كيف يمكن أن يبدأ التعاون بين الكرملين وإدارة ترامب.
إذا كنت تبحث عن نقاط تقاطع بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة فانظر إلى ليبيا. في هذه الدولة تدعم كل من روسيا والاتحاد الأوروبي طرفين مختلفين متصارعين، وترامب يمكن أن يصبح حليف بوتين.
ليبيا مهمة لثلاثة أسباب:
- هذه النقطة الأولى للطريق المتوسطي المركزي والذي يسلكه عشرات آلاف المهاجرين في طريقهم للاتحاد الأوروبي.
- البلد من كبار منتجي النفط وقادرة على التأثير في أسعار النفط العالمية.
- الفوضى التي تعيشها ليبيا تجعلها إذا لجأنا للغة الخارجية الأمريكية "ملاداً آمناً للإرهابيين".
لهذا السبب حاول كل من أوباما وترامب تقييد دخول المواطنين الليبيين وكل من زار هذه الدولة.
خلال القمة الغير رسمية في مالطا التي جرت الجمعة أكد زعماء الاتحاد الأوروبي تأييدهم لحكومة برئاسة رئيس الوزراء الفار من طرابلس فايز السراج، والمعترف عليها من قبل الأمم المتحدة.
إضافة إلى ذلك، وافقوا على الاتفاق الموقع الخميس بين السراج ورئيس وزراء إيطاليا باولو جينتيلوني، والذي بحسب شروطه تتعهد إيطاليا تمويل بناء مخيمات للاجئين من ليبيا، أما الاتحاد الأوروبي فسيخصص 200 مليون دولار إضافية لإيقاف المهاجرين المحتملين في ليبيا وتونس ونيجيريا.
لكن مشكلة اللاجئين في ليبيا لا تهم بوتين، بل يهمه أكثر إعادة التأثير الروسي وإن استطاع تحقيق الحضور العسكري في المنطقة.
أثناء حكم معمر القذافي كانت ليبيا حليفة روسيا، حيث كانت تشتري السلاح الروسي وتسمح لشركات الطاقة الروسية بالعمل على أراضيها. بعد سقوط حكومته عام 2011، خسرت شركة الخطوط الحديدية الروسية عقداً مربحاً لبناء الخطوط الحديدية على شريط ساحل المتوسط، وهذا مثال واحد فقط على الاستثمارات الروسية الملغية في ليبيا.
كان بوتين يراقب "الربيع العربي" بقلق ليس فقط لأن أناس كليبتوقراطيين مثله خسروا مناصبهم، وأيضاً بسبب وصول الإسلاميين للحكم بدلاً من الدولة المدنية. بالنسبة لبوتين كان هؤلاء الحكام كحماية من الجهاديين.
لم يدعم بوتين محاولة الدول الغربية إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد، كما أقام علاقات طيبة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واستعاد العلاقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما تشمل هذه السياسة تحالف مع نظام طهران الإسلامي. الإيرانيون شيعة وهم أعداء المتعصبين السنة، الذين يعتبرهم بوتين خطراً لأنه كانوا سبب المشاكل في الشيشان في التسعينات.
ما يخص ليبيا، فإن السراج لا يناسب بوتين، لأنه معتمد على دعم الإسلاميين وعلى أعداء الرئيس الروسي الغربيين. بل يناسبه أكثر عدو السراج الذي يسيطر على شرق البلاد خليفة حفتر. حفتر طرد المسلحين الإسلاميين من بنغازي ومحيطها وفي سبتمبر سيطر على أهم الآبار النفطية الليبية، وكنتيجة ازداد تصدير ليبيا من النفط بشكل كبير. الكرملين يقدّر العلاقات مع حفتر.. حيث دعوه في نوفمبر العام الماضي لزيارة موسكو، وفي يناير زار حاملة الطائرات الروسية "الأدميرال كوزنيتسوف" حيث عقد مؤتمراً عن بعد مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
روسيا ملزمة باتباع حظر الأمم المتحدة ضد أية قوى عدا حكومة السراج، لذلك لا تستطيع تقديم مساعدات عسكرية رسمية لحفتر. لكن بحسب مصادر غير مؤكدة فإن الكرملين يقوم بإرسال الأسلحة لحفتر عن طريق الجزائر، والتي تربطها مع موسكو علاقات تجارية عريقة.
وهنا يكمن التهديد لأوروبا.. إذا استطاع حليف بوتين السيطرة على ليبيا، فيمكن أن تفشل اتفاقية اللاجئين. أما إذا سمح حفتر ببناء قواعد عسكرية روسية في ليبيا فسيزداد نفوذ بوتين في الشرق الأوسط بشكل أكبر.
لدى ترامب أسباب كثيرة لتفضيل حفتر على السراج.. أولها أن المشير حفتر قضى في الولايات المتحدة 20 سنة، وكان يعيش قرب المقر الرئيسي للمخابرات المركزية الأمريكية في لينغلي وعمل على إسقاط نظام صديقه وحليفه السابق معمر القذافي.
إضافة إلى ذلك، فإن ترامب لا يدعم تصرفات هيلاري كلينتون والتي كانت حينها وزيرة الخارجية الأمريكية. بعد سقوط النظام في ليبيا ترامب كما بوتين لا يؤمن بتصدير الديموقراطية لبلدان الشرق الأوسط حيث يدعم السكان الإسلاميين.
في نوفمبر العام الماضي رحب حفتر وحلفائه بقوز ترامب، ورأوا فيه حليفاً في محاربة الجهاديين.
موسكو غالباً لن تعارض محاولة التعاون مع ترامب في ليبيا. حيث نشرت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية الخميس مقالاً لمستشار سياسي مقرب من القوميين اليمينيين الإسرائيلي أفيغدور إسكين. الذي يؤكد أن لدى إدارة ترامب مخطط الذي اقترحه المستشار الأمني مايكل فيلين يخص ليبيا والذي ينص على التعاون مع روسيا لدعم حفتر. من المخطط أن يتم بناء مخيمات للاجئين في ليبيا إضافة "لمدن صغيرة" مع معامل وبنى تحتية لاستخراج وتكرير النفط، أي خلق فرص عمل.
هذا يبدو طوباوياً، لكن من المحتمل أن يتوصل الكرملين وإدارة ترامب للغة مشتركة على أرضية تأمين السلام في ليبيا وبذلك إضعاف سيطرة داعش. لن يكون على الولايات المتحدة فعل شيء سوى غض النظر عن الدعم الروسي لحفتر. إن الوضع الخاص لبوتين على عكس الزعماء الأوروبيين، أنه بدعمه للقادة الشرق أوسطيين لا يخشى أن يلوث يديه. كما أن بوتين ليس بحاجة للدعم السياسي في بلاده، هو يعرف أن بإمكانه الحصول عليه بواسطة آلة البروباغاندا العملاقة التي بحوزته.
إذا كان ترامب الذي يتحدث عن عزل الإسلاميين ومحاربة الإرهاب في آن واحد مستعد لإعطاء جزء من هذه المهام لروسيا، فليبيا قد تصبح الخطوة الأولى على هذا الطريق.
رأي الكاتب قد لا يتطابق مع رأي الموقع