كيف ستتغير عملية إقراض الأعمال التجارية إذا ما تمت مباشرة عبر البنك المركزي.
مانهاتن، 2040. أليس تقرر فتح متجرا للأشياء العتيقة. ويبدو أن تشيلسي هو المكان المناسب. وهي في حاجة الى 150 متر مربع لوضع كل ما جمعته على مر السنين من الأشياء القديمة والذهاب لشراء اأشياء جديدة في أسواق السلع المستعملة المعروفة في أوروبا الشرقية. إنها بحاجة للمال لهذه المشتريات. والمشكلة في أن أليس لا تملكه.
إنها تدخل إلى حسابها الشخصي في النظام الاحتياطي الفيدرالي وتختار «طباعة المال للنشاط الإقتصادي الشخصي». ويظهر على الشاشة عدد من الأسئلة حول طبيعة أعمالها والتكلفة، وتقوم أليس بتلخيص خطة أعمالها.
ثم يجري البنك المركزي الحسابات، نظرا لبياناتها الشخصية والوضع المالي. لديها شقة صغيرة ودخل ثابت. ويظهر التحليل الإحصائي لتاريخها المالي أنها دافع مسؤول وموثوق منه. تجتمع تفاصيل المخاطر المرتبطة مع فكرة العمل لأليس بالبيانات عن احتياجات الاقتصاد ونموه في مختلف المجالات. كما تأخذ بعين الاعتبار المعلومات الأخرى التي يملكها البنك.
في حال الموافقة على الاستثمار، سيقوم البنك بإرسال مبلغ معين إلى حساب أليس الشخصي. وسوف تكون قادرة على تحويل الأموال إلكترونيا، وطباعة الشيكات، وحتى الأوراق النقدية على طابعتها الخاصة.
إن البنوك التجارية لم تعد موجودة لأنهم وسطاء لا لزوم لهم. يحدد البنك المركزي هؤلاء من يحتاجون إلى قرض، ويولد المال وينقلها إلى العميل. ستنتقل كل إدارة الاستثمار والائتمان إلى البنك المركزي. البنك يسيطر على الاقتصاد بأكمله. إنه يرى كل شيء. إنه يعرف كل شيء. إنه يحسب من فرص نجاح أليس ويوافق على قرضها إذا كان فعالاً ولا يحمل أي مخاطر.
العميل لا يحتاج إلى العلاقات أو خدمة من موظفي البنك. إذا تم رفض الطلب للحصول على القرض فيجب أن يكون لدى البنك سبب وجيه. وأشارت الحسابات المعقدة أن مشروع عملك لن يجلب الأرباح في المستقبل القريب. فكانت أليس قد أنفقت الوقت والطاقة مع عدم وجود أمل على الفوز. في الواقع، فإن البنك حتى عمل لصالحها.
الإعصار القوي قد حسب كل شيء
وتنقسم قصتنا إلى ثلاث مراحل: تقوم أليس بإرسال الطلب، يقوم البنك بتقييم فرص نجاحها، ومن ثم ينقل الأموال مباشرة إلى أليس.
هنا، يواجه الواقع الجديد (التعامل مع البيانات الكبيرة) النظرية النقدية المثيرة للجدل. إنها نظرية أصل المال الذاتي (الداخلي).
دعونا نبدأ مع البيانات الكبيرة. قبل ثلاث سنوات، أجرى مختبر أبحاث IBM تجربة رائعة. عبر مقارنة الكتابات عن الإنفلونزا في الفيسبوك مع البيانات المتاحة، قاموا ببناء نموذج إحصائي للتنبؤ بانتشار المرض في موسم معين. و بعد مقارنة بيانات جدولهم ببيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وجدوا علاقة مثيرة للدهشة.
في حالة قصة أليس يحلل النظام الاحتياطي الفيدرالي بهذه الطريقة البيانات بناء على المنوال، ونفقات السياح، ثم يضيف إلى ذلك البيانات الشخصية لأليس. ثم تقوم الخوارزمية بمعالجة كافة هذه المعلومات، وتقييم فرص نجاح مشروع أليس.
إذا أتى الكمبيوتر المركزي إلى استنتاج مفاده أن القرض يستحق المخاطرة، فإنه سوف يخلق المال من أجله.
