من يحكم ويكيبيديا
Gary Cameron/Reuters
الصفحة الرئيسية التقنيات

حركة الويكيميديا التي جمعت بين ويكيبيديا وعدد من المنتجات ذات الصلة بها كان يمكنها أن لا تكون موجودة. المبادئ الأساسية لعملها تدمر تماماً الأفكار التقليدية حول تحفيز الموظفين ومبادئ العمل و الشراكة على وجه الخصوص: عدم وجود نظام دفع الرواتب وعدم وجود أي تسلسل هرمي و مستخدمي النظام لا يكاد يعرفون بعضهم بإستثناء المساهمة المشتركة في المشروع.

و مع ذلك الويكيميديا ليس فقط موجودة بل أصبحت تجسيداً للشبكة العالمية: المورد يحتل بثبات المرتبة السادسة في قائمة المواقع الأكثر شعبية في العالم. لإنشاء النسخة الإنجليزية لوحدها يعمل أكثر من 22.5 مليون شخص و736 مليون متطوع يقوم بتعديل المواد الواردة.

بلغ عددالمشاهدات الإجمالية على مواقع الويكيميديا (بما في ذلك ويكيبيديا نفسها وويكي الإقتباس واليكاموس) في متوسط العام الماضي 20 مليار شهرياً.

نجاح الفكرة يدهش خاصة إذا تذكرنا أنه تقف وراء هذا المشروع التجاري الضخم مجموعة صغيرة من القادة المتطوعين غير المعروفين و كل واحد منهم يضطر إلى القيام بعمل إضافي لضمان سلامة الموقع و القيام في الوقت المناسب بملاحقة مرسلي البريد المزعج و بوتات الإنترنت وتنظيم الموقع بعد ذلك. «مدراء» المشروع الذين لديهم حق تثبيت أو إزالة القواعد الفنية للمشاركين الآخرين الذين يسمون" المضيفين".

وعلاوة على ذلك فإن الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم يرسلون تطبيقاتهم ليعملوا مجاناُ تماماً كإداريي الويكيميديا مع حقوق محدودة (يستطيعون إزالة / إستعادة الصفحة و يراقبون نظام الحماية على الصفحة و يمنعون دخول بعض المستخدمين ويساعدون المبتدئين و يقومون بتحرير وتغيير نمط واجهة المورد).

ستة وثلاثين بطلا

وراء كل هذا فقط 36 مضيف. في أيديهم «الحقوق العامة» إمكانية تحريرجميع البيانات ووظيفة تسوية جميع المنازعات والقضايا التي تتعلق بأي من منصات الويكي. يعيش المضيفون في أجزاء مختلفة من العالم و لا يحصلون على قرش واحد ونادراً ما (أو أبدا) يلتقون مع بعضهم البعض خارج شبكة الإنترنت.

هؤلاء الناس يفضلون البقاء في الظل. ومع ذلك، أصبح إسم واحد منهم معروفاً لعامة الناس. كان مؤسس الويكيبيديا جيمي ويلز يعمل كمضيف في أعوام 2006-2009. خصوصية مدهشة لموردٍ مفتوح! مضيف تحت الإسم المستعار Trijnstel يقول :

«الشيء الوحيد الذي يجب أن لا ننساه أننا بالفعل نحظى على حقوقٍ إضافية ولكن هذا لا يجعلنا أكثر أهمية من غيرنا من المحررين. التواصل مع المجتمع نقطة مهمة جداً لأن باقي المحررين عادةً يحصلون على حق التعبير عن رأيهم عبرنا ».

Trijnstel ربما المضيف الوحيد الذي يوافق على إعطاء تعليقات. ويرفض البعض الآخرالتعليق لكي لا يجذبوا الإنتباه و يبرزوا أنفسهم من بقية المشاركين في المشروع.

الأُخوّة الفكرية

ومن بين ال36 مضيفا Bsadowski1 فقط يعرف لغة واحدة (على الأقل ذكر في صفحته اللغة الإنجليزية ). إذا حللنا المجموعة ككل ففي المتوسط كل شخص يحظى على 3.6 لغة. في قائمة من 33 لغة فريدة يمكن لمديري المورد أن يجدوا اللغة الأذربيجانية والإندونيسية والتاميلية والسويدية وحتى لغة جزيرة صقلية.

جغرافية إقامة المضيفين تثير الإعجاب أيضاً و هي خمس قارات مختلفة و 22 دولة.

لدى ويكيبيديا بعض البقع العمياء عدد الناس من إفريقيا في المشروع قليل وجهتها الشرق آسيوية تكتسب زخمها ولكن جغرافية المورد مؤثرة بالفعل حتى من دون ذلك.

يمثل المضيفين مختلف المهن والأجيال:

  • أحد المدراء يتخصص في جوانب بناء الطرق والطرق السريعة الأمريكية.
  • و الآخرفي كوكب المشتري وأقماره.
  • و الثالث في حياة الذئاب القطبية.
  • و الرابع في ثقافة الإغريق.
  • و الخامس في الفيزياء النظرية.

كل شخص يحصل على كتلته الخاصة من الصفحات وموارد الويكيميديا. من بين المضيفين إمرأة واحدة فقط ولكن هذا الإختلال في التوازن بين الجنسين شائع في معظم مشاريع تكنولوجيا المعلومات.

وإنضم كل المضيفون إلى المشروع بطرق مختلفة. ويقول الإيطالي ذو الإسم المستعار Vituzzu أن قصته في الويكيبيديا بدأت عندما "كان يريد إضافة بعض التفاصيل عن الحرب العالمية الثانية التي لم يجدها على المورد". وبعد بضعة أشهر تولى حماية المورد من المخربين الأمر الذي أدى إلى حصوله على الوظيفة الرسمية كمضيف. و المضيف الآخركان يصحح الأخطاء المطبعية ثم إهتم بكتابة المقالات ثم إنضم إلى صفوف مكافحة المخربين. الشخص ذات الإسم المستعار Mentifisto من المملكة المتحدة إعترف أن برامج ويكي هي التي آثارت إهتمامه بالمشروع.

