الثورة التكنولوجية الثالثة: لا حاجة للإنسان
الصفحة الرئيسية التقنيات

الإثنتان من الثورات التكنولوجية كانتا مؤلمتين، ولكن في النهاية استفاد منها الجميع. نتائج الثورة الرقمية يمكن أن تكون أكثر إثارة للجدل.

معظم الناس لا يحبون التغييرات الجذرية، وغالبا ما يكونوا محقين في كراهيتهم. بعد الثورة الصناعية الأولى التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر، فقد العديد من الناس وظائفهم بسبب إدخال المناول الميكانيكية. حدث الشيء نفسه بعد إنتشار مصابيح إديسون الضوئية، و سيارات المرسيدس، وعدد لا يحصى من الاختراعات الأخرى التي غيرت العالم. ولكن هذه الاختراعات المذهلة سهّلت الحياة للعديد من الناس، بتدميرها البنى الإجتماعية التي عفا عليها الزمن وتطويرها للمجتمع. ظهرت الكثير من الفرص الاقتصادية، وتمت الإستعاضة عن المهن القديمة بالجديدة.

حدث مزيج مماثل من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في أواخر القرن العشرين عند حصول الثورة الثالثة الناجمة عن التقدم في تكنولوجيا الحاسوب والمعلومات. مهد الذكاء الإصطناعي، والشبكة العالمية و الروبوتات الحديثة الطريق لعدد من الابتكارات الهامة: السيارات من دون سائق، الطائرات بدون طيار والمترجمين التلقائيين لمئات اللغات، تكنولوجيا الهاتف النقال التي تساعد الطبيب و المعلم على التواصل مع المرضى و الطلاب على بعد ألف كيلومتر.

سوف يظهر الوقت إذا كانت الثورة الرقمية ستستطيع خلق نفس الحجم من الوظائف التي دمرتها.

اختراع الرقاقات في نهاية خمسينات القرن الماضي، خلق نظام الحوسبة القوية، والتي تعتمد عليه اليوم جميع الصناعات. غوردون مور، المؤسس المشارك لشركة إنتل ‎(NASDAQ: Intel [INTC])‎، التي تنتج معالجات الكمبيوتر، قام بملاحظة تجريبية التي أصبحت تعرف باسم قانون مور:

عدد الترانزستورات التي توضع على رقاقة الدوائرالمتكاملة يتضاعف كل سنتين.

ونتيجة لهذا نلحظ التزايد الهائل للأجهزة الإلكترونية التي أصبحت أصغر وأقل تكلفة وأكثر إنتاجية. قوة الحوسبة في الهواتف الذكية الحديثة أعلى بكثير من قوة أجهزة الكمبيوتر العملاقة من ستينات القرن الماضي.

مفعول قانون مور يقترب من نهايته: أصبحت الترانزستورات صغيرة لدرجة أن سعرها سيزيد بدلاً من الإنخفاض. ولكن لا تزال الموارد الحاسوبية المتاحة تجاريا ترخص. جوجل ‎(NASDAQ: Alphabet Class C [GOOG])‎ وأمازون ‎(NASDAQ: Amazon.com [AMZN])‎ خفضوا التعريفات الجمركية على الحوسبة السحابية للمستهلكين. وهذه الموارد تتحسن بسرعة. في عام 2011، إريك برينأولفسون وأندرو ماكافي نشروا كتاب «السباق مع الآلة» («Race Against The Machine»)، تحدثوا فيه عن أن التقديرات خلال الفترة ما بين عام 1988وعام 2003، زادت أداء أجهزة الكمبيوتر ب43 مرة. تحسين معالج الجهاز لا يلعب الدور الأول: العامل الرئيسي - اختراع خوارزميات أكثر كفاءة.

ايريك برينولفسون وإندريو ماكافي

الآثار المفيدة لنمو طاقة الكمبيوتر لم تظهرعلى الفور. وغالبا ما يفسر ذلك باستخدام القصة عن الرجل الذي اخترع الشطرنج وأظهر إختراعه للملك. أعجب الشطرنج الملك لدرجة أنه وافق أن يقدم للمخترع أي مكافأة سيطلبها. طلب المخترع بوضع حبة الأرز في المربع الأول، وإثنتان في الثاني، وأربعة في الثالث، وهكذا إلى أن وصلوا إلى المربع الرابع والستين. وافق الملك على تلبية ذلك بسرور. و بدؤوا بعد حبات الأرز، وسرعان ما كان المربع يتطلب وضع حقل أرز كامل عليه. سرعان ماأإتسلم الملك: لم يكن هناك جبل من الأرز بحجم جبل ايفرست حتى في مدّخراته.

وبعبارة أخرى، النمو المتسارع في البداية يبدو ضئيلاً، و لكنه فجأة يخرج من السيطرة.

إريك بربناولفسون وأندرو ماكافي يقولون أن التقدم في مجال الحوسبة وتكنولوجيا المعلومات دفع الإنسانية إلى النصف الثاني من رقعة الشطرنج. تم حل مشاكل الكمبيوتر التي كانت تعتبر مستعصية فيالسنوات البضع الماضية. في عام 2005، وصف الإقتصاديان فرانك ليفي وريتشارد مورناين القيادة في شارع مزدحم بمشكلة معقدة لدرجة أن الكمبيوتر لن يستطيع حلها. بعد عدة سنوات، قدم Google أول سيارة من دون سائق. الآن، العديد من الشركات تقوم بتطوير الآلات ذاتية التحكم جزئياً أو كلياً. يبدو أننا حققنا اختراقاً كبيراً: يمكن للمبرمجين إستخدام الخوارزميات الذكية والحواسيب الضخمة، لضمان إظهار الكمبيوتر شيئا مشابها للذكاء البشري.

