كاتب عمود في BloombergView ليونيد بيرشيدسكي عن تسيبراس، وكيف يفاجئ الدائنين، ولماذا لا يكفي أن يكون لين العريكة بل عليه أن يكون سريع البديهة أيضاً.
اختفت اليونان من العناوين الرئيسية للأخبار منذ إعادة انتخاب رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس. غياب الأخبار يعني أن الأخبار جيدة، وفعلاً: أمور البلاد كانت تسير أفضل من المتوقع رغم التلكؤ المعتاد في تنفيذ مطالب الدائنين. ولكن هذا ليس داعياً للتراخي.
ومع أن البنوك اليونانية الكبرى بعيدة عن التعافي، يبدو أنها تبدي علامات عودة الحياة إليها. تفترض خطة الإعانات المالية من الاتحاد الأوروبي حتى 25 مليار دولار يورو لإعادة تمويل البنوك. حسب تقديرات البنك المركزي الأوروبي المنشورة الأسبوع الماضي، يشاهد عند أكبر أربعة بنوك في اليونان نقص رأس المال بين 4.4 و14.4 مليار يورو (وفق السيناريو الذي يفترض النمو الأبطأ). ويتوجب على البنوك أن تقدم إلى البنك المركزي الأوروبي خططها الاستراتيجية قبل 6 نوفمبر وأن توضح فيها كيف تنوي تغطية النقص، وبعد ذلك تبدأ عملية إعادة التمويل.
هناك علامة جيدة، وهي أن مؤشر مديري المشتريات (PMI) اليوناني، وهو المؤشر الرئيسي للنمو الاقتصادي، فقز إلى أعلى مستوى له خلال نصف سنة بعد هبوط فظيع بثلاثين نقطة في يوليو عندما أوصل التحكم بحركة رؤوس الأموال اليونان إلى طريق مسدود:
ومع أن PMI الحالي، 47.3، لا يزال أقل من 50، وهذا يشير إلى انخفاض، من المحتمل أن سرعة هذا الانخفاض ستكون أدنى مما يتوقعه الدائنون الدوليون. الأسبوع الماضي تحدث مساعد وزير المالية جورج خولياراكيس أمام البرلمان عن تكهنات وزارته، ووفقاً لها سينخفض الناتج القومي الإجمالي اليوناني في هذه السنة 1.4٪، وليس 2.3٪ كما في خطة الإعانات المالية والسيناريو الأساسي للبنك المركزي الأوروبي. فإذا كان تكهن خولياراكيس صحيحاً، ستحتاج البنوك إلى تمويل أقل مما يعتقد البنك المركزي الأوروبي. ويتوقع التكهن التوافقي من Bloomberg أن اقتصاد اليونان سيتقلص في هذه السنة 1.1٪ فقط.
يبدو أو تكهنات الدائنين كانت تشاؤمية أكثر من اللازم. الوضع لا يزال مزعجاً، لكنه لم يعد كارثياً. كل ما على الحكومة اليونانية أن تفعله كيلا تغرق هو تحقيق ما يسمى بالتدابير التمهيدية: الإصلاحات التشريعية في نظام الضرائب ونظام المعاشات التقاعدية وغيرهما من النظم الحيوية، وهذه التدابير شرط ضروري لتقديم الإعانات المالية. تعمل الحكومة على تحقيق ذلك، ولو أنها لم تستطع إنجازه قبل 29 أكتوبر، ولهذا فإن القسط الأخير 2 مليار يورو غير متاح لها بعد.
ولكن من المحتمل أن دائني اليونان مستعدون لتسليم هذا المبلغ في أقرب وقت. لقد بذلت السلطات كل ما في وسعها لتحقيق الجزء الأكبر من الإصلاحات الضرورية. ومع أنه لم ينجز حتى منتصف أكتوبر إلا 30٪ من المطلوب، أمكن تحقيق 90٪ من الخطة بحلول نهاية الشهر. الصعوبات الباقية طفيفة، حيث لا تزال الحكومة والدائنون يتجادلون في مسائل مثل ضريبة القيمة المضافة على المدارس الخاصة وترخيص الصيدليات. هذا يدل على مدى مشاركة الخبراء الخارجيين في إدارة اليونان الآن. لم يبق عند ممثلي السلطة وقت تقريباً، لكنهم تعلموا سن التشريعات دون الدعوة إلى المظاهرات أو الاستفتاءات التي لا معنى لها. وبرهن تسيبراس أنه قادر بكفاءة على إقناع البرلمان بتدابير التقشف الضرورية، ولم يعد يشبه ذلك المتمرد الراديكالي الذي كاد يدمر في الصيف الماضي مشروع العملة المشتركة.