العمل المجاني

مسؤوليات كل من المضيفين منظمة تنظيماً صارماً. ويشارك إثنان من ثلاثة أفراد العينة في المشروع لأكثر من 8 سنوات، ويشارك الثالث ما يزيد قليلاً عن خمسة سنوات، أكثر من نصفهم يشاركون حوالي ثلاثة سنوات. وبالتالي ينفق أحدهم على المهام المرتبطة بويكيميديا 20 ساعة في الأسبوع؛ و الآخر ما لا يقل عن 8 ساعات في الأسبوع. وكل ما يحصلون عليه عند القيام بذلك - أيقونات صغيرة تُعرف بإسم barnstar. وفقاً للمفاهيم الحالية تستخدم هذه الرموز بمثابة مكافأة «لأفضل الكتاب على عملهم الجيد والمراجعة المتأنية». «هذه الجوائز جزء من حملة الخيرالتي تهدف إلى تعزيز المجاملة والويكي حب». هناك ملاحظة على صفحة التفسيرات: «هذا ما يشبه قطعة صغيرة من الدفء التي يمكنك إعطاءها للآخرين و وجعلهم يشعرون بالفر».

إضافة إلىbarnstar يوجد في قائمة الجوائز والأوسمة لقب ويكيبيدي العام كما يوجد العديد من رموز المكافأة الأخرى التي يمكن عرضها في الملف الشخصي (على الرغم من أنه في إحدى المرات ذكرت وسائل الإعلام أن أحد المضيفين حصل على تيشيرت مجاني).

ليس هناك راتب. كما لن يحصل أحدهم على شهرة. يريد المضيفون تطوير المشروع الذي بدؤوا بالعمل عليه. وعلاوة على ذلك الكثير منهم يرفضون تماماً فكرة الدفع. لدى هؤلاء الناس أولويات أخرى: الشعور بالبهجة بعد نشر مواد جديدة، والقدرة على نشر المعرفة وتعلم أشياء جديدة «كما أن القيام بذلك ممتع ببساطة».

الويكيميديا - أكبر مشروع مشترك ناجح في تاريخ البشرية، ومركز المعرفة الحديثة، التي تقوم على نموذج مدهش من الشراكة، غير عادي للعصر الحالي أليس هذا في حد ذاته هو دافع للمشاركة؟

خلافاً لقوانين السوق

أدى النجاح الباهر لحركة ويكيميديا إلى وقوعها في خضم الألعاب السياسية مع مضيفيها الذين لعبوا دورا رئيسيا في تحقيق نجاحها. حاول ممثلوالعديد من المفاهيم السياسية بين الحين والآخر إقناع المجتمع بالإلتزام العلني بمبادئ مماثلة للتعاون: و لما لا تعتدي على جدارة الآخرين؟ المقاتلون من أجل الحرية والفوضويون يدعون أن فيكي تعمل بسبب عدم وجود قيادة مركزية. الرأسماليون يلفتون الإنتباه إلى فكرة عدم التدخل والسعي لتحقيق التوازن. في رأي الإشتراكيين مؤسسة ويكيميديا - نموذج المساواة الذي لم تمسه حيل الرأسماليين.

إريك أولين رايت وهو عالم إجتماع في جامعة ويسكونسن في ماديسون يفضل النظرية الأخيرة. وفقا لكتابه «تصور اليوتوبيا الحقيقية» ‎(Envisioning Real Utopias)‎ نجاح ويكيبيديا يثبت بشكل عجيب أن حتى تخيلاتنا الأكثر مثالية يمكنها أن تتجسد في ظروف الحداثة:

«ومن الملفت للنظر أنه في ظل هذه المبادئ للتعاون في إطار خلق مورد عالمي لا يصدق شارك عشرات الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم. مثال ويكيبيديا يثبت إمكانية واسعة النطاق لتطبيق مبادئ المساواة في التعاون الفعال الذي لا يضع قوانين السوق في محور الموضوع».

ومع ذلك، فإن الدول الساعية وراء تحقيق الديمقراطية الإجتماعية مع أنظمة السلامة المتقدمة تزدهر بشرط عدم تجانس السكان؛ يميل الناس إلى الإعتناء بأمثالهم من نفس الطبقة الإجتماعية. لا يوجد لدى الويكيميديا مع «موظفيها» من جميع أنحاء العالم أي مزايا طبيعية واقعية.

كل صوت يهمنا

من وجهة نظر الإقتصاد السياسي وعلم الإجتماع والمنطق السليم كان من المستحيل إنشاءحركة الويكيميديا وكان لايمكن لمثل هذا المشروع أن يكون ناجحاً جداً. ولكن تحقق كل شيء من دون الحيل أوالتدخل السحري.

الناس يرغبون في المشاركة لأن ذلك يعجبهم، لأنهم يتعلمون شيئاً جديداً بفضل هذا ، ولأنهم يملكون إمكانية تعليم الآخرين. و هم يتحملون مسؤوليات القيادة ليس من أجل السلطة والمال أو الشهرة ولكن ببساطة لأنهم يقدّرون المجتمع والمشروع نفسه. Trijnstel يقول:

«يمكن لأي شخص أن يصبح عضوا في مجتمعنا، يهمنا صوت كل شخص».

Mentifisto يضيف:

«تعمل فيكي لأن جميع الأشخاص الذين يستطيعون المساهمة في تطويرها يقومون بذلك».

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق