كاتب عمود في BloombergView ليونيد بيرشيدسكي حول مسؤولية إدوارد سنودن عن العمليات الإرهابية.
لا يوجد أي دلائل على أن تحضير الهجمات الإرهابية على باريس استفاد من وسائل الاتصالات تدعم التشفير، ومع ذلك أثارت موجةً من الجدال. وموضوع النقاش هو: هل يجب أن يكون في كل وسيلة اتصال منفذ سري للاستخبارات؟ على كلٍّ، الإرهابيون لا تهمهم هذه الجدالات على الأغلب.
أشار مايكل موريل، النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن الموجة السابقة من النقاشات المجتمعية حول هذه القضية أثارتها فضائح سنودن، أما الآن فنحن أمام موجة جديدة إثر ما حدث في باريس.
أعلنت داعش مسؤوليتها عن تفجير طائرة روسية فوق مصر وعن الهجمات الإرهابية في باريس. وقد استخدم الإرهابيون من أجل نشر هذا الخبر تطبيق Telegram، وهو تطبيق لتبادل الرسائل الآمن. على ما يبدو، يفضل الإرهابيون قناة الاتصال هذه، لأن في الفيسبوك وتويتر تتعرض كتاباتهم للرقابة وحساباتهم للمنع.
وبالطبع يستخدم الإرهابيون Telegram، وربما كذلك وسائل كثيرة أخرى لتشفير مراسلاتهم مثل الستيغانوغرافيا وبرنامج تراسل Signal الذي أوصى به سنودن شخصياً أو تطبيقات أخرى تدعم التشفير وتصعب اعتراض الرسائل من قبل الحكومات. ولكن من المهم أن نعرف كيف يستخدمون هذه القنوات.
الدعاية والتجنيد يحتاجان إلى وسائل اتصالات آمنة نسبياً: داعش تحتاج إلى عدم اعتراض هذه الرسائل. وجو الرواية الجاسوسية بالتأكيد يساعد على التواصل مع مجموعة المجندين المحتملين. وفي الوقت نفسه يصعب أن تتخيل أن إرهابياً لديه بعض الخبرة يثق بأن مثل هذه القنوات المطورة في الدول الغربية آمنة تماماً.
يقول تيم كوك، رئيس Apple، أن التشفير المستخدم في نظام التشغيل iOS للهواتف النقالة، والذي تعمل به iPhone وiPad يمنع الوصول إلى بيانات المستخدم سواء من جانب شركة Apple نفسها أم من جانب المؤسسات الحكومية. صرح كوك السنة الماضية:
«نحن لا نقرأ بريدكم ورسائلكم النصية. ولو طالبتنا الحكومة بتسليمها مثل هذه المعلومات لن نستطيع تقديمها، فهي مشفرة، وليس لدينا المفتاح».
على كل، لا تصدق داعش مثل هذه التصريحات، وفي السنة الماضية منعت جميع المقاتلين والمسؤولين من استخدام أجهزة Apple.
الهواتف الذكية غير آمنة عموماً، فهي تحوي برامج تحديد الموقع عن طريق الأقمار الاصطناعية التي يمكن استخدامها لكشف الإرهابي وقتله. كما أن هذه الهواتف تستخدم في أغلب الأحيان نظم تشغيل من إنتاج Google وApple، الشركتين اللتين خصهما سنودن بالذكر في سياق تعاونهما مع وكالة الأمن الوطني.
تشكو الاستخبارات الأمريكية من انتشار تقنيات التشفير الذي يجعل اعتراض الرسائل مستحيلاً، ولكن داعش والجماعات الإرهابية الأخرى تعتبر كل هذا لعبة الشرطي الجيد والشرطي السيء.
فحتى تطبيق Signal المصمم لتبادل الرسائل المشفرة تم تمويله جزئياً من قبل الحكومة الأمريكية لتوفير الاتصالات الآمنة لمن يناضلون ضد الأنظمة القمعية، ولذلك لا يستطيع الإرهابي أن يعرف ما إذا كان فيها «منفذ خاص» للاستخبارات الحكومية.
وفي الصباح التالي بعد هجمات باريس اتهمت دانا بترينو الناطقة بلسان البيت الأبيض سابقاً سنودن بأنه حكى للإرهابيين عن البرنامج الأمريكي للرقابة الإلكترونية.
إلا أن الإرهابيين كانوا يعرفون عدم جدوى التشفير قبل أن نشر سنودن وثائق وكالة الأمن الوطني بفترة طويلة. مثلاً، معروف أن القاعدة استخدمت التشفير والستيغانوغرافيا (وإحدى الروايات تقول أن الأصوليين الإسلاميين استخدموا المواقع الإباحية لنقل الرسائل السرية). ولكن الناس الذين حضّروا للاستيلاء على الطائرات في 11 سبتمبر كانوا يتبادلون رسائل عادية غير مشفرة عن طريق الخدمة البريدية Hotmail واكتفوا بكتابة عبارة «كلية الأعمال» بدل «مركز التجارة العالمية».
من وجهة نظر الإرهابي، الطريقة الوحيدة لتجنب المراقبة هي إما عدم لفت الانتباه والظهور بشكل عادي جداً أو عدم استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية أبداً. إذا كانت الجماعة تستخدم تطبيقات متاحة للجميع فسيقبض عليها عاجلاً أو آجلاً كما حدث في الصيف الماضي مع جماعة جهادية شيشانية في بلجيكا.
ومهما كانت طريقة الاتصالات المستخدمة لتنسيق الهجمات على باريس، من المستبعد أن يجدي تضمين «المنافذ» في التطبيقات المتاحة للجميع في تجنب هجمات في المستقبل. جميع المشاركين في الهجمات تقريباً كانوا معروفين للسلطات وخاضعين للمراقبة، ولو استخدموا التشفير للفت ذلك مزيداً من الانتباه إليهم. ومن الواضح أن موارد الاستخبارات، مهما كانت ضخمة، لن تكفي لمراقبة جميع الشخصيات المشبوهة، وهذا يمنح الإرهابيين إمكانية التصرف.