و الأمثلة على ذلك موجودة في كل مكان. أغلبية الآلات كانت تجد صعوبة في التعرف على الكلام واللغة المطبوعة، أو العمل مع الصور المعقدة، و لكنها الآن تحقق تطوراً في هذا المجال. ، آلة تابعة لشركة Apple، تستجيب بشكل صحيح إلى العديد من الأوامر الصوتية و يمكنها كتابة الرسائل التي تنقل إليها شفهياً. مترجم Google يعمل بسرعة كبيرة وبدقة أكثر، وأجهزة الكمبيوتر في الشركة تتعرف على الأشياء التي تراها الكاميرا بشكل أفضل (وتستخدم هذه القدرة على سبيل المثال، لرسم خرائط Google)‎.

في نفس الوقت تصبح أغلبية المعدات أصغر وأرخص - إبتداءً من الكاميرات إنتهاءً بأجهزة الاستشعار، مما يزيد من إمكانات الروبوتات، والطائرات بدون طيار وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. تستخدم الابتكارات في مجالات جديدة. على سبيل المثال، خلقت مدفوعات إلكترونية مثل Bitcoin و ولّد نموذج جديد للمدفوعات. تطوير برامج جديدة للتدريب عبر الإنترنت يمكن أن يؤدي إلى تغيير جذري في مجال التعليم العالي.

الثورة الثالثة، مثل سابقاتها، يمكنها أن تحسن بشكل كبير نوعية الحياة والرفاه، ولكن التاريخ يبين أن المجتمع سيتغير ببطء وتردد. في فجر القرن العشرين كان الجميع يتحدث عن المستقبل التكنولوجي المذهل، على الرغم من الإنتاج والإنتاجية كانوا ينمون ببطء حتى في البلدان الغنية الكبيرة. ثم، كما هو الحال الآن، رحب الإقتصاديون بالحقبة الجديدة من العولمة - على الرغم من أن التوترات في العالم تكاثفت. إضطرت الدول آنذاك بالتعامل مع عدد متزايد من العمال الغاضبين، كما هو الحال اليوم.

ويقدر بعض الاقتصاديين القدرة التدميرية للثورة الرقمية بشكل جذري. أساتذة أوكسفورد كارل بنديكت فراي ومايكل أوزبورن قاموامؤخراً بتحليل أكثر من 700 مهنة لمعرفة مستوى سهولة حوسبتها.

واتضح أنه في الولايات المتحدة 47٪ من المهن تحت خطر الحوسبة: هناك إمكانية كبيرة أنه سيتم إنجازها آلياً.

إريك برينأولفسون وأندرو ماكافي يتساءلون إن كان الناس قادرين علىى رفع مستوى مهارتهم بسرعة كافية للحفاظ على وظيفتهم. ويعتقد بعض الكتاب أن مستقبل الرأسمالية نفسها معرض للخطر.

العصور المظلمة للعمال

ويعتقد العديد من المحللين أن الثورة الرقمية ستخلق فجوة كبيرة بين مجموعة صغيرة من الأشخاص المؤهلين الأغنياء والناس الآخرين. في الماضي، كانت التكنولوجيات الجديدة عادة تساهم في نمو الأجور نتيجة لزيادة الإنتاجية، وكان ذلك يؤدي إلى زيادة دخل كل من العمال ذوي المهارات العالية و المتدنية. كان الجميع في فريق الفائزين: أصحاب الشركات والموظفين والمستهلكين.

فتحت التكنولوجيا فرصا ليس لها مثيل أمام الناس الموهوبين، كما أدى ذلك إلى زيادة االفجوة بين العمال ذوي المهارات العالية و المتدنية، وبين أصحاب الشركات والموظفين. تساهم التقنيات في زيادة في البطالة التي تقوم بدورها بإضرار الإستثمار.

و يأثر التقدم التكنولوجي أيضاً على طرق تطوير الاقتصادات الأقل ثراء التي اجتازت اختبار الزمن. يمكن حوسبة المزيد والمزيد من عمليات الانتاج الآن، وتحتل أعمال تصميم المهارة حصة متزايدة من سوق العمل. وهذا يؤدي إلى ما يسميه الاقتصاديون «تراجع الصناعة السابق للأوان» في البلدان النامية.

لم تعد هناك حاجة للعمال ذوي القدرات المتدنية من المناطق الريفية في القطاع الصناعي النامي.

في كل من البلدان المتقدمة والنامية تقدم التقنيات الفرص لأولئك الذين لم تتح لهم إمكانية متساوية في الوصول إلى سوق العمل لأسباب مالية أو جغرافية، ولكن يتم خلق فرص عمل جديدة للناس ذوي المهارات المتوسطة بكمية أقل بكثير مما كانت عليه أثناء الثورات التكنولوجية السابقة.

كل هذا يشكل تحديا للدول: نحن بحاجة الى طرق جديدة للتنظيم والتدخل والدعم. إذا تصرفنا بشكل صحيح، سنتمكن من توجيه التغيرالتكنولوجي لصالح المجتمع ككل. الإجراءات الخاطئة يمكن أن تولد غضب الموظفين الذين يفتقرون إلى العمل، وغضب دافعي الضرائب الأغنياء. وهذا هو الطريق المؤدي للسياسة الجامدة و المتناقضة.

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق