سنحت للصحفي البريطاني جون يان فون فرصة زيارة القبو حيث تخزن شركة "هارو" العملة المشفرة التابعة لعملائها، وقص عن انطباعاته.
تمشي سيارتنا على الشاطئ الشرقي للبحيرة السويسرية لوسيرن. يؤشر لي مرشدي إلى قمة جبلية بعيدة تكاد لا ترى بسبب الضباب، ويقول: "القبو في مكان ما في تلك الجبال".
هدفي هو أن أرى بأم عيني مستودع "هارو". إنها بنية فريدة من نوعها، إذ فيما عدا أن هنا تخزن البيتكوينات (Bitcoin) المكان نفسه هو عبارة عن قبو عسكري سويسري لم يعد يستخدمونه وهو محفور في جبل من غرانيت.
موقعه سري، وزيارته محدودة بفضل نظام الأمن متعدد المستويات الذي لن يتغلب عليه حتى جيمس بوند.
ليس معروفاً ما هي كمية البيتكوينات التي تخزن هنا، بيد أن ودائع بعض العملاء تزيد عن ملايين دولارات، وهم الذين تنظم لهم بين الحين والآخر جولات في المخزن.
من غير المعتاد الإدراك أن العملة الافتراضية تحتاج إلى مصرف مادي تماماً، لكنها مثلها مثل الصور الرقمية تحتاج إلى محرك أقراص ما. لقد أسس شركة "هارو" رجل الأعمال الأرجنتيني فنسيس كاساريس "المريض الصفر" المصاب بحمى البيتكوين مصدره وادي السيليكون.
فهو بالذات الذي تقاسم أول البيتكوينات التجريبية مع أضواء العالم التكنولوجي وهما بيل غيتس وريد هوفمان.
يخزن القبو ليس البيتكوينات الواقعية وإنما مفاتيح التشفير الخاصة. تشكل هذه المفاتيح أزواجاً مع المفاتيح المفتوحة لتحديد المستخدم والوصول إلى الحساب الإلكتروني.
القراصنة المعاصرون موهوبون، ومن أجل الحماية منهم تلتجئ "هارو" إلى الطرق المصرفية التقليدية. أما مستوى الأمن لدى الشركة فيكاد يصل إلى جنون الارتياب، وليس ثمة شيء يدعو إلى الدهش، ففي حال تسرب البيانات لن تعد هنالك مع الأسف أية إمكانية للقبض على المجرم وكذلك إعادة الأموال.
نلف من المسار الرئيسي إلى الطلاء السفلي غير الجلي فنجد أنفسنا محيطين بالأبقار على المراعي. وفي البعيد يمشي متنزه وحيد. بعد قليل بلغنا حضيض الجبل حيث البوابة الضخمة يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار. استقبلنا موظف شركة Deltalis مايكل سترايف.
تقوم Deltalis برئاسة مركز معالجة البيانات تبلغ مساحته 1000م2 حيث القبو العسكري الخارج عن الخدمة. تملأ الحوامل المستخدمة لتخزين المفاتيح الفراغ الغرانيتي بعمق 320 متر. بنى المحاربون السويسريون هذا المنشأ في عام 1947، وفي أيام الحرب الباردة كان مقراً سرياً لقيادة الجيش حسبما أفادتAgence-France Presse. تذكر الخرائط المفصلة على الجدران والإلكترونيات اللاسلكية القديمة بالماضي الحربي.
يرافقنا سترايف ا إلى مدخل القبو الذي هو عبارة عن واجهة خرسانية بارزة من سفح الجبل. وفي البهو كما هو في معظم مباني المكاتب أنا أضع إمضائي على أنني دخلت، ولكن هنا كذلك يجب ترك بصمات الأصابع والتصوير.
بعد ذلك أمضي عبر قمرة المدخل التي هي عبارة عن أسطوانة من زجاج لا يخرقه رصاص بحجم كشك الهاتف. أبقى هنا ريثما ينتهي المفتش من تفتيشي.
بعد عبوري القمرة نطبق بطاقات الدخول بالمستشعر ونمر عبر الأبواب الفولاذية الدوارة، ثم نتخطى مئة متر عبر نفق من الغرانيت، وهو ينتهي عند بابين فولاذيين أحمري اللون اللذين – كما قيل لي – تستطيعان تحمل حتى الانفجار الذري.
أحاول أن أغلق واحدة منها ولا أفلح. قال سترايف: "يقفلونها كل ليلة" ثم أراني كيف يجب أن أقف وإلى أي مكان أضغط حتى يتحرك الباب.
بعد ذلك يأخذونني إلى "القطاع الخاص" لدى "هارو" أي موقع المركز الذي عليه حراسة مشددة أكثر من أي مكان آخر. نمر عبر قمرة أمن أخرى لنجد أنفسنا على عتبة باب أبيض عادي. بعد أن فتحه سترايف أشاد: "حتى الآن لم يدخل أحد هكذا بعيداً سوى موظفي "هارو".
في الداخل فراغ بحجم خزانة ثياب، وهنا توجد غرفة تبريد وباب آخر. وهنا تنتهي الجولة ولا يسمحون لي ب الذهاب أبعد من ذلك، كما ويمنعونني من التصوير.
عرفت فيما بعد ما هو الشيء الموجود خلف ذاك الباب الأخير من كارلوس رينزي رئيس هيئة الأمن لدى شركة "هارو". رينزي هو الذي اختار مكان الشركة وأعد غرف التخزين ومحاضر الأمن. ينحصر "نموذج التهديد" عنده في حماية المنشأ من هجوم من لدن "الجماعات الإرهابية الممولة جيداً وكذلك القراصنة".
إذاً يحتوي هذا القطاع على مقصورتين وهما عيادة المشغل و"الغرفة الباردة" حسبما يسمونها، وهي محيطة بألواح من الصلب التي تشكل "قفص فاراداي" أي حماية الأجهزة من النبضات الكهرومغناطيسية الخارجية التي يجوز أن تقضي على المعلومات المخزونة بما فيها مفاتيح البيتكوينات.
بالنسبة للأصول الرقمية مثل البيتكوين الجدران السميكة والمقر السري لا تكفي، بل ولا بد من توفير حاجز ضد الهجمات غير المرئية مثل القنبلة الكهرومغناطيسية.
لا أحد يستطيع دخول الغرفة الباردة حتى المشغل، فهي مختومة بشريط كمكان ارتكاب الجريمة حتى لا يستطيع أحد التسلل إليها دون أن ينتبه إليه أحد. هنا توجد المعدات التي تستخدم لتوقيع معاملات البيتكوين ولا تتصل بالإنترنت قط. يتم توقيع المعاملات بشكل منفصل.
يتصل المشغل بالمعدات بواسطة نظام الكابلات الخاص فيرسل المعلومات بالشيفرة لتوقيعها. لأجل إجراء صفقة لا بد من توقيعين من مركزين آخرين واقعين على قارتين مختلفتين.
أسأل رينزي هل هو متأكد من نظام أمنه بنسبة 100% فقال: "نحن نقع تحت خطر 24/7. هذا ليس سباقاً وإنما لعبة شطرنج حيث يجب أن تحاول التنبؤ على حركة خصمك. ليس ثمة مجال للاسترخاء".