شارك المراجع الاقتصادي لدى The Independent هاميش ماكراي رأيه عما الذي يحدث مع سوق العملات المشفرة وإلى كم مستقبلها زاهر.
تفوق انخفاض سوق العملات المشفرة على انهيار أسهم الشركات التكنولوجية بعد فقاعة الدوت كوم التي انفجرت في الألفينات. في يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي انخفض مؤشر الأصول الرقمية MVIS CryptoCompare Digital Assets 10 بنسبة 80% بالمقارنة مع الذروة التي وقعت في شهر فبراير. فقد مؤشر الشركات التكنولوجية الأمريكية Nasdaq في أوج انهياره حوالي 78%.
كان أول من قام بهذه المقارنة وكالة Bloomberg وهي تختلف كثيراً عن المقارنات مع جنون التوليب الهولندي الذي وقع عام 1637 وفقاعة شركة البحار الجنوبية عام 1720. إنها تحذر بشكل واقعي من العواقب المحتملة.
أدى انهيار القطاع التكنولوجي إلى التراجع في الولايات المتحدة (وتهربت بريطانيا من هذا بالكاد)، بيد أن سياسية الأموال المتاحة – التي ساعدت على إخراج أمريكا من الركود – أدت إلى ظهور خلفيات لظهور أزمة أوسع عام 2008.
على كل حال إذا أجرينا المقارنة لا بد من الحذر، فأسباب وعواقب الاضطرابات السابقة قد تختلف كثيراً عن وقائع الوقت الراهن.
قبل كل شيء يتضاءل حجم سوق العملات المشفرة أمام رسملة القطاع التكنولوجي أثناء الفقاعة. بلغت القيمة الإجمالية للعملات المشفرة في ذروة النمو 831 مليار دولار. بلغت القيمة العامة للشركات التي هي من ضمن مؤشر NASDAQ في بداية الألفينات 6,6 ترليون. مع حساب التضخم بعد فشل الدوت كوم فقد المستثمرون أكثر بعشر مرات. من أجل المقارنة تبلغ رسملة NASDAQ في الوقت الراهن 15,37 ترليون، وتبلغ القيمة العامة للعملات المشفرة 193 مليار.
وهذا يوجهنا إلى السؤال التالي: هل ستتم استعادة العملات المشفرة في المستقبل وهل سترتفع أهميتها وقيمتها؟ في آخر الأمر فقد الكثيرون أموالهم بسبب فشل الدوت كوم، ولكن التكنولوجيا التي نشأت وقتذاك غيرت العالم. أنا أعتبر أنه لن يتم استعادتها بحد كبير وذلك لسوء نجاحها في تنفيذ الوظائف التقليدية للمال.
من أجل مقارنة ديناميكية العملات المشفرة مع سلوك مؤشر NASDAQ سنحتاج إلى تحويلها إلى الدولارات. يبدو للوهلة الأولى أنه كان من المنطقي تحويل NASDAQ مباشرة إلى البيتكوين (Bitcoin) مثلاً، بيد أن تقلب الأخير عالي جداً. وهكذا لا تقوم العملات المشفرة بالوظيفة الأولى للمال وهي قياس القيمة بمقارنة مختلف الأسعار فيما بينها.
إنها تمثل إلى حد ما كوسيلة الدفع وهي الوظيفة الكلاسيكية الثانية للأموال. منذ فترة أخذ وكيل Rolls-Royce ببيع السيارات مقابل البيتكوين. كان يمكن شراء سيارة Rolls-Royce جديدة وفخمة لقاء 55 BTC (ولو أن السعر يمكنه أن يرتفع إذا استمر البيتكوين في الانخفاض). آخذين بالحسبان أن الوكيل يقوم بكل الحسابات بالدولار فمن المحتمل جداً أنه يحول البيتكوينات إلى العملة العادية. على كل حال تستخدم بعض العملات المشفرة في التجارة مثلاً لشراء البرمجة، بيد أن طيف استخدامها ضيق جداً.
أما الوظيفة الثالثة وهي الادخار فهي تنفذها بشكل أسوأ بكثير. لم يكن في هذا العام أسوأ من البيتكوين إلا البوليفار الفنزويلي.
على كل حال العملات المشفرة هي فئة لا يستهان بها من الأصول، وهي مفيدة للناس الذين يسعون وراء الحفاظ على معاملاتهم في السر. كان من الظلم لو قلنا أن العملات المشفرة لا يستخدمها إلا المجرمون كمثل أنه ليس الكل أبداً من الذين يفضلون قبض رواتبهم نقداً يمارسون الأعمال المشبوهة ويحاولون التهرب من دفع ضرائب. من اللطيف الاعتراف أنه في العالم حيث تراقب كل خطوة وكل تصرف توجد إمكانية الحفاظ ولو على بعض الغفلية.
يطابق مفهوم العملات المشفرة كفئة جيدة من الأصول مع نتائج استطلاع رأي الرؤساء الماليين التي قامت به مجلة Forbes. صرح 70% من المستطلعين أن العملات المشفرة ستبقى معنا لفترة طويلة. وسيعوض التشريع بالتدريج عما فات، إذ أن تكييف النظم الشرعية والقانونية التنظيمية مع أية تكنولوجيا جديدة يحتاج دوماً إلى بعض الوقت. إذا اعتبرت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) بعض التوكنات أوراقاً مالية فإنها ستصبح تلقائياً في المجال القانوني المناسب، وستضطر الشركات المصدرة على الخضوع لمتطلبات المنظم.
كما أن الأخوين وينكلفوس – اللذان اشتهرا بعد الفيلم عن Facebook عام 2010 –نالا منذ فترة استحسان الهيئات التنظيمية للعملة المشفرة الجديدة Gemini Dollar. قيمتها مرتبطة بقيمة الدولار الأمريكي وهذا ما سيقضي حتماً على مشكلة التقلب، إذ تستخدم دول أمريكا اللاتينية بين الحين والآخر الاستراتيجية المماثلة لاستقرار عملاتها الوطنية. ولكن ما هي الجدوى من كل هذا؟ لماذا لا يجوز استعمال الدولارات فقط؟
يوجد في تاريخنا تحول آخر. يقترب العالم رويدا رويدا إلى نهاية السوق الصاعدة التي طال أمدها بسبب تدفق المال المطبوع من قبل المصارف المركزية. من الجائز أن النمو سيستمر سنة أو سنتين ولكن عاجلاً أم آجلاً ستعود الأسواق إلى حالتها الطبيعية.
ما هو الدور الذي ستلعبه الأصول الرقمية في هذه الظروف؟ كلما كانت شعبيتها أوسع كان اهتمام السلطات بها وثيقاً أكثر. إخفاء العملات المشفرة أصعب بكثير من النقد. لا شك أن هيئة الضرائب ستهتم بمبلغ كبير من البيتكوينات في حساب ما وتريد أن تنال نصيبها منه. زد إلى ذلك أنه في المستقبل يمكن أن ينال أصحاب العملات المشفرة اهتماماً خاصاً من لدن السلطات. ربما شراء Rolls-Royce بالبيتكوين ليس بالفكرة الجيدة جداً.
قد لا يطابق رأي المؤلف موقف هيئة التحرير