ليونيد بيرشيدسكي: كلا البلدين يخططان لخصخصة شركات النفط الكبرى، ولكن هل يفيدهما هذا؟
المملكة العربية السعودية وروسيا تتخذان موقفين متعاكسين في النزاع السوري وتتنافسان في سوق النفط العالمي. يتصف كلا البلدين بالاعتماد المفرط لموارد الميزانية على الفحوم الهيدروجينية وبعدم الرغبة بإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ولكن الآن طرحت حكومتا كلا البلدين أفكاراً متشابهة فيما يتعلق بتجاوز الركود وتنشيط النمو الاقتصادي.
أعلنت شركة النفط الحكومية Saudi Aramco التي تقول أنها تنتج «برميلاً من كل ثمانية براميل نفط تستخرج عالمياً» عن رغبتها بالتحول إلى شركة مساهمة عامة إما بواسطة إدراج أسهمها في سوق الأوراق المالية أو عن طريق بيعها «لعدد من الشركات التابعة». وروسيا بدورها تدرس إمكانية خصخصة 19.5٪ من رأس مال روس نفط، أكبر شركة نفط في البلاد التي تملك الدولة حالياً 69.5٪ منها.
إن الدوافع وراء قرار سلطات كلا البلدين باللجوء إلى الخصخصة واضحة، ففي السنة الماضية تجاوزت النفقات الحكومية في المملكة العربية السعودية المؤشرات المستهدفة بـ13٪، بينما كانت واردات الميزانية أقل من المتوقع بـ15٪.
غطى السعوديون عجز الميزانية من احتياطيات الذهب التي انخفضت 13٪. أنفقت روسيا جزءاً أصغر من احتياطياتها من الذهب، حيث هبطت في سنة 2015 بقدر 5٪ فقط، لكنها نجحت في هذا بفضل تخفيض حاد لعملتها، الأمر الذي فضل السعوديون تجنبه. وبنهاية السنة اقترب عجز الميزانية في روسيا من 3٪ من الناتج القومي الإجمالي.
وبما أن كلا البلدين لم يغتنما فرصة تقليل اعتماد اقتصاديهما على عائدات النفط في فترة ارتفاع أسعاره (حسب معطيات البنك الدولي، تشكل عائدات النفط 43.6٪ من الناتج القومي الإجمالي للمملكة العربية السعودية و13.7٪ من الناتج القومي الإجمالي لروسيا)، قد يكون بيع الأصول الآن أسهل وسيلة لمكافحة الأزمة.
ولكني أشك في أن روسيا ستبيع حصة من روس نفط (MCX: ROSN.ME) في هذه السنة. وإذا حوّل السعوديون Saudi Aramco إلى شركة مساهمة عامة، فعلى العائلة الحاكمة والمستثمرين المحتملين أن يتذكروا تاريخ روس نفط.
قامت روسيا بخصخصة جزء من هذا العملاق النفطي أول مرة في يوليو 2006 ضمن ما سمّي «الاكتتاب العام الشعبي»، وطرحت الأسهم للبيع إلى قطاعات واسعة من السكان. وحوالي 150 ألف من الروس اشتروا هذه الأسهم بسعر 7.55 دولار للسهم. وبقي المستثمرون رابحين حتى منتصف سنة 2008، ثم اندلعت الأزمة المالية العالمية فخانهم الحظ. كان سعر أسهم روس نفط يرتفع من فترة إلى أخرى أعلى من سعر الاكتتاب العام، لكنه لم يتجاوز ولا مرة 9.44 دولار.
أما انهيار سوق النفط في سنة 2014 فقد وجه ضربة قاضية إلى «المستثمرين الشعبيين»، فأسهم روس نفط الآن سعرها 3.16 دولار، والقيمة السوقية للشركة البالغة 33.4 مليار دولار لا تشكل سوى ⅛ من القيمة السوقية لشركة Exxon Mobil (NYSE: XOM)، مع أن عائدات الشركة الروسية تتأخر عن منافستها الأمريكية بثلاث مرات فقط.
أصيبت روس نفط بخسائر أكثر وخامة من شركات استخراج النفط المماثلة في دول أخرى، ويعود ذلك إلى مميزات إدارتها والوضع الذي تحتله الشركة في نظام السلطة الروسي. رئيس روس نفط إيغور سيتشين من أقرب المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبعد ضم القرم إلى روسيا في سنة 2014 تعرض سيتشين نفسه وشركته للعقوبات الغربية، وهذا قلّص قدرة الشركة على الاقتراض من الخارج من أجل إعادة تمويل ديونها الهائلة. كانت روس نفط تسدد دينها تدريجياً وخفضته من 58.5 مليار دولار في نهاية سنة 2014 إلى 46.8 مليار دولار في سبتمبر 2015.
