة الأوكرانية اختار الكرملين تكتيك النفي بلا أي ذكر للخسائر، فروسيا لم تعترف حتى الآن بالخسائر بين الجنود ولا بوجود أي قطعات نظامية في شرق أوكرانيا. وقد نجح هذا التكتيك عموماً، فالخسائر كانت بالعشرات، وربما، في أسوأ الأحوال، بالمئات. فالأسر يمكن إجبارها على الصمت بالترغيب أو الترهيب، والحسابات في الشبكات الاجتماعية يمكن حذفها، أما القبور الجديدة فيمكن تفسيرها بأسباب أخرى.
ولكن في سوريا لن يمكن إخفاء حتى أعداد صغيرة من الضحايا: روسيا تشارك رسمياً في الأعمال القتالية، والامتناع عن تكريم الشهداء لن يكون مقبولاً.
وقصص الانتحار الجديدة لن تبدو معقولة أيضاً.
أفغانستان قاتل فيها عناصر التجنيد الإلزامي، أما الجنود في سوريا فمتعاقدون محترفون، ولكن هذا لا يرفع العبء عن أسرهم ومن المستبعد أن يحسن موقف المجتمع من الحملة في الشرق الأوسط.
ينفي بوتين بشدة وجود خطط لنشر قوات برية في سوريا. ومع أن تصرفاته في أوكرانيا تنسف الثقة بتصريحاته، إلا أن هذه المرة قد يكون صادقاً فعلاً.
هذا خبر سيء بالنسبة للأسد. هجوم قواته البرية، حتى بدعم الضربات الجوية الروسية، يسير ببطء وبلا نجاحات تذكر. يهدد مقاتلو داعش بالاستيلاء على حلب. إن لم ينجح الجيش السوري من المستبعد أن تساعده موسكو. طبعاً، روسيا تستطيع تنفيذ عملية سرية دون الاعتراف بها كما حدث في أوكرانيا، ولكن الأسد لا يمكن أن يعتمد على احتمال هذا السيناريو. ولكي يضمن الدعم الروسي يتوجب عليه أن يحقق النصر على الأرض.
وقد أشار الكرملين إلى هذا بوضوح عندما عرض مساعدات على بعض معارضي الأسد الذين يقاتلون «الدولة الإسلامية». فلو فشل الأسد، قد يرفض بوتين الاستمرار في دعمه ويتفق على الإطاحة به مع تحالف أنصار الولايات المتحدة. حسب معطيات مركز ليفادا، يظن 49٪ من الروس أن موسكو ستعقد صفقة مع الغرب عاجلاً أو آجلاً، وبوتين يكسب أكثر لو حقق هذه التوقعات مما لو تورط في أفغانستان الثانية.