الواقع الافتراضي الجديد على الأبواب
الصفحة الرئيسية التقنيات

يحكي بو كرونين، المؤسس المشارك للمشروع الرائد Prior Knowledge، عما يجعله يعتبر أن عالم الواقع الافتراضي الجديد قد حان فعلاً.

إذا كنت رجل أعمال أو مستثمراً يحاول إيصال التكنولوجيا إلى السوق، قد لا يكون مجيئك قبل أن يحين الوقت بقليل أفضل من أن تكون مخطئاً تماماً. ولكن إذا نظرت إلى الأمور نظرة مستقبلية، يتضح أن الكثير من أفضل الشركات والمنتجات في سوق تكنولوجيا اليوم ترتكز على الأفكار المجربة سابقاً، بعضها مجرب أكثر من مرة، وقد جربتها فرق عمل ذكية، ولكن ما حان وقتها إلا اليوم.

الواقع الافتراضي أحد المجالات التي تغري الكثيرين من المطورين النبهاء على مدى تاريخه الطويل. رغم الصعودات والسقوطات الواضحة، الحلم بالواقع الافتراضي لم يمت يوماً. ما تحمله هذه التكنولوجيا من الوعود واضح جلي منذ عشرات السنوات، والكثير من المتحمسين كرسوا سنوات مسيرتهم المهنية لتحقيقها في الواقع. ولكن على مدى نصف قرن بقيت الأحلام تسبق الواقع كثيراً من حيث الثمن والإنتاجية.

لو ننظر نظرة موضوعية نجد أن الواقع الافتراضي قد قطع باعاً طويلاً في تطوره، مع أن أغلب هذا التطور قد حصل في مجالات تخصصية لا يراها أغلب الناس، وتلك المجالات لا يشكل فيها الحجم الضخم لنظم الواقع الافتراضي وثمنها الباهظ مشكلة كبيرة، مثل نظم التدريب العسكرية أو استكشاف ثروات باطن الأرض. ولكن المتطلبات الرئيسية التي يجب أن تحققها الأجهزة في الأسواق الاستهلاكية لم تتحقق حتى الآن: معالجات اقتصادية وشاشات كبيرة وسريعة وأجهزة استشعار صغيرة ودقيقة. إلا أن بفضل صناعة الهواتف الذكية تتطور كل هذه المكونات بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، فتصبح نظم الواقع الافتراضي الصغيرة والرخيصة وعالية الجودة ممكنة فعلاً.

لا يبقى أمامنا انتظار طويل حتى يتحقق الواقع الافتراضي الكامل على المستوى التجاري، وأصبحت القضية شيقة.

من المدهش أن ترى بأم عينك القفزة التي تحققها التكنولوجيا الثورية الملائمة للاستخدام في الحياة اليومية من الاستخدام في المجالين الإنتاجي والبحثي فقط إلى الخروج إلى السوق العام. في مثل هذه الأوضاع لا مفر من المفاجآت، ولكن هناك سوابق تاريخية تلمِّح إلى ما ينتظرنا. لو قارنّا تطور الواقع الافتراضي مع مسيرة تطور الإنترنت مثلاً، فإن اللحظة الراهنة تطابق تقريباً سنة 1994. في ذلك الوقت كان الإنترنت والتكنولوجيا المرتبطة به يزدهر في الوسط البحثي والأكاديمي منذ سنين. ولكن فيما عدا المبادئ التقنية العامة، لم يكن هناك أي شيء مشترك بين الشبكات الباكرة التي استخدمها العلماء والإنترنت العام الذي ازدهر في نهاية التسعينات.

كانت أول تجربة لي أونلاين مع ما يمكن تسميته Web 0.1، وحصلت حوالي سنة 1993، قبل عصر Netscape. في تلك الحقبة لم يكن واضحاً بعد أن المتصفحات ذات واجهة رسومية والنص الفائق سوف تسود الإنترنت وتتفوق على بروتوكولات مثل FTP أو Gopher. ذلك الإنترنت الباكر كان يجسد أفكاراً وأولويات مختلفة تماماً عن وريثه الإنترنت الذي نعرفه اليوم، ومن الممتع أن نتذكر كيف تغير الغرار التقني فجأة متى أتيح الوصول إلى الإنترنت للعموم.

تغير منطق التطور تدريجياً، ولكن قطعياً، من احتياجات العلماء والمهندسين إلى احتياجات المسوقين والمصممين والمستهلكين. الكثير من القرارات الحاسمة للإنترنت الباكر بقيت مفيدة في الظروف الجديدة، وبعضها لم يعد ملائماً؛ بعضها أعطى مكانه لحلول أفضل (التنضيد الجدولي حل محله CSS)؛ بعضها الآخر لا نزال نناضل معه حتى اليوم (مثل حقل «From: addresses» في البريد الإلكتروني).

ومثلما حصل مع الإنترنت في سنة 1994، يكاد الواقع الافتراضي يتجاوز العتبة بين جمهور ضيق من المتخصصين الذين يحبون هذه التكنولوجيا بلا قيد أو شرط وبين جمهور أوسع بكثير من المطورين ورجال الأعمال الذين تهمهم الديناميكا والإمكانيات التي ستنفتح متى أصبح الواقع الافتراضي متاحاً للعالم.

يشير فيليب روزديل من High Fidelity إلى أن اليوم يبلغ عدد الناس الذي لديهم تجربة الواقع الافتراضي حوالي المليون، إلا أن هذا العدد يمكن أن يتجاوز المليار خلال بضع سنوات فقط. مثلما حدث مع الإنترنت، يمكن أن تصبح ديناميكا التطور بهذه المقاييس مختلفة تماماً. فكروا بمستوى إنتاجية فريق صغير من مطوري الويب اليوم، عندما يستخدم الأدوات العصرية المتوفرة، وقارنوها مع ما كان يمكن مشاهدته منذ 20 سنة. لا يقتصر الموضوع على أن كل شيء أصبح الآن أبسط وأرخص بكثير من ذي قبل، بل القصة أن آلاف الأفكار التي تبدو تافهة أو جنونية صار من الممكن تجربتها دون مخاطرة تقريباً. صحيح أنك تحصل أحياناً على أمثال ChatRoulette، إلا أنك تحصل في أحيان أخرى على Snapchat.

إلا أن التشبيه بالإنترنت قد يأخذنا بعيداً جداً. دعنا نتفحص المميزات الحالية للواقع الافتراضي ونستنتج الوضع الراهن منها.

الناس

الواقع الافتراضي اليوم، عدا عن العلماء، بين يدي المتحمسين والمبتكرين الجاهزين للصراع مع العتاد المتمرد وتكريس كامل وقتهم لتفاصيل الإعدادات وتكامل التجهيزات. تتمثل المنظومة البيئية للواقع الافتراضي اليوم على مستوى الهواة بالدرجة الأولى: المطورين المستقلين والمشاريع الرائدة ومنظمي اللقاءات وأصحاب المدونات الصوتية، وجميعهم يساهمون في التبشير بالواقع الافتراضي. ولكن في السنتين أو السنوات الثلاث القادمة ستتوسع المؤشرات الديموغرافية ومجموعة مهارات وأفكار مطوري الواقع الافتراضي ومستهلكيه توسعاً ملموساً؛ وبالتوازي مع ذلك سيتغير كامل سبيل تطور التكنولوجيا كي تعكس احتياجات أكبر عدد ممكن من المستهلكين، ثم احتياجات السوق الأوسع.

سيتطور النفوذ عند أنماط جديدة من الناس والمؤسسات من خلال صياغتهم للأهداف والمقاربات المثلى للوسط الجديد المتنامي. يمكن مشاهدة ذلك اليوم في مشروع WebVR قيد الإنشاء، والذي يسعى إلى مساعدة مطوري ومصممي الويب في خلق محتوى أكثر جودة للواقع الافتراضي باستخدام التكنولوجيا المعتادة ونشر هذه الخبرة عبر المتصفح مباشرةً. ويتبين من قواعد الحساب البسيطة أن أغلب هؤلاء الناس وهذه المؤسسات سيكون جديداً على المجال وليس من المخضرمين الذين يسودونه حالياً. قد ينزعج بعض المخضرمين من هذا الأمر، إلا أن الانتقال حتمي إذا كنا نريد نجاح التكنولوجيا.

النظم

هناك توجه عند بعض الجماعات بأنهم يعتبرون خوذة Oculus Rift في نفس سوية منصات الواقع الافتراضي السابقة لها وتلك التي تظهر بسرعة بعدها. أعتقد أن هذا خطأ كبير. في الحقيقة، هذه ليست إلا واحدة من المقاربات الممكنة للتصميم (شاشة كبيرة من الهاتف وبصريات بسيطة ومستشعر تسارع بالإضافة إلى كاميرا خارجية من أجل المتابعة)، وهذا هو تقييم الباحثين الجديين لها. المقاربات الأخرى ممكنة بلا شك، ومن المحتمل جداً أن الإصدارات القادمة من Oculus Rift ستجسد مقاربات مختلفة جداً للتصميم والتكنولوجيا. قد يكون الفرق في بصريات أكثر تعقيداً أو في حلول مختلفة لمتابعة الحركات.

ولكن من جوانب أخرى يمثل Oculus Rift اختراقاً هاماً مقارنة بكل ما سبقه. من وجهة نظر المجال الواسع للواقع الافتراضي يصبح Oculus Rift رائد الجيل الجديد، محطم القوالب القديمة ومرجعاً لسنوات طويلة. لا عجب في أن الشاب الغريب قد أدرك أن ظهور مكونات جديدة يبشر بالتغييرات الشاملة في الإمكانيات. يعرف بالمر لاكي تاريخ الواقع الافتراضي معرفة ممتازة، ولكن معلوماته الموسوعية ارتكزت على عدم رضاه التام بالإضافة إلى الافتراض الأساسي لأي هاكر بأن كل شيء يمكن أن يعمل بصورة أفضل. إن مثل هذه النظرة من المستبعد أن تتظاهر بوضوح في البيئة الأكاديمية أو بين المنتجين المستقرين المعتادين على أسواق متخصصة غير حساسة للتكاليف.

ومن هذا المنطلق، من الأفضل أن ننظر إلى Oculus على أنه المنصة الأولى من نوعها، وليس مجرد أكثر الأجهزة تقدماً في سلسلة من تجهيزات ذات معولية متماثلة. لو نعود قليلاً إلى التشبيه بالإنترنت، سيكون ذلك كما لو اعتبرنا Netscape «مجرد تطبيق آخر» في مجال الإنترنت، مثله مثل Lynx على سبيل المثال: هذا الرأي قد يكون صحيحاً من بعض الجوانب، ولكن تفوته النقطة الأكثر أهمية.

المعايير

مع أن Oculus Rift تفتتح فعلاً عصراً جديداً، يبقى الكثير من الأسئلة حول المنصات والأدوات البرمجياتية التي ستسمح للمطورين بإنشاء ونشر المحتوى الغامر. هل سيكون في هذا المجال برمجيات ومعايير مستقلة عن المزود؟ هل ستحظى بقبول واسع وهل سيُلتزَم بها أم سيتجاهلها الكثيرون على أرض الواقع؟ آمل أن الجميع يدرك أهمية المعايير الصامدة، كما هي الحال مع الإنترنت: يبدو أن المجال كله سيصاب بالأذى لو اضطر الأمر مثلاً إلى إعادة كتابة كل تطبيق من أجل كل جهاز جديد. ولكن يحتمل أن الأدوات محمية الملكية من أجل المطورين، مثل محرك Unity، يمكن أن توفر التوافق الكافي ولن تلزم عمليات منفصلة من أجل التعيير. لا تزال أشياء كثيرة مبهمة، بما فيه السؤال الأساسي حول المنظمة التي ستترأس هذه الجهود.

الاستعمالات

ما الذي سيشكل الاختراق في الموجة الأولى من الواقع الافتراضي الاستهلاكي؟ يصعب التكهن بذلك لأن هناك عدد من الأسواق الاستهلاكية الضخمة المحتملة: الألعاب والبرامج التلفزيونية والبث المباشر والرحلات والتواصل وتبادل الخبرات والتعليم. من المحتمل أن يغير الواقع الافتراضي جميع هذه المجالات، ولكن في مراحل مختلفة. أي المجالات سيتأثر قبل غيره؟ ما يثير الاهتمام أن Oculus أدلت مؤخراً بتصريح عجيب حول تغيير اتجاه نشاطاتها (المؤقت حسب زعمهم) من الألعاب إلى الأفلام والتسالي الأخرى المرتبطة بنقل القصة. قد يعود ذلك إلى عوز الحلول التكنولوجية الواضحة لأجهزة الإدخال التي لا ضرورة لها عند مشاهدة الأفلام. ويبدو أن تقييم مجالات الاستعمال المحتملة انطلاقاً مما تتطلبه من تجهيزات فكرة جيدة. الاستخدامات الاجتماعية مثلاً سيكون نموها أبطأ قبل أن تظهر الإمكانيات الإضافية لتتبع الحركات، ولا سيما حركات العينين، ليمكن محاكاة التواصل البصري.

لا تظهر منصات حاسوبية جديدة كل يوم. يمر الواقع الافتراضي حالياً بتلك المرحلة الفاتنة عندما يمكن اعتبار تجسيدها أمراً محسوماً، ولكن ليس لدينا أي أجوبة عن أي من الأسئلة الهامة حول شكل وطبيعة هذا التجسيد وتأثيره الاجتماعي الاقتصادي. طبعاً، بعض احتمالات مستقبل الواقع الافتراضي أفضل من غيرها: تلك الأكثر مساواةً وانفتاحاً واعتباراً للجوانب الحساسة لطبيعتنا. يجب أن نكون شاكرين للمتحمسين الذي أوصلونا إلى هذه المراحل، ولكن يجب ألا نخاف من الاعتراف بأن المجال يحتاج إلى دماء جديدة.

لم يخوِّلني أحد بتنظيم حفلة، ولكني سأقولها في كل الأحوال: أهلاً بكم في العالم الافتراضي الجديد العجيب.

المصدر: Medium

الرجاء وصف الخطأ
إغلاق