ولديه ما يدعوه إلى حسن السلوك، فقد وعد الحكام الأوروبيون ببداية المفاوضات حول تخفيف عبء الديون إذا وفت اليونان بالتزاماتها. وكما تشير المقالة الصادرة مؤخراً بقلم كريستوفر هاوس وليندا تيسار من جامعة ميشيغان، سيصعب تحقيق الأهداف المالية بالسرعة التي تفترضها خطة الإعانات المالية إذا لم ينخفض إجمالي المدفوعات عن المستوى الحالي 4٪ من الناتج القومي الإجمالي سنوياً. ولكن لو أمكن تحقيق ذلك، فسيساعد النمو المرافق على تأجيل إدخال تدابير التقشف المالي الجديدة.
ويأمل تسيبراس أنه إذا قدم نفسه بصورة جيدة أمام الدائنين فسيحصل على خفض مجموع المدفوعات. في الظروف الحالية يجب على اليونان أن تسدد مبلغاً لا طاقة لها به، وهو 319.7 مليار يورو حتى سنة 2057. ويدعم صندوق النقد الدولي آمال رئيس الوزراء عندما يضع إعادة جدولة الديون شرطاً أساسياً لمشاركته في الإعانات المالية لليونان.
وزراء المالية الأوروبيون أمام إغراء تأجيل المفاوضات حول تخفيف العبء لأن أمور اليونان تسير، على ما يبدو، أفضل من المتوقع. إلا أن أوروبا تجازف لو تجنبت عقد صفقة تشمل، على الأغلب، تمديد فترة التسديد وخفض سعر الفائدة: ففي أي لحظة قد تقرر حكومة اليونان أنها سئمت من أداء دور الحيوان الأليف بلا أن تحصل على مكافآت مقابل ذلك. ولكن إذا وافقت أوروبا على خفض عبء الديون قبل الوقت المناسب فقد تضعف دوافع تسيبراس للتعاون معها.
إذن، يجب البحث عن التوازن. ومثل الحالات الأخرى التي يملي الدائنون فيها الإصلاحات، وأوكرانيا يمكن أن تكون مثالاً آخر على ذلك، تركز اليونان تركيزاً شديداً على التدابير المالية، وقد تنسى الحكومة والدائنون أن الآن، في ظروف الاقتصاد الكلي المقيد بشدة، الطريقة الوحيدة لتحفيز الاقتصاد هي الإصلاحات البنيوية ورفع القيود التنظيمية، وهو المجال الأخير الذي لا يزال عند السلطات حرية الحركة ضمنه. مثلاً، يجب أن تحدد الحكومة كيفية جعل الميادين المتوجهة للتصدير أكثر تنافسية وإزالة العقبات التشريعية التي تجعل اليونان واحداً من أسوأ بلدان أوروبا لقطاع الأعمال. كما أشار داني رودريك من جامعة هارفارد في عموده الصحفي مؤخراً: «كلما كانت استراتيجية الاقتصاد الكلي والاستراتيجية المالية في اليونان أكثر أرثوذوكسيةً، وجب أن تكون استراتيجيات التنمية فيها أكثر ابتكاراً».
برهن تسيبراس أنه قادر على التعلم من أخطائه. لكن الآن عليه أن يمضي أبعد من ذلك ويبدأ بابتكار وسائل تيسير عمل الشركات اليونانية والمستثمرين حتى لو كان مضطراً إلى الانصياع للدائنين. أما بدون أسلوب إبداعي فلن يؤدي امتثاله للمطالب سوى إلى نتائج متواضعة.