المال كوسيلة للتواصل الاجتماعي
وفقا لنظرية أصل المال الذاتي (الداخلي) تقوم البنوك بتوليد بشكل مصطنع من الصفر بغرض تحريك النمو الإقتصادي. ووفقا لهذا الرأي، قبل تلبية الطلب للحصول على القرض لم يكن المال موجوداً. يتم إنشاء المال بناء على الطلب.
يعتقد البروفيسور ل.ب. روشون من الجامعة الكندية في سودبوري أن النمو الاقتصادي المحتمل أحرز بفضل خلق النقود كما وُصف أعلاه. و من أين يحصل البنك المركزي على المال؟ إنه يدين لنفسه، أي ببساطة يحرك الأرقام من سطر واحد إلى آخر.
بعد ذلك يدون البنك المركزي نقل الميزانية العمومية، على سبيل المثال، مليون دولار، وترسلها إلى جهاز كمبيوتر أحد البنوك التجارية. ثم يقوم البنك بتحويل الأموال إلى العميل الذي يشتري المعدات، ويوفر رواتب الموظفين، ويبيع السلع ويجني الأرباح ويقوم بإرجاع المال.
عندما يقوم البنك التجاري في المقابل بدفع القرض للبنك المركزي يقوم البنك بإزالة القرض «المأخوذ من نفسه». من وجهة نظر روشون، المال هو في المقام الأول أداة للتنظيم الاجتماعي. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا الوصول إلى هذه الأداة محدود جدا؟
عالم رائع جديد
من الصعب الحديث عن الحرية في مجتمع حيث كل خطوة، حتى لو كنا لم نقرر بعد يمكن التنبؤ بها على أساس أعمالنا في الشبكات الاجتماعية، وأصدقائنا، أفعالنا الماضية وما يحدث حولنا.
لا يزال لدينا حرية الاختيار، ولكن تحت إشراف مستمر. وإذا لم يكن هناك حرية حقيقية، فما مدى كبر دور السوق الحرة في تاريخ أليس؟ يبدو أن ذلك خال من المعنى.
تعيش أليس في النظام الاقتصادي، الذي يختلف من النظام الرأسمالي والاشتراكي المعروف . من ناحية، إنها سوق ذات سيطرة كاملة. تتفاعل جميع الشركات من خلال آليات مركزية للرصد والتحليل. ولكن، على عكس الاتحاد السوفييتي، حيث نشأت المشاكل بسبب النقص في التخطيط، فإن الكمبيوتر يتخذ القرارات بناء على المعلومات الأكثر اكتمالا عن حالة الاقتصاد.
و لكن الإدارة المركزية هي ليس أهم جزء من هذا النظام. والفرق الآخر عن الاتحاد السوفيتي «للسوق» هو أنه لا يوجد هنا مكان للسلبية، ولكن هناك الكثير من المساحة والضرورة لروح المبادرة والإبداع.
من ناحية أخرى، فإن السوق في هذه الظروف هي ليست السوق الحرة بالمعنى الغربي للكلمة. في ظل هذا النظام، سيكون البنك المركزي قادرا على تخطيط مبادرة كل مواطن بصرامة وعلى إدارتها، فسيحصل البنك على السيطرة الكاملة على الإقتصاد. سيتم تحليل كل طلب ائتمان تلقائيا بتحليل الكمبيوتر وفقا للمعايير التي يضعها البنك المركزي.
ومع ذلك، فإن المبادرة الخاصة والإبداع سيحصلان على المزيد من الفرص مما هو عليه اليوم. وعلاوة على ذلك، على عكس الاقتصاد السوفييتي المخطط لها في المجال الخاص، لن يكون هناك تدخل بشري في القطاع الخاص. وستختفي التفضيلات الشخصية والمحسوبية أو المحاباة و لن تفرض القيود على الإبداع. ووسوف يأخذ الكمبيوتر المركزي في الاعتبار أن الاقتصاد يحتاج إلى الإبداع والابتكار.
على عكس البنوك الحديثة فإن خوارزمية المستقبل ستأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاستثمارات في المناطق الخطرة، وإنها مستعدة لتخصيص القروض حتى على مشاريع طموحة للغاية. و حتى الفنانين والشعراء المهمشين يمكن أن يطالبوا بالقرض. البنك المركزي يعلم أن المجتمع الإنساني لا يمكن أن يتواجد بدون الفن.
وماذا عن الخصوصية؟ لقد فات الأوان! إنها غير موجودة منذ فترة طويلة. ألم تلاحظ ذلك؟