يربط المستثمرون مصير روس نفط المستقبلي بمصير بوتين نفسه ونظامه الذي يستخدم، كما هو معروف، المؤسسات الحكومية الكبرى كأدوات للضغط السياسي و«تحلبها» لتمويل مشاريع خارجية التي لا يمكن تمويلها من ميزانية الدولة. ويشبه عمل هذه الشركات أكثر عمل صناديق منغمسة في الفساد من أجل أموال الترضية والرشوات وليس عمل شركات الأعمال الحقيقية. فلا عجب أن المستثمرين لا يعتبرون روس نفط مكاناً مضموناً لاستثمار الأموال.
وقال وزير المالية الروسية أنطون سيلوانوف أن الحكومة الروسية تتوقع الحصول على ما لا يقل عن 500 مليار روبل (6.68 مليار دولار) من بيع 19.5٪ من روس نفط، علماً أن الكرملين لا ينوي تسليم مقاليد إدارة الشركة إلى أحد (فبعد الخصخصة سيبقى بيد الدولة 50٪ زائد سهم واحد من أسهم الشركة). وبالنتيجة يفترض أن تشكل القيمة السوقية الكاملة للشركة 34 مليار دولار. هذا السعر واقعي نوعاً ما، ولكن لن يكون سهلاً اجتذاب التمويل بهذا المبلغ باعتبار استمرار هبوط أسعار النفط، وإيجاد من يشتري كامل الحصة 19.5٪ سيكون أصعب من ذلك. إن BP (NYSE: BP) التي تملك حالياً 19.85٪ من رأس مال روس نفط غير راضية كثيراً عن استثمارها لأن العقوبات وضرورة تسديد الديون أجبرت الشركة الروسية على إرجاء عدد من أكبر مشاريعها الواعدة.
ويمكن أن يتضرر سعر أسهم Saudi Aramco من سمعة الشركة لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحكومة التي يصعب التنبؤ بها. تشارك المملكة العربية السعودية في الحرب في اليمن، وهي متورطة في النزاع السوري، ويتزايد التوتر بينها وبين غريمتها الإقليمية الرئيسية إيران يوماً بعد يوم. وسيضطر المستثمرون إلى احتساب كل هذه المخاطر عند تخمين أصول الشركة. وفي الوقت نفسه تأمل سلطات المملكة على ما يبدو في بيع أسهم Saudi Aramco بهامش ربح بمستوى متوسط القيمة في سوق الأوراق المالية للبلاد، أي حوالي 14٪، وهو المعتاد لشراء أسهم مؤشر الشركات الصناعية Dow Jones.
وكان أداء مؤشر سوق الأوراق المالية السعودي تداول في الفترة الأخيرة ليس أحسن من مؤشر РТС الروسي:
إلا أن سوق الأوراق المالية السعودي يعاني من مشاكل أكثر خطورة من نظيره الروسي. فمن يونيو 2015 لا يتاح للمستثمرين الأجانب سوى وصول محدود إلى البورصة السعودية، فضلاً عن أنه محصور بالمؤسسات الاستثمارية الكبرى.
كانت الحكومة السعودية تسعى إلى خفض تقلبات سوق الأوراق المالية بواسطة هؤلاء المستثمرين لأن السوق كانت تتأثر بالمستثمرين المحليين الأفراد الذين لا يفهم بعضهم أسس عمل البورصة. هبط مؤشر تداول في سنة 2006 هبوطاً خطيراً ولم يسترجع قواه تماماً. ومنذ ذلك الحين كان اهتمام المستثمرين محدوداً بسبب القيم المقدرة التي بقيت عالية.
وحتى لو تم تداول أسهم Saudi Aramco في بورصة أجنبية ستتضرر الجاذبية الاستثمارية للشركة نتيجة سيطرة الحكومة عليها بقبضة من حديد.
إن شراء أسهم مثل هذه الشركات كالمراهنة على تنشط سوق النفط الذي تتخمه روس نفط و Saudi Aramco بحجوم جديدة من النفط لأن الحكومتين تحتاجان إلى العائدات مهما كانت الأسعار العالمية. كما يعني هذا المراهنة على نجاح فلاديمير بوتين والملك سلمان جيوسياسياً، ومثل هذا المنظور لسنة 2016 من شأنه أن يرعب حتى أكثر الناس اطلاعاً على الأوضاع.